يبدو أنّ النظام المخزني في المغرب لا يستفيق من صدمة دبلوماسية إلا ليستيقظ على إخفاق جديد، يشكل نكسة أشدّ وأنكى على أحلامه الاستيطانية في الصحراء الغربية، ولأنّه ضعيف "الحجّة" أمام حقائق التاريخ والجغرافيا، ما جعله يقف عاجزا في تعبئة المجتمع الدولي خلف أطروحاته الاستعمارية، فقد سعى دومًا إلى تحويل الأنظار الداخلية نحو "عدوّ وهمي" اسمه الجزائر، يزجّ به في كلّ الخطابات والمواقف، حينما يتعلّق الأمر بتبرير الهزائم المتعاقبة. آخر تلك الصدمات، وليس أخيرها، هو تتويج وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة دوليّا، بتعيينه وسيطاً أممياً لحلّ النزاعات الدولية، وهو منصب مرموق سيتقاسمه مع18 شخصية عالمية بارزة، من بينهم رؤساء دول ووزراء خارجية سابقون، هذا الخيار نزل كالصاعقة على البلاط المغربي. الوجع لم تحتمله الطبقة السياسية المغربية التي تكتم آلامها حتى الآن، لكنّ بعض وسائل الإعلام كشفت عن خيبات الأمل التي تخيّم على الرأي العام في البلاد، فقد كتب قبل يومين، موقع "هسبريس" الشهير "يبدو أنّ مشاكل المغرب لن تنتهي مع مغادرة رمطان العمامرة، في جوان الماضي، لمنصب وزير خارجية بلده، بل على العكس ستزداد بعد أن أصبح يشغل منصباً سامياً داخل المربع الذهبي لفريق الأمين العام الأممي، فماذا عساهم يقولون أولئك الذين بشّرونا بقدوم صديق المغرب على رأس المنظمة الأممية؟ قبل أن يتساءل: فهل هي مجرد صدفة؟ أم رسالة تحتاج إلى فك شفرة؟"، في إشارة إلى الإقرار بانتصار الجزائر في معركة الكواليس الأمميّة، عكس ما روّجت له دبلوماسية المخزن عقب تسمية "غوتريس". وربط المصدر، في مقال وقّعه أحمد نور الدين، باحث مغربي في القضايا الدولية والإستراتيجية، بين التكليف الجديد الذي حظي به لعمامرة وسلسلة التحركات التي دشنتها الدبلوماسية الجزائرية منذ تعيين "غوتريس"، وذكر منها على وجه الخصوص "مسارعة وزير خارجيتها آنذاك إلى زيارة واشنطن في 16 ماي الماضي، ولم يكن شخص آخر غير رمطان العمامرة! بينما تأخر أول لقاء لوزير خارجية المغرب ناصر بوريطة مع ريكس تلرسون إلى غاية 7 سبتمبر الحالي، أي بعد حوالي أربعة شهور"، على حدّ قوله.. وراح الكاتب، في عملية تنفيس وتسلية نفسيّة، يكيل الاتهامات الباطلة للجارة الشرقيّة، في محاولة لتسويغ سوء علاقات الجوار المخزنيّة مع دول المنطقة، قائلا "وبين هذا وذاك، لا ينبغي أن ننسى المصلحة الجزائرية في عرقلة المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا، الذي يعدّ جسراً حيوياً نحو إفريقيا عموماً ومنطقة "سيداو" خصوصاً، ولقد انكشفت بعض النوايا السوداء التي تقف وراء أحداث الكركرات ستة أشهر بعد وقوعها، حيث تمّ الإعلان مؤخراً عن مشروع جزائري لفتح معبر مع موريتانيا قرب الزويرات، وما خفي كان أعظم"، ليظهر جليّا أنّ المراقبين يتلمّسون آثار التخبّط والتعثّر الذي تُمنى به مقاربات وتحركات المخزن تباعًا على أكثر من مستوى، حيث يخسر في كلّ مناورة جديدة جبهة إضافيّة! الباحث المغربي عاد للتذكير بوقائع احتجاز السفن المغربية الناقلة للفوسفاط، وكان أبرزها ما حدث في ميناء "إليزابيث بورت" في جنوب إفريقيا، معتبرا مثل هذا العمل يتطلب عمليات معقدة لِتَتبّع مسار السفن المغربية ومصدر شُحنتها، وهو أمر ليس متاحاً للبوليساريو، وإنما هو، حسبه، مخطط قامت برعايته أجهزة الدولة الجزائرية بكل مكوناتها. وبعد سرد الإخفاقات السابقة، شدّد الكاتب على التنبيه إلى حجم الخطورة التي تلفّ بمصير الاستعمار في الصحراء الغربية، وإن لم يذكره بهذه الصفة، داعيا النظام المخزني إلى التعامل معها استراتيجياً، وليس من خلال ردود الأفعال أو برامج متفرقة لا يجمع بينها نَسق، على حدّ تعبيره.