يرى الخبير في الشؤون العسكرية محمد دخوش للإجراءات الأخيرة التي أقرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمرسوم رئاسي في الجريدة الرسمية بإعادة الضبطية القضائية إلى جهاز المخابرات، أنها كانت نتاج توافق حسم الصراع الذي راج الحديث عنه عشية الرئاسيات وبعد القلاقل الكثيرة التي أثيرت حول ذلك الصراع . الشروق أونلاين: أولا ما تفسيركم لإعادة الضبطية القضائية إلى مديرية الأمن والاستعلامات؟ محمد دخوش: لاحظ أن المادة 01 من المرسوم الرئاسي رقم 14- 183 والمتضمن إنشاء مصلحة التحقيق القضائي، تنص على إنشاء مصلحة التحقيق القضائي على مستوى مديرية الامن الداخلي بدائرة الاستعلام و الأمن، وكأن هذه المديرية لم تكن موجودة من قبل ضمن الإطار التنظيمي لجهاز الأمن الجزائري، و العملية لا تعدو أن تكون استعادة المخابرات لواحدة من أهم مصالحها الأمنية، وفي تقديري أن هذا يفيد بأن القرارات السابقة لرئيس الجمهورية المتعلقة بنقل تبعية المصلحة لرئاسة الأركان وهي قيادة عملياتية ميدانية، يأتي في سياق الضغط على جهاز المخابرات القوي ودفعه للتسليم أو على الأقل عدم معارضة خيار العهدة الرابعة، وفي تقديري أيضا أنه يوجد داخل الجناح الرئاسي من يضغط على الرئيس من أجل إنهاء مهام الجنرال توفيق، إلا أن الحالة الصحية للرئيس والخوف من تأثير قرار من هذا القبيل على وحدة وانسجام المؤسسة الأمنية العسكرية التي هي نواة النظام الصلبة قد ألغيا أو أجلا هذا القرار خصوصا في ظل الوضع الملتهب على طول الحدود الشرقية والغربية والجنوبية، وأعتقد أن الجنرال توفيق سيستمر في مهامه وإذا انسحب من قيادة المخابرات فسيكون باختياره هو. لأن الضبط والسيطرة المدنية الكاملة على المؤسسة الأمنية لم تتحقق بعد. الشروق أونلاين: ما الفرق إذن بين الإجراء الجديد المتخذ من طرف الرئيس بوتفليقة و ما كان عليه الجهاز من قبل؟ كما قلت آنفا القرار هو سياسي بالأساس مرتبط بصراع نخبوي فوقي متعلق بطبيعة تحديد دور كل طرف في رسم المشهد السياسيي الجزائري، كما أن القرار جاء ليحل مشكل الانسداد الذي حصل بعد تحويل تبعية المصلحة، كما يجب أن لا نغفل أن جهاز المخابرات لديه خبرة طويلة في هذا الشأن، لقد كان قرارا سياسيا وواضح انه تم التراجع عنه بعد تسوية سياسية بين الطرفين،كان من الممكن أن يجرى تغييرا اكبر لو عمد الرئيس إلى إعادة هيكلة دائرة الاستعلام و الأمن بمختلف فروعها: أمن الجيش، الامن الداخلي، التوثيق والأمن الخارجي، إلا أن الأمر لم يعدُ كونه ممارسة نوع من الضغط لتحييد الجهاز من أجل تمرير الرابعة. الشروق أونلاين: كيف تفسر أن الجهاز له الحق في تشكيل الهياكل والمؤسسات في حين أنه تحت وصاية النيابة العامة التابعة لوزارة الدفاع؟ نعم، تنص المادة 03 من المرسوم سابق الذكر، أن المصلحة تمارس نشاطاتها تحت مراقبة النائب العام ورقابة غرفة الاتهام بإقليم الاختصاص، هذا أمر كان معمولا به سابقا وهو كما هو معمول به في كل دول العالم أن أجهزة المخابرات والأمن تعمل تحت إشراف المنظومة القضائية، إلا أن الفرق هو مدى قوة واستقلالية الجهاز القضائي عندهم وعندنا. يعني أن هذا لن يغير في الأمر شيئا. خصوصا وأن المادة 11 من المرسوم نفسه تنص على أنه " يحدد رئيس دائرة الاستعلام والأمن تنظيم مصلحة التحقيق القضائيي لمديرية الأمن الداخلي وصلاحيات تشكيلها ". الشروق أونلاين: ولِمَ أُبْعِدَ الجهاز عن الخوض في قضايا الفساد ؟ و كُلِّف بقضايا الأمن و الإرهاب و الجريمة المنظمة لا أكثر؟ إن المادة 5 من المرسوم 14- 183، تحدد مجال نشاطات المصلحة المذكورة، وهي تتابع تحديدا قضايا : أمن الإقليم، الإرهاب، التخريب، والجريمة المنظمة. وهذه بالتأكيد مجالات حيوية وحساسة، إلا أن استبعاد النص القانوني المؤسس للمصلحة لملف الفساد، يلقي بالضوء على مضمون التسوية السياسية بين الأجنحة المتصارعة بعدم التطرق لملفات الفساد، هذا إن كانت هناك أصلا نية حقيقة في مكافحة الفاسد، دون أن ننسى أن أقطابا مهمة من الجناح الرئاسي تحوم حولها تهم الفساد.