لن ينتظر الجزائريون تاريخ 13 جوان القادم موعد نزول الخضر إلى ملاعب مدينة "بولوالوان" الجنوب افريقية، بل شرعوا منذ أسابيع في تزيين الشوارع بألوان العلم الوطني، وآخرون اقتنوا الأقمصة الرياضية لمحاربي الصحراء، لكن هل يعلم كل من سعى لاقتناء هذه الرايات أين وكيف يتم صنعها؟ * المضاربة في سوق القماش أثرت على نوعية الرايات الوطنية * الجزائر تملك أكبر مخزن للرايات في إفريقيا * * تعتبر مؤسسة الأثاث الحضري والرفاهية بالعاصمة المؤسسة العمومية الوحيدة الناشطة في هذا الميدان، حيث توظف أزيد من 500 عامل وعاملة، تشتغل الشريحة الكبرى منهم في قسم الخياطة الذي تنشطه أيادٍ ناعمة تعمل دون انقطاع، مسافرة بين 203 علما باستثناء علم الدولة العبرية، وهي المؤسسة التي كانت إحدى أبرز مصنعي الرايات الوطنية التي تتزين بها الجزائر منذ اكتساح الموجة الرياضية الحياة العامة للجزائريين. * وخلال الجولة التي قمنا بها في ورشة الخياطة بالمؤسسة تحدّثنا إلى بعض الخياطات اللاتي وجدناهن منشغلات بخياطة علم دولة جنوب إفريقيا، تحضيرا للزيارة التي قام بها رئيسها إلى الجزائر قبل أسابيع، وقالت لنا إحداهن إن خياطته "صعبة جدا لأنه يضم ستة ألوان، إضافة إلى شكله الذي يفرض تفصيلا خاصا للقماش، ويجب أن يخاط على أحسن ما يرام". * وتضع الخياطات أمامهن مخططا لكيفية خياطة علم الدولة تفاديا لأي خطأ يمكن أن يقع، وربما من أجل هذا الحرص الكبير تعتبر الأعلام التي تنتجها المؤسسة إلى درجة أن سفارات في الجزائر تطلب رايات بلادها من المؤسسة بعد أن كانت تطلبها من بلادها مباشرة. * وتعتبر الزيارات الفجائية التي يقوم بها مسؤولو الدول للجزائر أكثر ما يثير التحدي لدى فريق العمل، لأنه يتعيّن على العمال خياطة 3 آلاف علم من مختلف الأحجام في ظرف زمني قياسي، وقد نتج عن الزيارة المفاجئة لملك البحرين قبل سنة إلى الجزائر ضغط كبير في العمل لأن المؤسسة أبلغت بالزيارة المفاجئة 24 ساعة فقط قبل مجيئه، وما كان من إدارة المؤسسة إلا أن أمرت العمال بالتجنّد طيلة اليوم، حيث عمل فيها فريق الخياطة دون انقطاع وسلّّّّّّّم 3 آلاف علم إلى فريق التزيين الذي علّقها عبر الشوارع لحظات قبل وصول الملك إلى القاعة الشرفية بالمطار. * ويواجه فريق التزيين مخاطر جمّة أثناء أداء الخدمة، بدءا بالمجازفة بحياتهم لدى ركن الشاحنة على اليسار في الطرقات السريعة وتسلّق الأعمدة الكهربائية لتعليق الأعلام عليها، وصولا إلى السرقات والاعتداءات التي يشنها ضدّهم بعض المناصرين للحصول على أكبر عدد من الأعلام الوطنية، وعلّق أحدهم أنه "منذ أن بدأت انتصارات الفريق الوطني بدأت خسارتنا للرايات"، وقالوا أيضا، إنهم يضطرون في الدقائق الأخيرة قبل مجيئ ضيوف الجزائر إلى تعليق مزيد من الرايات الوطنية، لأن نصفها يكون قد آل إلى بعض الشباب المناصرين. * * 21 ألف علم وطني سبق المناصرين إلى أم درمان في طائرة خاصة * عندما تبيّن أن الجزائر ستلعب مباراة فاصلة في أم درمان، تناهى إلى سمعنا أنه تم نقل أزيد من 21 ألف راية وطنية إلى مدينة أم درمان السودانية في ظرف ثلاث ساعات فقط، وسهر أعوان الرئاسة بأنفسهم على نقلها على جناح السرعة من أحد الممولين ليتم توزيعها على المناصرين بملعب المريخ السوداني. * وسافرت الأعلام الوطنية بأمر من ديوان الوالي إلى ملعب المريخ، سابقة المناصرين الجزائريين إلى المدرجات، فضلا عن تلك التي أصرّوا على اصطحابها معهم للاحتفال بالقذيفة القاضية ليمنى عنتر يحيى. * ونقلت الأعلام الوطنية في طائرات خاصة بين ليلة الخميس إلى الجمعة بتاريخ 16 نوفمبر إلى السودان، منتظرة وفود المناصرين الذين هبّوا لمناصرة الفريق الوطني إلى أرض السودان. وأضافت مصادرنا، التي كانت شاهد عيان على الواقعة، أن الأعلام التي حيّت الفريق الوطني من مدرجات المريخ وّزعت مجانا على المناصرين. * * الاعتداء على الخُضر عزّز الروح الوطنية وبعث مشروع "علم بكل بيت" * انتقد مالك آيت وازو، رئيس دائرة الإدارة العامة بالمؤسسة الوطنية للأثاث الحضري، الطريقة التي أطلقت فيها مبادرة علم في كل بيت التي أعلنت عنها وزارة الاتصال سنة 2008، وقال إن مدير الإذاعة وقتها عزالدين ميهوبي لم يترك لنا فيها الوقت الكافي وطلب منا تحضير كمية 20 مليون علم في ظرف عشرين يوما، وهو ما كان ضربا من ضروب الخيال. * وعاد رئيس دائرة الإدارة العامة بالمؤسسة بالذاكرة سنتين إلى الوراء، حيث أعلن عزالدين ميهوبي بصفته مديرا عاما للإذاعة الوطنية حملة علم في كل بيت، ورصدت لها وزارة الاتصال حينها مبلغا ماليا معتبرا، لتكون احتفالية جماهيرية بمناسبة الخامس من جويلية، إلا أن المبادرة لم تأخذ الوقت الكافي للإنجاز. وذكر محدثنا أن الوزارة اتصلت بالمؤسسة عشرين يوما فقط قبل تاريخ الخامس من جويلية، مما جعل إمكانية تطبيق المبادرة غير قابل للتحقيق، وعلى الرغم من ذلك فإنه تمّ إنتاج 45 ألف علما بدلا عن 2 مليون علم وطنيا لدخول البيوت والمنازل. * وأضاف آيت وازو أن البلديات والولايات عبر الوطن تكفلت بتوفير عدد آخر من الأعلام الوطنية في سبيل إحياء المبادرة والروح الوطنية من خلالها، إلا أن الأحداث الأخيرة التي خاضها الفريق الوطني مع نظيره المصري، أنجحت المبادرة دون سابق تحضير، وبثت الروح الوطنية في جميع شرائح الشعب الجزائري دون استثناء. * وحدّثنا المسؤول بالمؤسسة أنه للمرة الأولى يرى المواطنين يسعون لاقتناء العلم الوطني، وذكر أن هناك من اشتراه لإرساله إلى أقاربه في الخارج لأنهم يعتبرونه أجمل هدية يمكن أن تزف إليهم من الجزائر، خاصة بعد أن تعرضت الألوان الوطنية للاعتداء والحرق. * واعتبر آيت وازو أن انتصارات الفريق الوطني استطاعت أن تحقق ما عجزت المؤسسة في حد ذاتها عن تحقيقه منذ سنوات، حيث أطلقت هي الأخرى مبادرة علم في كل بيت سنة 2007، إلا أنها لم تلق الترحيب الواسع المتوقّع لها. * * الصينيون بريئون من الرايات ذات الجودة المتدنّية * ساهم الإقبال الكبير على العلم الوطني في الشوارع الجزائرية في إنتاج الآلاف من الرايات الوطنية التي تخالف المعايير المنصوص عليها في الجريدة الرسمية، وقد ظنّ الشارع الجزائري أن تلك الرايات يتم استيرادها من الصين، إلا أن منتجي الأعلام الوطنية بالجزائر أكدوا أنه لا توجد أي مؤسسة صينية تمتهن صناعة الرايات الوطنية. وذكر المحاسب في مؤسسة "آفاق" لصناعة النسيج، شتوان عمر، أن كل المنتجين الخواص المقدّر عددهم عبر التراب الوطني بخمسة منتجين حسب إحصاءات رسمية هم من جنسية جزائرية ولا يوجد بينهم أي طرف أجنبي. * واشتكى ممثل مؤسسة آفاق من الاحتكار الذي مارسته المؤسسة العمومية الاقتصادية للقماش ببوفاريك، والتي تعتبر المتعامل الحصري مع الخواص والعموميين، وقال: "ارتفع سعر القماش الأخضر إلى ثلاثة أضعاف سعره منذ المباراة الثانية التي جمعت الجزائر بزامبيا في شهر أوت، في حين اختفى اللون الأحمر نهائيا من السوق بعدها، وهذا ما اضطر بعض المصنعين الى شراء قماش أبيض وصبغه بالأحمر". وأضاف "أن أسعار القماش لاتزال الى يومنا هذا تعرف ارتفاعا محسوسا، إذا ما استثنينا سعر الحرير الذي يعدّ قليل الاستعمال". * وعلّل سبب رداءة إنتاج الكثير من الرايات التي تداولها المشجعون في مقابلات التصفيات لكأس العالم، وفي كأس إفريقيا للأمم، بالزمن القياسي الذي أنتجت فيه، ناهيك عن نوعية الأقمشة "النيلونية" التي إن لم تُخط بإتقان تنسلّ خيوطها عند أول استخدام. * وأما عن المبيعات التي حققتها المؤسسة في المقابلات الماضية، ذكر محدثنا أنه تم بيع 4500 راية، بيعت لمختلف الأكشاك وتجار القطعة، في حين لم يتم تسجيل سوى 1800 طلب للرايات الوطنية في الخامس من جويلية السنة الفارطة، فضلا عن 17 ألف طلب خاص بالأقمصة التي تحمل ألوان الراية الوطنية. * * * 203 دولة في أكبر مخزن للرايات في إفريقيا * يضم مخزن مؤسسة الأثاث الحضري والرفاهية أعلام 203 دولة عبر العالم، ويعد أكبر مخزن للرايات الوطنية على مستوى إفريقيا، حيث لكل بلد من 3 إلى 6 آلاف بمقياس 90/60 سم، و300 إلى 500 علم بمقياس 2.25 متر، ومن 200 إلى 150 علم بمقياس 1.5 متر. * وتعمل المؤسسة عل حماية كافة الرايات التي بحوزتها، كما تسعى لتوفير مخزون أوفر تحسّبا لأية تظاهرات قد تحتضنها الجزائر.