في الأسبوع الماضي صدمت بتصريحين حول قافلة الإغاثة الرابعة التي أطلقتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في شهر جوان الماضي، من الجزائر إلى غزة. أما التصريح الأول فكان للسفير الفلسطينيبالجزائر أدلى به لجريدة الخبر، ومفاده أنه لا يعلم شيئا عن هذه القافلة، وأما التصريح الثاني فقد كان بيانا للسفارة المصرية بالجزائر، تقول فيه يوجد في القافلة من المحتويات غير مصرح به. ورغم أني في العادة لا أكتب في مثل هذه القضايا الجزئية والعالقة التي لا ندري أتنتهي قبل نشر هذا المقال أم بعده، فإن واجب التوضيح فرض علي الكتابة، حفاظا على قيمتي الصدق والأمانة التي تميزت بهما جمعية العلماء المسلمين في القوافل التي أطلقتها إلى غزة وغيرها منذ سنة 2010 إلى اليوم. يلتقي التصريحان في نتيجة واحدة وهي الطعن في مصداقية جمعية العلماء، فعندما يقول سعادة سفير فلسطين انه لا علم له بالقافلة أصلا كما نقلت عنه جريدة الخبر، ولم يقل هذا عن القوافل الثلاث السابقة، ماذا يعني ذلك؟ وعندما تقول سفارة مصر أن في القافلة مواد غير مصرح بها ماذا يعني ذلك؟ أن هذه القافلة والتي سبقتها كلها كانت بتنسيق مع كل الجهات المعنية، ومنها سفارة فلسطين والسلطات المصرية. لقد روجع سعادة سفير فلسطين في الموضوع، فقال لم أقصد أنني لا علم لي بها وإنما قصدت لا علم لي بمحتوياتها، وهو تصريح يثبت تهمة السفارة المصرية ويعمق الهوة بين القائمين على القافلة والإدارة المصرية، في حين أنه على علم بالموضوع وبكل تفاصيله؛ لأن هذه القافلة أولا عمرها أربع سنوات، يعني ان كان التنسيق يوما بيوم أيام التحضير لها، وثانيا عندما انطلقت القافلة كانت السفارة حاضرة بنائب السفير، ولو طلب سعادة السفير قبل او بعد انطلاق القافلة أي معلومة في الموضوع لنالها، هذا إذا افترضنا جدلا أنه لم يكن على علم يمحتويات القافلة أصلا كما يقول. إن اتهام الجمعية بهذه التهم كبيرة في حق جمعية رأسمالها الأساس "الصدق والأمانة"، ولا يهمني بعد ذلك نوايا أهل التصريحات هذه، صدقوا أو غرر بهم..، وما قصدوا فيه وما لم يقصدوا..، وإنما يهمني ما قرأه الناس ولا بد من توضيحه مهما كان مصير القافلة وصلت او لم تصل وتصحيح ما أمكن تصحيحه فيما يتعلق بأمانة الجمعية وصدقها في الموضوع. وكلامي هذا أيضا لا يصب في التصريحات باسم القافلة والجمعية؛ لأن الناطق الرسمي بها هو الدكتور عمار طالبي رئيس لجنة الإغاثة، وإنما هو رأيي الذي أتحمل مسؤوليته ككاتب رأي، يهدف إلى معالجة قضية أخلاقية، واملك فيها من المعلومات ما لا يعرفه القارئ الذي قرأ تصريحي السفارتين. هذه القافلة عمرها أربع سنوات كما أسلفت، أي أنها جمعت منذ أربع سنوات، ولكن نظرا للأوضاع غير المستقرة في مصر، فقد تأخرت إلى اليوم، وذلك باتفاق بين اللجنة القائمة عليها والسفارة المصرية، وبسبب طول المدة كادت اللجنة أن تيأس من إتمامها وصولها إلى أهلها، وربما بدأت تفكر في تصرف آخر حماية لهذه التبرعات من التلف...، وبينما اللجنة تفكر في سبل إنقاذ القافلة، حتى تلقت مراسلة من السفارة المصرية تفيد استعداد السلطات المصرية للتعاون في استقبال القافلة ونقلها إلى أهلنا في غزة، عبر معبر رفح، وبدأت التحضيرات مع جميع الجهات الرسمية، الجزائرية والمصرية والفلسطينية، وقدمت قوائم المحتويات إلى جميع الجهات بكل تفاصيلها، ولم يعترض على شيء منها، وانطلقت القافلة من ميناء الجزائر في جوان 2017، بعد الإعلان عنها في ندوة صحفية بميناء الجزائر. لا شك أن انطلاق القافلة كان في ظروف سياسية غير عادية، وقد حرصت لجنة الإغاثة مراعاة لهذا الواقع، على ألا تقرأ كموقف سياسي مساند أو معارض لأي جهة كانت، فلسطينية أو مصرية أو خليجية أو جزائرية؛ لأنها قافلة إغاثية إنسانية محضة، وإنما قَدَرُها هو الذي أوقعها في هذه الظروف العربية المتأزمة، ولارتباطها بالقرار المصري أيضا الذي أذن في هذا الظرف بالذات، فالسفارة المصرية هي التي رأت تأجيل الموضوع وهي التي قالت إنها على استعداد الآن. ولا يسع الجمعية إلا الاستجابة بسرعة لأداء الأمانة إلى أهلها، ولم يكن سهلا على القائمين عليها تنفيذ العملية، وهم يدركون مدى الخطورة على أرواحهم، بسبب ما يقع في سيناء.. ومع ذلك أقدموا. يبدو أن الظروف السياسية المتوترة هذه الأيام هي التي أملت هذا الواقع الأسوأ، ونقدر كل ظرف سياسي تمر به الأمة وأطرافها، ولكن تمنينا من إخواننا الفلسطينيين والمصريين، لو أنهم برروا رؤاهم بأمور أخرى غير التي ذكروا، التي هي مبررات أقل ما يقال فيها أنها تهم أخلاقية تنال من صدقية جمعية العلماء. ماذا يقول العالم عن جمعية تصرح بمحتويات قافلة، وتحاول إدخال محتويات أخرى غير مصرح بها؟ وما هي هذه المحتويات غير المصرح بها؟ ماذا يقول العالم عن جمعية العلماء التي لا تنسق مع سفارة فلسطين في بلدها؟ وإذا لم تنسق مع السفارة الفلسطينية مع من تنسق إذا؟ تنسق مع حركة حماس المصنفة في بعض الدول بالمنظمة الإرهابية؟ إن هذا الأمر خطير.. وإذا كان الإخوان أصحاب التصريح يريدون التخلص من تبعات سلوكات غير أخلاقية تجاه أهلنا في غزة، وغير إنسانية بمنعها قافلة إغاثية لبشر ذنبهم أنهم يسكنون في غزة، فليس من حقهم أن يلقوا بهذا الثقل على غيرهم. كان يمكن أن يذكروا أي مبرر آخر معقول، والجمعية تتفهم ظروفهم كما تفهمت ظروفهم أو ظروف بعضهم دائما، وتكيفت معها بما يخدم القضايا الإنسانية دائما. إن لجنة الإغاثة التابعة لجمعية العلماء كانت ولا زالت حريصة على أن تكون جميع تصرفاتها في شفافية تامة، فهي حريصة على أن تكون الإعانات عينية وليست مالية، تحاشيا لما قد يفهم أو يقال، وهي حريصة على أن تقوم على إيصال المساعدات بنفسها إلى مواقعها لما تَعْرف الجمعية من تجاذبات وخلافات بين الأطراف الفلسطينية. وعندما تشعر بأنها غير قادرة على تنفيذ ما تريده وفق رؤيتها، في هذا الواقع العربي المتأزم، فإنها تمسك ولا تداوي الجروح بالقروح؛ لأن جمعية العلماء في جميع نشاطاتها، تحرص كل الحرص على إقامة أعمالها بمشروعية تامة وبوسائل مشروعة أيضا. ومع استنكارنا لهذين التصريحين، وإصرارنا على براءة الجمعية من مثل هذه الادعاءات، ندعو كل مع اكتشف عيبا في هذه القافلة أن يكشفه للناس بتفاصيله وأدلته، فإذا كان هناك أمور غير مصرح بها مثلا كما قالت السفارة المصرية فلتكشف وتسمى باسمها. وقبل ذلك وبعده نؤكد على أن فشل هذه القافلة وإعادتها إلى الجزائر، فشل للبقية الباقية من قيم الأمة عموما؛ لأن العالم الآن يدعم كل عمل إنساني في الحروب وكروب، ونحن عجزنا عن إيصال قافلة من 14 شاحنة، إنه لخذلان ما بعده خذلان بأوضح صوره!! وضربة قوية للسلطات المصرية، رسميا وشعبيا، وضربة قوية للسلطة الفلسطينية أيضا، إذا لم تحرك ساكنا في موضوع متعلق بقضية تهم الشعب الفلسطيني المحاصر وليست قضية خاصة وموجهة لأحد أطرافه فتح أو حماس أو الجهاد.