خلقت التطورات السياسية الأخيرة التي يعيشها البلد حالة من الغموض، أُشكل معها على الممثليات الدبلوماسية الأجنبية والغربية على وجه التحديد، فهم ما يجري حولها من أحداث متسارعة، وهو ما دفعها إلى البحث عن القنوات التي من شأنها تمكينها من الوصول إلى المعلومة الغائبة. وإن كانت الوسائط الإعلامية المحلية قد تعرضت للأحداث الأخيرة بكثير من التفصيل، كل حسب موقعه وأجنداته السياسية، إلا أن ذلك لم يشبع رغبة الدبلوماسيين الأجانب، بشكل يسمح لهم بتنوير سلطات بلدانهم حول حقيقة ما يجري في الغرف المظلمة بالجزائر، ومن ثم تمكين سلطاتهم من بلورة رؤية واضحة بشأن كيفية التعاطي مع تلك التطورات . وتأتي في المقدمة سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالجزائر، التي باشرت حملة لجني ما أمكن من معلومات، بدأت باللقاء الذي جمع السفيرة جوان بولاشيك، برئيس "حزب جيل جديد" جيلالي سفيان، وهو مجرد بداية لسلسلة من اللقاءات مع الشخصيات السياسية، فيما تشير بعض المصادر إلى أن تلك اللقاءات قد تشمل أيضا بعض رجالات الإعلام لاحقا. ولم تكن سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالجزائر هي الوحيدة التي باشرت هذا الإجراء، فقد التقى أيضا رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، كلا من كارين فال، سفيرة السويد وكذا إيزابيل روا سفيرة كندا. كما التقى رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، إيزابيل روا سفيرة كندا. ولم يستبعد متابعون أن يعمد السفراء إلى تقسيم الأدوار بينهم وتنويع اللقاءات مع الفاعلين، قبل أن يلتقي الجميع ويتبادلوا المعلومات، تقليلا من الجهد وتفعيلا للمساعي، وهو ما يرجح أن تكون سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية قد قامت به مع سفارة كل من السويدوكندا. واللافت أن اللقاءات السالف ذكرها جرت خلال الأسبوع المنصرم، وهو توقيت تزامن مع الرسالة التي وجهها الرئيس السابق لدائرة الاستعلام والأمن السابق، الفريق محمد مدين، المدعو توفيق، للصحافة، والتي خلفت كما هو معلوم جدلا سياسيا وإعلاميا واسعا. كما تأتي هذه اللقاءات في ظرف سياسي يلفه الكثير من الغموض، طبعه إدانة الجنرال المتقاعد، عبد القادر آيت وعرابي، المعروف بالجنرال حسان، المسؤول السابق عن فرع مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات، بخمس سنوات سجنا نافذا، وجمال كحال مجذوب، مسؤول الأمن الرئاسي السابق، المدان بثلاث سنوات سجنا نافذا. وبرأي الوزير والدبلوماسي السابق، محمد السعيد، فإن ما يقوم به السفراء، تقاليد معمولا بها دبلوماسيا، طالما أن الأمر يتعلق بأحزاب معتمدة، غير أن المسؤولية تقع على الجهة التي قابلوها، والتي يتعيّن عليها التحلّي بالرزانة وعدم الانجرار وراء الاستدراج في حالات من هذا القبيل، قد تفضي إلى تسريب معلومات قد تضر ببلدها. وقال السفير السابق: "السفراء مطلوب منهم تقديم تقارير مفصلة عن البلدان التي يعملون بها، ولذلك يعمدون إلى البحث عن المعلومة عند الفاعلين في ذلك البلد"، مشيرا إلى أن مسؤولي الممثليات الدبلوماسية قد يتعرضون لمساءلات مهنية، في حال فشلهم في الإحاطة بتفاصيل ما يجري حولهم، أو تقديمهم معلومات خاطئة، لأن ذلك قد يجر إلى بلورة مواقف خاطئة من حكومة بلدهم تجاه الدولة التي يعملون بها. واستدل محمد السعيد هنا، بالخطأ الفادح الذي وقع فيه سفير فرنسا السابق في تونس، أياما قليلة قبل "ثورة الياسمين"، وهو الأمر الذي انجر عنه سوء تقدير أفضى إلى انحياز الحكومة الفرنسية إلى الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، على حساب الشعب التونسي الذي كان يومها ثائرا ضد الديكتاتور، ليجد الرئيس الفرنسي السابق حينها، نيكولا ساركوزي، في ورطة، تحملت مسؤوليتها وزيرة الخارجية آنذاك، ميشال أليو ماري التي دفعت الثمن بتقديمها الاستقالة.