صار المجتمع الجزائري عشية رئاسيات السابع عشر أفريل مقسما بين مؤيد للعهدة الرابعة ومعارض لها، وتم تصنيف الناس بين من هو مع بوتفليقة ومن هو ضده، وساد الاعتقاد بأن الذي يعارض ترشح الرئيس هو خائن وضد استقرار الوطن وتطوره، ومن يؤيده هو المخلص والوفي، لكن الحقيقة غير ذلك لأن بوتفليقة في حد ذاته كان أول المعارضين لترشحه لعهدة رابعة، عندما أطلق تلك الجمل الشهيرة في سطيف منذ سنتين، وقال بأن جيله "طاب جنانو" و"اللي فات وقته ما يطمع في وقت الناس" و"عهد الشرعية الثورية والتاريخية انتهى".. آنذاك كان بوتفليقة في كامل قواه وعنفوانه قادرا على الحركة والوقوف والكلام، وتعاطف معه الكثير من الجزائريين الذين أشفقوا عليه، وأبدوا تفهما وتقديرا واحتراما كبيرا لرجل عرف قدره، وتجاوبوا مع رغبته في ترك مكانه لغيره، وراحت الأجيال الصاعدة بعد ذلك تتطلع إلى جزائر جديدة بعيدا عن الكراهية والإقصاء وتصفية الحسابات، لكن سرعان ما تبددت تلك الآمال مع الوقت وترشح الرئيس مجددا وتعددت التساؤلات حول نوايا الرجل ومحيطه، وهل يمكن أن يغير رأيه في غضون بضعة أشهر بعد الوعكة الصحية؟ وهل هو فعلا يريد عهدة رابعة بمحض إرادته؟ ثم هل هو على علم بموجة التذمر السائدة في بعض الأوساط منذ إعلانه الترشح؟ وهل يمكن أن يكون على دراية بما تكتبه وتقوله وسائل الإعلام العالمية عن ترشحه وهو على أبواب عقده الثامن؟ الأكيد أن المحيطين به قالوا له بأن الشعب كله يريده! والبلد سينهار من دونه! وقالوا له بأن المناوئين له يتربصون به وبأنصاره لينتقموا منهم! وقالوا له إذا انسحبت سيقولون بأن العسكر فرضوا عليك ذلك وتغلبوا عليك! ويجب أن تبقى رئيسا وتموت رئيسا تقديرا لتضحياتك وجهودك! لقد قالوا له أيضا بأن الأصوات التي تعارضك هي قليلة، حاقدة عليك وعلينا، وهي خائنة تريد الاستئثار بالجزائر لتنتقم منك، ومن كل المساندين لك، وهي فئة قليلة لن تقدر على قلب الموازين يوم الاقتراع لأن الشعب لا يزال متعلقا بك! بين هؤلاء وأولئك، ومع مرور الوقت وبروز معطيات جديدة بدأت تظهر معالمها على الساحة، ومعطيات أخرى سيكتشفها الجزائريون بعد17 أفريل، سيتبين بأن الذين يتمنون عدم ترشح الرئيس لا يكنون له أي حقد أو كراهية وهم أكثر احتراما وتقديرا للرجل، رغم هفواته وخياراته الخاطئة، وأكثر الناس حرصا على استقرار الوطن وانسجامه، وأكثر الناس وفاء ودعما له خلال العهدات الثلاث ومنذ خطابه في سطيف.. أما الاعتقاد بأن من يعارض العهدة الرابعة أو يدعو إلى مقاطعة الانتخابات هو ضد بوتفليقة وضد الجزائر، فيحمل الكثير من المغالطات لأن من يدفع بالرئيس للبقاء في هذه الظروف هو الذي يعمل ضد الرئيس وضد الجزائر، وهو الذي يجب أن يدرك بأن بقاء الرئيس بعد 17 أفريل وبقاء المحيطين به في مواقعهم لن يساهم في استقرار وتطور الجزائر التي فقدت الكثير من انسجامها وتوازناتها بفعل من ساهموا في تصنيف الناس حسب مواقفهم وقناعاتهم وليس حسب إخلاصهم وكفاءاتهم وما يقدمونه لوطنهم!! أما إذا كان الرئيس هو الذي يريد العهدة الرابعة فعلا ويعرف ما يدور من حوله ومن خلفه، وهو في حالة صحية سيئة سنبقى نذكره بما قاله منذ سنتين في سطيف ونذكره بما قال في أولى أيام حكمه سنة 99 عندما قال"أعرف بأن الكرسي يدوّخ، ولكن إذا دخت فيقوني يا شعب".... الكثير من الجزائريين يعتقد بأن الكرسي دوخك، وكانوا يتمنون أن تستفيق قبل فوات الأوان..