بمجرد خروج الجزائر من المونديال وانتهاء عقد رابح سعدان مع المنتخب، عاد الجدل والنقاش في أوساط الإعلاميين والفنيين والجماهير حول هوية المدرب المقبل ل”الخضر“، وكل واحد يرشح اسما ويقترح مدربا محليا أو أجنبيا، ومنهم من لا يزال يفكر بعقلية الشرعية التاريخية وآخرون يعانون من عقدة المدرب الأجنبي، والبعض الآخر يسوّق لأسماء محلية لا يمكنها تدريب ناديا صغيرا، وكل يوم تطلع علينا وسائل الإعلام بأسماء جزائرية وأجنبية جديدة تقوم بحملات دعائية لها، وفي بعض الأحيان يقوم هؤلاء المدربين بتسريب أخبار خاطئة ليعود الحديث عنهم إلى الواجهة. الانطباع السائد اليوم أن المدرب الوطني هو الحل، وهو الذي يقودنا إلى الفوز بكأس أمم إفريقيا والتأهل إلى مونديال 2014 وهو الساحر الوحيد الكفيل بتعويض ما ينقصنا، وهو خطأ كبير نقع فيه مرة أخرى، لأن خصوصية الكرة الجزائرية والمنتخب والتجارب التي مررنا بها تجعل من المدرب الوطني الحلقة الأخيرة في سلسلة من الشروط والإمكانات التي يجب أن تتوفّر لمواصلة المشوار الذي نتصوّره ونطمح إليه، وهذه السلسلة تبدأ من ثراء المنتخب بمجموعة كبيرة من اللاعبين الممتازين في كل المناصب من المحليين والمغتربين حتى لا نجد أنفسنا نلعب كأس العالم بالأسماء نفسها، وعندما يصاب أي لاعب نجد صعوبة في تعويضه. الإمكانات المطلوبة قبل المدرب هي أيضا موارد بشرية مؤهلة في مجالات التحضير البدني والنفسي للاعبين وفريق طبي من المستوى العالي وإن اقتضى الأمر أخصائي نفساني لمتابعة أعضاء الفريق والأخذ بأيديهم، إضافة إلى مناخ ملائم لكل الأطقم وموارد مالية للتكفّل بهم، وصحافة مسؤولة تحترم الجماهير ولا تتلاعب بمشاعرهم وعواطفهم ولا تجعل من اسم المدرب المقبل هاجسا وكأنه هو الأهم في المنظومة الكروية عندنا. بعد الموارد البشرية من لاعبين واختصاصيين يأتي المسؤول الأول عن العارضة الفنية الذي يملك الشخصية القوية والمهارات العلمية العالية والثقافة الكروية والقدرة على إيجاد الحلول والتعامل مع مجموعة من اللاعبين المحليين والمغتربين والفهم السليم لذهنياتهم، والقدرة على استغلال الطاقات ومواجهة كل التحديات. ونظرا لخصوصياتنا، فإنه لن ينجح معنا بالضرورة فابيو كابيلو ولكن قد ينجح مدرب آخر محلي تتوفّر له كل الشروط المطلوبة في المنتخب اليوم، أو مدرب أجنبي بمساعدين جزائريين، أو مدرب جزائري بمستشارين عالميين لأن خصوصياتنا اليوم تختلف كثيرا عن ما يحدث في العالم وتختلف عن ظروفنا وأوضاعنا السابقة، ولم يعد ينقصنا سوى بعض التفاصيل التي تصنع الفارق بيننا وبين غيرنا. وفي وسط كل هذا الجدل القائم حول هوية المدرب المقبل ل”الخضر“ تبقى الكرة الجزائرية تدفع ثمن أنانية الكثير ممن لا يتصوّرون المنتخب من دونهم وكأنهم الورثة الشرعيين له، وتدفع ثمن الفهم الخاطئ لمعنى المنتخب والكرة الحديثة ومتطلباتها، والفهم الخاطئ للجيل الحالي من اللاعبين المختلفين تماما عن كل الأجيال، وكذا الفهم الخاطئ للعبة كرة القدم التي هي مشروع قبل أن تكون شخصية تقود العارضة الفنية وتضع التشكيلة والخطة التي نلعب بها. إن الأمر أكبر بكثير من تعيين مدرب على رأس المنتخب وأكبر من كل الذين يعتقدون أن منصب المدرب الوطني مطروح للاستفتاء أو معروض في المزاد العلني، أو هو من اختصاص الصحافة أو المدربين يبايعون من يشاءون لحاجة في نفس يعقوب أو لمصلحة مع هذا أو ذاك. الذي يقود المنتخب الوطني يجب أن ينسجم مع متطلبات الكرة الحديثة ويواصل المشوار الذي قطعناه ولا يبدأ من الصفر، ولا يستهين بكل الذي تحقق إلى حد الآن ولا يعتقد أن كل شيء سيبدأ معه، والذي يقود المنتخب الجزائري اليوم يجب أن يفهم بأنه جزء من منظومة تشكلت نواتها وهي في حاجة إلى المزيد من الجهد والعمل والجرأة والإبداع وفي حاجة إلى استغلال أمثل للقدرات والإمكانات الموجودة.