يخطئ من يعتقد اليوم بأن كرة القدم هي مجرد لعبة تمارس فوق أرضية الميدان، ويكفي أن تمتلك مدربا قديرا ولاعبين متألقين وجماهير وفية ومسيرين أكفاء لكي تفوز بالمباريات والألقاب، ويخطئ كذلك من يعتقد بأن توفير الإمكانات المادية والمرافق الضرورية والموارد المالية، يكفي لوحده لكي تصنع ناديا أو منتخبا أو جيلا من اللاعبين. * صحيح أن كل هذه العوامل مجتمعة ضرورية في لعبة كرة القدم، للأندية والمنتخبات والاتحادات، ولكن وجود الرجال في مختلف الهيئات الكروية له دوره أيضا ووزنه في تحقيق الإنجازات، وهؤلاء الرجال من دون كفاءات وعلاقات لا يمكن لهم التواجد في تلك الهيئات وسط غابة لا يعيش فيها الأرنب والغزال، ووسط عالم ليس فيه مجال للصدقة والصدفة، وليس فيه مجال لمن لا يملك العلاقات والقدرة على الاقناع، ويتقن فنون الكواليس. * انتخابات المكتب التنفيذي للاتحاد العربي التي جرت في جدة أكدت مجددا بأن كرة القدم هي حرب علاقات ومواقع ومعلومات، ومن يملكها يكون الأقوى ويمتلك زمام الأمور، وحتى تمتلكها يجب عليك أن تنهض باكرا، وتسهر الليالي، وتتقن قواعد اللعبة لتكسب الأصوات وتحافظ عليها، وهو ما فعله رئيس الاتحاد الجزائري محمد روراوة باسم الجزائر، البلد الذي عندما يقرر العودة إلى الواجهة، يلتزم كل واحد مكانه الفعلي والحقيقي، ويعود كل واحد إلى حجمه الأصلي. * وبالرغم من أن شهادتي في الرجل مجروحة، لكن ما يفعله داخل الهيئات الإقليمية والقارية والدولية يستدعي التوقف عنده ومقارنته بآخرين، واستخلاص الدروس منه لتدعيم تواجد الجزائر في مختلف الهيئات بعد أن كانت كرة القدم تسير من دوننا وعلى حسابنا، وبعدما كان الآخرون يفعلون ما يشاؤون لأننا كنا منشغلين بهمومنا وأولوياتنا، وكانت ثقتنا العمياء في بعض أشقائنا كبيرة قبل أن يخذلوننا.. * الرجل لم يجد صعوبة في حصد تسعين بالمئة من أصوات الاتحادات العربية، ونيل ثقة الأمير وأعضاء المكتب التنفيذي في الحصول على منصب نائب الرئيس ورئيس لجنة المسابقات للمرة الثالثة على التوالي، ولا أعتقد بأن العرب يصوتون على الرجل ويمنحونه ثقتهم بهذه الكيفية لأنه يهودي كما وصفه من يدعون العروبة والإسلام، لأن العرب الأحرار لا يصوتون ولا يفوضون أمرهم لليهود، ولا يجددون الثقة في من يخذلهم. * يحدث هذا أيضا ليس لسواد عيون الرجل، وليس حبا فيه وصدقة عليه، ولكن لأنه ابن الجزائر ويملك الكفاءات والقدرات والعلاقات الطيبة مع إخوانه العرب، والتي استثمر فيها وصنعها على مدى سنوات. ويحدث هذا لحاجة الاتحاد العربي إلى كفاءة الرجل وقدرته على التفكير والتغيير والرقي بالكرة العربية إلى المستوى المطلوب، ويحدث هذا أيضا لأن الاتحادات العربية أرادت توجيه رسالة دعم وتقدير للرجل، ومن خلاله للجزائر التي ليس من عادتها أن تخذل أشقاءها وإخوانها.. * الأمر ليس جديدا على رئيس الاتحاد الجزائري، لأن هذه العلاقات والقدرات هي التي سمحت له بالفوز مؤخرا بمنصب جديد في اللجنة التنفيذية للكاف دون أن يحضر انتخاباتها لأسباب صحية طارئة، وهي سابقة لم تحدث في التاريخ، وانتخبه الأفارقة وهو غائب عن الجمعية العمومية، لأنه نال ثقتهم وكان في مستوى تطلعاتهم، وعلاقاته الطيبة مع إخوانه الأفارقة شفعت له وكانت كفيلة بتجديد الثقة فيه بمجرد أن يرفع سماعة التلفون ويقول أنا الجزائري محمد روراوة.. * ولكي يفهم القارئ العزيز أهمية هذه العلاقات وربح معركة المعلومات والأخبار، يكفي أن نقارن بما حدث للتونسي سليم شيبوب العضو السابق في اللجنة التنفيذية للفيفا الذي خسر معركة تجديد ولايته لأنه لم تكن له علاقات وطيدة مع الاتحادات الإفريقية، ولم يكن يدري كيف تسير الأمور على هذا المستوى، وحدثت له واقعة تعكس خسارته لمعركة العلاقات والمعلومات والأخبار عندما اقترب من رئيس الاتحاد البوروندي وطالبه بالتصويت عليه في الانتخابات، فحدث أن اشترط عليه الرجل معرفة اسمه، وقال له أتحداك إن كنت تعرف اسمي، وإذا عرفته سأمنحك صوتي، ولكن السيد سليم شيبوب لم يذكر اسم الرجل لأنه لم تكن له علاقات معه ومع غيره أصلا، فخسر صوت الرئيس البوروندي وأصوات أخرى، وخرج من اللجنة التنفيذية للفيفا. * هذا هو الوجه الخفي لكرة القدم وكواليسها، وحلاوتها ومرارتها في نفس الوقت، هي ليست فقط نوادي ومدربين وملاعب وموارد مالية مثلما كنا نعتقد عندما فوضنا أمورنا لغيرنا، وكان يعتقد الكثير بأن الجزائر والجزائريين غير قادرين وغير مؤهلين ليلعبوا دورهم الريادي إقليميا وقاريا ودوليا، وكانوا يشككون في قدراتنا على قلب الموازين، وقدرتنا على ممارسة كل الطقوس، في كل الظروف دون رياء، ودون إشهار أو تشهير، وبكل الإخلاص والرجولة والأمانة والصدق مع الذات والغير.. * كرة القدم يلعبها الرجال أيضا خارج أسوار الملاعب ولا يمكن تصورها لعبة سهلة ولكنها في متناولنا عندما نمارسها.. * * derradjih@gmail.com