عندما تهزم "جلدة منفوخة" الطبقة السياسية وتمسح بها الأرض، وتهزمها في معركة التجنيد والتعبئة والإقناع والاستماع والاستدراج.. فمن الضروري أن تجتمع هذه الطبقة التي تعاني ثقبا لا يختلف عن ثقب الأوزون، حتى تبحث عن الخلل، ومكمن الداء، وتشخّص الوباء وتقترح الدواء! أغلبية الجزائريين أصبحوا لا يتكلمون سياسة، ليس لأنهم يكفرون بها، أو أنهم لا يعرفونها ولا يدركون خباياها، ولكن لأنهم أصبحوا لا يثقون في صناعها ونشطائها من السياسيين الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، ولا يتذكرون "الشعب" إلاّ عندما يجدّ الجدّ! المواطنون منشغلون هذه الأيام بأخبار الترحيل وبرنامج "عدل" واقتراب شهر رمضان والمونديال، ومنشغلون بالأسعار وباللحوم المستوردة، منشغلون بالمشاكل الاجتماعية ومنشغلون بموسم العطل والأعراس والاصطياف، ومنشغلون بنتائج البكالوريا وشهادتي التعليم الابتدائي والمتوسط! لكن، بالمقابل، يغيب الحديث عبر الأسواق والبيوت والشوارع والمقاهي، عن كلّ ما له علاقة بالسياسة والسياسيين، ولعلّ من الخطورة بمكان، أن تصبح السياسة مجرّد مهنة لمجموعة من النخب التي لا تسمع سوى صوتها، أو تغرّد خارج السّرب، أو تجتمع في صالونات يبغضها الزوالية! لقد انشغل بعض "نواب الشعب" كثيرا بإشاعة أو "بُشرى" حلّ البرلمان وتنظيم تشريعيات مسبقة، وانشغلوا قبلها كثيرا بحكاية تسمين أجورهم، لكنهم لم ينشغلوا بنفس الحماسة والإرادة بمشاكل الغلابى في الربوات المنسية والمداشر المعزولة التي انتخبتهم ذات خميس لتمثيلهم بدل "التبهديل" والتمثيل عليهم! لقد انشغل الكثير من الوزراء بأنباء التعديل الحكومي وبالأسماء التي ستذهب والأسماء التي ستأتي، لكنهم لم ينشغلوا بنفس الاستعراض بمشاكل يواجهها المواطنون على مستوى قطاعاتهم الوزارية، ومنهم من أغمض عينيه من باب "ما تشوف عين ما يوجع قلب"! ولاة وأميار ومعهم أحزاب ومتحرشون بأصوات الباقي المتبقي من بقايا الناخبين، ينشغلون كثيرا بالمواعيد الانتخابية، وبحركات التغيير والتحويل والعزل والإحالة على التقاعد وسحب الثقة، لكن أغلبهم لا ينشغل بخدمة المواطن والبحث عن حل مشاكله، بالاقتراح والحلول بدل التنظير و"البلابلة" وضرب الريح بالكلخة! من الطبيعي أن يردّد ويغرّد غاضبون ومستاؤون وفاقدون للأمل ومطعّمون باليأس والإحباط والقنطة والقنوط، فيُخاطبون أفرادا وجماعات من أهل السياسة "المسوسة" فيقولون: "ما تحشموش".. لأنهم كرهوا من هؤلاء وأولئك الذين يأكلون الغلّة ويسبون الملة!