أكد الناشط السياسي والكاتب عدة فلاحي في حوار ل»صوت الأحرار« أن الأحزاب الإسلامية خسرت رهان ما يسمى »الربيع العربي وقال إنها» وجدت نفسها تغرد خارج السرب«، مشيرا إلى أن الأحزاب الإسلامية التي دعت إلى مقاطعة الرئاسيات كلها شهدت انقسامات داخل صفوفها. ما هي قراءتكم للمشهد الانتخابي بعد إعلان المجلس الدستوري عن قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسيات المقبلة؟ ما يمكن قوله هو أن عديد الشخصيات السياسية و الثقافية أرادت أن تحل محل المجلس الدستوري و تنتزع منه صلاحياته و هذا حينما ذهبت في إعطاء شرعية خوض الانتخابات الرئاسية لهذا الطرف دون آخر، فالبعض طالب بتفعيل المادة 88 من الدستور لمنع الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة من ممارسة مهامه بسبب العجز و المرض كما أن نفس هذه الأطراف ظهرت و كأنها مترددة و متذبذبة في مواقفها بسبب التخبط و عدم وضوح الرؤية مثل حركة مجتمع السلم »حمس« و قد أعقب هذا الحراك نوع من البرود في المشهد الذي بدا ضبابيا للطبقة السياسية التي لم يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود وما إذا كان بوتفليقة سيترشح أم لا، ثم غرقت النخب السياسية مرة أخرى في الجدل الذي أثاره الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني »الأفلان« السيد عمار سعداني حينما فتح الحديث حول ضرورة انتقال الجزائر إلى دولة مدنية، الأمر الذي جعل عديدا من الرؤوس تنخرط في هذا السيناريو الذي ورّط بعض الوجوه التي وجدت نفسها خاسرة في تكهناتها و قراءاتها و حساباتها بل و حتى رهاناتها التي تبخرت بمجرد إعلان بوتفليقة و بشكل رسمي عزمه الترشح لخوض انتخابات أفريل 4102 و هو الحق الذي منحه له الدستور الذي التزم به المجلس الدستوري دون تأويل خارج السياق الذي تريده المعارضة التي لم تتفق فيما بينها حتى في أبسط المسائل التي تقنع المواطن الجزائر الذي زهد فيها بعدما أدرك بأنها ليست المهدي المنتظر. ¯يلاحظ المراقبون أن هناك غيابا للإسلاميين في الانتخابات الرئاسية، ما رأيكم؟ غياب الإسلاميين لم يعد يطرح مشكلة في الساحة السياسية بل إن حضورهم هو الذي كان يتسبب في حدوث المشاكل و بالخصوص حينما هبت رياح الربيع العربي التي جعلت هذا التيار ينتفض من سباته العميق و يحاول دون بذل أي جهد نضالي شريف و مبدع حصد ما عجز عن تحقيقه في الماضي، هذا الماضي الذي كشف كم أن الأحزاب الإسلامية و قياداتها بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة المدنية الحديثة وكم هي بعيدة عن فقه النوازل السياسية وكم هي بعيدة عن الخلق و الإبداع وفي طرح المبادرات الفاعلة والعملية وأكثر من ذلك كم هي بعيدة عن الحس الحضاري الذي يجب أن يتوفر لدى رجال الدولة وهذا كله جعل المواطن يتجنب المغامرة مع المغامرين ما داموا هم كذلك يفتقدون لخريطة طريق. ألا ترون أن التيار الإسلامي يعاني من ظاهرة الزعاماتية مما أدى إلى تشتت صف هدا التيار و فشله في اختيار مرشح توافق؟ يجب في البداية التفريق بين التيار الإسلامي وما بين الأحزاب الإسلامية ، فالتيار الإسلامي أوسع وأشمل وهو متواجد في جميع الأحزاب و التنظيمات المهيكلة وغير المهيكلة و هو ليس بالضرورة مع برامج وسياسات الأحزاب الإسلامية و بالتالي ما يمكن الحكم عليه هو أن الأحزاب الإسلامية التي تختلف في المنطلقات و الأهداف، هي من جهة تحمل بيمينها شعار الدعوة التي تخدم مصالحها و من جهة أخرى تحمل بشمالها طموحات ورغبات تسيير دواليب الدولة للتمكين في الأرض بعيدا عن هم الرسالة الأخلاقية التي تأسس من أجلها كما تزعم، و هي بين هذا و ذاك فشلت في التوفيق بين الدولة و الدعوة لدرجة الوقوع في فتنة داخلية جعلت تنظيماتها فرقا و شيعا كل حزب بما لديه فرحون حتى و أن بقي يحمل عنوان الإسلام لحزبه والذي يتخذ منه سجلا تجاريا بغلاف ديني و لكنه يجهل الحكمة التي تقول :» إنه لا يمكن تضليل النمل حينما نكتب على علبة الملح كلمة سكر« وبالتالي المحصلة كانت كارثية بسبب الانتهازية و الانتصار للذات التي فوّتت على الأحزاب الإسلامية التنازل لبعضها البعض، و هي التي تدّعي التشبع بقيم و ثقافة الإيثار، والخروج بشخصية توافقية تمثلها في استحقاقات أفريل 4102 التي شتت شملها لدرجة أن أول تجربة للتحالف الإسلامي التي جمعت حمس و النهضة و الإصلاح تحت مظلة التكتل الأخضر لم تستطع الصمود أمام الهزات السياسية التي قضت على التضامن الإسلامي وفككّت تحالفه الذي يزعم من التحق لمساندة أحد المترشحين هو من هندسه ببركة الله. إذا كانت بعض الوجوه المنتمية إلى التيار الإسلامي قد قررت مساندة أحد المترشحين إلا أن أحزابا إسلامية مثل حركة »حمس« والعدالة والتنمية وحركة النهضة قد قررت مقاطعة الرئاسيات، ما هي قراءتكم؟ الأحزاب الإسلامية للأسف تحمل قراراتها السياسية و مواقفها شحنة دينية لاستمالة جمهور الشعب، فهذا جاب الله يقول بأن المقاطعة هي» من أجل إرضاء الله و إحقاق الحق و هزم الباطل« و كأن المشاركين هم في »سخط الله و غضبه« و هذا زعيم حمس يتساءل في حسرة و الكلام موجه لإخوانه بالأمس قائلا لهم» ماذا تجيبون الله حينما يسألكم لماذا خرجتم عن الجماعة و تسببتم في فتنة الفرقة؟« و كأن الاختلاف السياسي داخل الجماعة محرّما شرعا، و هو الذي حدث حتى أيام الصحابة، أما حركة النهضة فإنها مرة تدّعي بأنها السبّاقة في المشاركة في السلطة من خلال مشاركة بعض إطاراتها في المسؤولية الوزارية والدبلوماسية وتارة أخرى تتبرأ من المشاركة و تقول بأن ما تم هو قرارات فردية اتخذها أصحابها دون الرجوع للحزب، و هم بين المشاركة و المغالبة تائهون!! كما و أن الود مفقود طوال عقود بين هذه التشكيلات التي يحفل تاريخها السياسي بقائمة من التهم و التهم المتبادلة لدرجة التخوين و بالتالي حينما تجتمع هذه الأحزاب على مبدأ مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة فهذا لا يشكل أي ثقل لوزنها بدليل فشلها في تعبئة الجماهير حينما وقفت خلال الأيام الماضية بمقام الشهيد ضد العهدة الرابعة لبوتقليقة ، بل لم تستطع حتى في انتداب شخصية تمثلها في هذه الوقفة لإلقاء كلمة موّحدة أمام الرأي العام و وسائل الإعلام ، أما من ذهب لمساندة أحد المرشحين من الأحزاب الإسلامية مثل حركة الإصلاح، فهو حر في خياراته و هو ليس مضطرا ليحسب كثيرا أو يقلق على مصيره لأنه لا يملك ما يخاف عليه جماهيريا و تاريخيا فتمثيلهم الشعبي محدود و مسارهم التاريخي فارغ من أي محطة يمكن التوقف عندها و هو كما يقول المثل الشعبي »خضرة فوق عشاء« هذا إذا كان هناك عشاء أصلا. تفصلنا أسابيع عن الانتخابات الرئاسية و على ضوء هذه المؤشرات الراهنة، كيف ترون مستقبل الإسلام السياسي في الجزائر؟ المدارس السياسية في الجزائر أغلبها فقدت فعالياتها و دورها و أهل الذكر من عالم السياسة بدأ ينحسر والبقية الباقية شئنا أم أبينا بقيت محصورة في التيار الوطني المحافظ الوفي لقيم ثورة أول نوفمبر، و هو بتجربته و بوعيه الذي يجب أن يتطهّر اليوم من بعض الدخلاء خدم الهوية الإسلامية للجزائر أكثر مما خدمها المنتسبون للأحزاب الإسلامية و هذه القراءة ليست جديدة بل تمتد للعهد الذي كان يقيم فيه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله بالجزائر، فرغم مقامه العلمي و الدعوي إلا أن الأذى قد لقيه و أصابه من المنتسبين للتيار الإسلامي و ليس من التيار الوطني الذي كان يجلّه و يحترمه ، وحتى في ذلك الوقت لم يكن ليقر طبيعة نشاط الإسلاميين و نظرتهم لشؤون الدولة و المجتمع و هكذا ومثله كان تقييم الشيخ راشد الغنوشي الذي رغم امتلاكه للأغلبية المطلقة في تونس إلا أنه تنازل لخصومه لمصلحة تونس، و الغريب هو أن هذا الموقف الناضج و الواعي كان محل انتقاد من طرف جاب الله الذي استنكر موقف الغنوشي صاحب الأغلبية الذي تنازل للأقلية العلمانية حسب قول جاب الله، و هو في هذا الحكم على الغنوشي يظهر لنا كم أن جاب الله و أمثاله لم يبلغ بعد مرحلة الرشد السياسي الذي يعلمنا كيف ننحني للرياح و للعواصف حتى لا تقتلعنا، و إذا وضعنا جاب الله في الميزان فما ذلك إلا لأنه يمثل مدرسة لها هامش من التواجد في الواقع، أما مدرسة »حمس« التي فرقتها الأطماع الدنيوية فإنها فقدت مدارج السالكين و بالتالي بدل الهروب إلى الأمام لابد من مراجعات جادة داخل بيتها قبل فوات الأوان، أما مدرسة المغالبة التي توزعت بين عديد من الإطارات التاريخية و المنتمية ل»الفيس« المحل، فإنها مع مرور الوقت تصدر في كل مناسبة وطنية رائحة الجثة العفنة التي من الأكرم لها دفنها و لكن للأسف أكثر أهلها لا يعقلون بأن » إكرام الميت دفنه« و بالتالي مازال الشوط و الطريق طويلا و شاقا أمام الأحزاب الإسلامية حتى يمكن القول إنها قابلة للبقاء و الاستمرارية وما لم تعيد قراءتها للعلمانية وخاصة الفصل المتعلق بعلاقة العلمانية و الدولة و المجتمع و تستفيد من ايجابياتها و تتخلى على العناوين الإسلامية الشكلية فإن وجودها في المشهد السياسي يبقى شكليا و هامشيا و يفرق أكثر مما يجمع و يهدم أكثر مما يبني....