ينفرد عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب ورئيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين "ليجيما" بلعيد عبد السلام في هذه الحلقة الخاصة بشؤون الطلبة من "المعمعة إلى المعركة". حيث سيغوص في تفاصيل النزاع الطلابي والصراع الأديولوجي، بين المتمسكين بالإسلام والتغريبيين الممثل في "المدرسيين والجامعيين" وطاحونة الصدام بين الشيوعيين والوطنيين حول الثوابت والهوية التي دارت رحاها حول "الإسلام"، وكيف عمقت الأزمة البربرية الخلاف السحيق داخل الحرم الجامعي عندما تحالفوا مع الشيوعيين لكسر شوكة الوطنيين، وكذا السجال والجدال "المزمن" حول سؤال من هو الجزائري؟ ورحلة عبور التسمية من الجمعية إلى الودادية، وحروب "داحس والغبراء" بين الطلبة حول النفوذ والرئاسة، وكيف استحوذ حزب الشعب على الرئاسة في عهد بلعيد عبد السلام، لاغيا التناوب والتدوير والتداول حولها، كل هذه القضايا الشائكة ينثرها في الحلقة السادسة من شهادته التي خص بها الشروق.
نضال الطلبة في الجزائر يعود إلى سنة 1912، عندما تأسست ودادية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، حدثنا عن جذور النضال الطلابي في الجزائر؟ الودادية تأسست من طرف الطلبة الأولين الذين التحقوا بالجامعة الفرنسية في العاصمة بالجزائر، والمعروف أن كل الجامعات الفرنسية تملك فرعا نقابيا طلابيا يسمى بالجمعية العامة، فالطلبة الملتحقون أدركوا أن لهم مشاكلهم الخاصة ورغبوا في التعبير عنها عبر تنظيم طلابي يخصهم.
كيف كان رد إدارة الجامعة على طلبهم؟ استفسرتهم لماذا ترغبون أن تنفصلوا عن الجمعية العامة للجامعة؟ جاء رد الطلبة "عندنا مشاكلنا الخاصة بنا كمسلمين وجزائريين، ونرغب أن تكون لنا ودادية تجمعنا تعبر عن انشغالاتنا".
ما الحكمة من تغيير التسمية من الودادية إلى جمعية؟ في اعتقادي السبب وراء تغيير الاسم هو الانتقال، من التعبير عن مشاكلهم كطلبة إلى التعبير عن قضايا أمتهم، لأن الطلبة شعروا بمسؤوليتهم أمام شعبهم.
ترأس هذه الجمعية فرحات عباس سنة 1928م، وفي عهده ظهر صراع طلابي إيديولوجي عقائدي، ما هي أسباب هذا الخلاف، وكيف تم التعامل معه داخل الجمعية؟ الصراع كان بين المتمسكين بالإسلام والتغريبيين، الذين كانوا يرون فيهم أنهم رجعيون ومتخلفون وغير تقدميين، فيما يتهمهم خصومهم بأنهم تغريبيون قد ابتعدوا عن الإسلام فنشب الصراع في عهد رئاسة عباس فرحات، عندما طالب الجامعيين بطرد المدرسيين من الجمعية للأبد وكأنه قرار قضائي، وعندما أصبحت رئيسا لهذه الجمعية وقفت على هذا النوع من الصراع، لاحظت أن ثمة خلافا بين الطلبة الجامعيين المسجلين في جامعة الجزائر وبين الطلبة المنتمين لمدرسة بن شنب.
علاقة الطلبة بالحزب عضوية أم إيديولوجية؟ حزب الشعب يعتقد في نفسه حزبا ثوريا، يجند جميع الفئات المجتمع لصالحه ويحاول أن يجعل في كل شريحة نظاما تابعا له، وهي فكرة شيوعية مصدرها الحركة الشيوعية في روسيا، لأن كل حزب من أجل أن يغير الوضع في البلاد لابد أن يجند جميع الفئات، حزب الشعب عندما رجع في سنة 1937 بعد حل نجم شمال إفريقيا، ثم إلغاء وجوده قانونيا، عاد كحزب سري بفضل لمين دباغين ومحمد طالب وبعض من خيرة الوطنيين إلى لنشاطه، حاول استعادة التنظيم الطلابي والسيطرة عليه داخل الجامعة، وشرع حزب الشعب في الاتصال بمناضليه داخل هذا الجهاز حتى يكونوا منتمين إليه.
ما هي الأحزاب التي كانت تنشط في الجامعة، وكيف تم انتخابكم على رأس التنظيم الطلابي؟ ثلاثة أحزاب كانت تنشط في الأوساط الطلابية، وهي حركة أحباب البيان والحزب الشيوعي وحزب الشعب، والثلاثة اتفقوا على التناوب على قيادة التنظيم، لكن في سنة1951 و1952 جاء دور حزب الشعب، فكنت على رأس القائمة وصرت قائدا للتنظيم الطلابي.
مقاطعا" من عينكم على رأس التنظيم وأنتم في سنتكم الأولى من الجامعة؟ وقتها كنت في البيت بعين الكبيرة لأسباب عائلية منعتني من الالتحاق بالموسم الدراسي (1951/1952) فاتصل بي لمين خان فبلغني وهنأني، بأنه تم انتخابي رئيسا للجمعية، ولأول مرة يتعين رئيس للجمعية وهو في سنته الأولى بالجامعة.
كيف قدتم هذا التنظيم؟ المجموعة الوافدة من الطلبة الوطنيين، الذين قدموا من جامعة قسنطينة منهم العبد الضعيف والأمين خان ومحمد الصديق بن يحيى وعلاوة بن بعطوش والإخوة كرمان بفضلهم عاد النفس النضالي لحزب الشعب داخل الأوساط الطلابية، التي كانت تعج بالمناضلين والمحبين المتعاطفين مع أفكار وقناعات الحزب، دون أن يكونوا أعضاء في الحزب نفسه.
كيف باشرت نشاطك النقابي الطلابي؟ النشاط الأساسي هو إبراز وجودنا على رأس الجمعية، وقد توسع نشاطها، ولأول مرة نظمنا دورة رياضية لكرة القدم شاركت فيها مولودية الجزائر وجمعية جيجل، هذه الأخيرة اتصل بهم محمد الصديق بن يحيى وجلبهم، وكانت الدورة باسم الجمعية، وكذالك ندوة ثقافية بمشاركة المسرحي محي الدين بشطارزي.
لكن في عهدك تم إلغاء التناوب؟ ترأس الجمعية رابح كربوش عن الحزب الشيوعي سنة 1950 و1951، وعندما جاء إنهاء الدور قرر الحزب عدم التناوب وألغى التداول وتدوير رئاسة جمعية الطلبة، بغية استرجاع دوره ومكانته في الأوساط الطلابية.
من أعطاك هذا الأمر بالاستحواذ على رئاسة الطلبة وإلغاء التناوب؟ تلقيت الأمر من عبد الرحمان كيوان مسؤولي المباشر.
دعوتم لانتخابات وكنتم على رأس قائمة موحدة للوطنيين، غير أنه تحالف ضدك كل من الشيوعيين والبيانيين ولكنكم فزتم بها، كيف تم ذلك؟ ثمة حقائق مخفية، مثلا كنا نعتقد أن جماعة أحباب البيان وجماعة حزب الشعب وجمعية العلماء، عندهم فكرة موحدة فيما يخص مستقبل الجزائر، كونها أمة موحدة، وضرورة استرجاع سيادة الدولة الجزائرية أمام الفرنسيين الذين يدافعون عن الجزائر كقطعة من فرنسا، حدث اتفاق بيننا، ولأول مرة استدعينا أحمد طالب الإبراهيمي كعضو في القائمة، ولكن هذا الأخير دوما عنده موقف حيادي بالنسبة لحزب الشعب والبيان.
كيف فزتم بالانتخابات في هذه الأجواء؟ جرت الانتخابات، ولكن رافقتها مناورات حول القائمة التي اتفقنا عليها بين حزب البيان والشيوعيين والحياديين، وتقدمت للانتخابات على رأس القائمة ولكن لم أنجح، فكانت النتيجة لصالح طرف آخر اسمه الصادق من البيانين، وهذا بفضل الدور الذي لعبه الشيوعيون فقررنا إلغاءهم وإخراجهم من القائمة التي كنا متفقين عليها، لأنه في نفس الوقت تأسست الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحريات الديمقراطية ولا ينبغي أن نفصل الأمور عن بعضها، حيث كانت تدور في أوساط الطلبة منافسة شديدة بين الحزب الشيوعي وحزب الشعب، والأزمة البربرية عمقت الخلاف.
ما هو الأثر السلبي الذي تركته الأزمة البربرية داخل الطلبة في الجامعة؟ البربريون يرون أن لا فرق بين العرب والفرنسين، وأن العرب سبق قدومهم إلى الجزائر فقط، وقد فرضوا على البربر في شمال إفريقيا دينهم ولغتهم وتاريخهم، أما نحن الوطنيين كنا نفكر أن العرب جاءوا بالإسلام واعتنقه البربر وحملوا مشعل الإسلام وناصروه في شمال إفريقيا.
ما هي المهمة التي كلفكم بها الحزب في هذه الانتخابات؟ الحزب أمرنا بتكسير الانتخابات التي فزنا فيها مع أحباب البيان ووصلنا بها إلى الجمعية العامة، وقد حدثت انتخابات جديدة وحينها تقدم حزب الشعب بقائمة من طرفه بمعية المحبين والمتعاطفين، ضد قائمة الشيوعيين المتحالفين مع البيان، وفي النهاية انتصرنا، لأن الأغلبية كانت لنا سنة 1952 إلى 1953.
لكن عقد حلف قوي للطلبة الجزائريين في فرنسا، خاصة بين الشيوعيين والبربريين وسيطروا على التنظيم؟ حزب الشعب كان يمر بالأزمة العميقة بين المركزيين والمصاليين، ناهيك عن انفصل مصالي الحاج عن الحزب الشيوعي في فرنسا، الذي طلب منه إلغاء الاتجاه الديني فرفض ذلك وخاصة لدى الطلبة الجزائريين في باريس، لأن المناخ الطلابي هناك كان يسيطر عليه الشيوعيون بمساعدة البربريين الطامحين لتأسيس الاتحاد العام للطلبة الجزائريين فقط، الذين كانوا يعتقدون أننا متمسكون بالدين كثيرا حتى اتهمونا في أحد الأوقات بأننا ألزمنا الجميع بالصلاة، لكن نحن كنا متمسكين بثوابت الشخصية الوطنية بالنسبة للعروبة والإسلام.
سافرتم في أكتوبر 1954 إلى فرنسا للدراسة، كيف وجدتم الواقع الطلابي هناك؟ ليست المرة الأولى التي أسافر فيها إلى فرنسا، فقد وصلتها سنة 1953 لاستئناف دراستي هناك، عندما فشلت في امتحانات جامعة الجزائر، فإدارة الجامعة بفرنسا منعتني من الالتحاق بها مما اضطرني إلى إعادة الامتحان في الجزائر، وقتها حضرت نشاط الطلبة الشيوعيين، كوطنيين قلت لابد أن لا نترك لهم الباب واسعا لنشاطهم ويفعلوا ما يرغبون.
كيف شكلت عودتكم للجزائر؟ عندما رجعت قمت بنداء لتكوين الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين "ليجيما" (المنشور موجود في كتاب أعضاء الولاية الرابعة) خلافا للشيوعيين الذين كانوا يرون الاتحاد العام للطلبة الجزائريين فقط، وفي تفكيرهم أن الجزائريين ليسوا فقط مسلمين، وبين تفكيرهم وتفكيرنا، طرحت قضية الأمة: ما هي هويتها وشخصيتها؟
"مقاطعا" لكن هذا طرح في ندوة افريل 1955 تحت شعار "من هو الجزائري"؟ اتفقنا على عقد ندوة لتحضير المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام في أفريل 1955، وفي هذه الندوة كانت مبادرتي شخصية وليست من الحزب، وتفكيري أن التيار الذي يمثله حزب الشعب لا يترك الكرسي شاغرا، والطريق مفتوح أمام الحزب الشيوعي، وبمساعدة المصاليين وأعضاء جبهة التحرير جميعا كوطنيين دار النقاش حول من يقود الثورة. المصاليون كانوا يقولون نحن قادة جيش التحرير ولا نعترف بجبهة التحرير، وينبغي التنبيه بأن المصاليين فيما يخص النشاط الطلابي ساعدونا كثيرا وحتى ماليا.
كيف حسم النقاش حول سؤال من هو الجزائري؟ فيه عناصر يهودية من الطلبة يظهر في النهاية قد اقتنعوا بأننا على حق، ولكن لم يعلنوا على ذلك بشكل رسمي، واعترفوا انه لا يمكن أن تكون هناك أمة بدون تاريخ أو هوية.
ترشح اسمان العياشي ياكر من البيانيين، وطالب الإبراهيمي من الجمعية، لماذا لم تقدموا مرشحكم، وعلى أي أساس ناصرتم وانتخبتم أحمد طالب الإبراهيمي؟ أولا، العياشي ياكر كان عنده دوما موقف ضد حزب الشعب، ولكن بعد نقاش تراجع، لأننا كنا نتكلم باسم الوطنية الجزائرية، والعناصر التي كانت تنتمي لحزب البيان سياسيا سارت معنا وأيدت طرحنا.
من أقنعهم حتى يمشوا معكم؟ قناعتهم أن الجزائريين متمسكون بجزائريتهم، والطلبة الجزائريون التابعون لحزب البيان لم يسايروا أطروحة العياشي ياكر الذي كان خصما لدودا لحزب الشعب، وقد استقر رأينا على اسم طالب الإبراهيمي، الذي قدمناه واخترناه حتى يكون على رأس الندوة وألقى الكلمة الافتتاحية في خطابه.
لكن اللجنة التنفيذية التي أفرزها المؤتمر، لم يكن بها أي أسم من مناضلي حزب الشعب؟ عندما كونا اللجنة التنفيذية للاتحاد، لا يوجد عنصر معروف تابع لحزب الشعب، لكن بعض العناصر كانت موجودة معنا مثل مولود باي ورضا مالك، وإن كانا من حزب البيان، ولكن يكنون محبة لحزب الشعب، حتى بن يحيى ابلغني انه لا يوجد أحد من رجالنا في اللجنة، قلت له المهم تنتصر أفكارنا، وينبغي أن نقتنع بهذا.
هل تم اختيار طالب الإبراهيمي كونه حياديا؟ اخترناه حتى لا يهرب أحد منا، لأن حزب الشعب كان معروفا انه حزب متطرف ويجيز استعمال العنف ويقوده الأميون.
تجدد النقاش حول ترك استعمال العنف في السياسة؟ اتصلنا في ذلك الوقت بالاتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين وكانت قيادتهم قيادة تقدمية، بينما كانوا يطلبون منا التنازل عن استعمال العنف في السياسة، ولكن لم نتبعهم في رأيهم.