مَنْ هُم أحسن مستوى معيشي وفي أعلى هرم الفئات الاجتماعية وأحيانا في قمة هذا الهرم، يبدو لي أنهم يعيشون توترا نفسيا وسياسيا وسُلطَويا أكبر من البسطاء من النّاس الذين يُلاحقون لقمة العيش يوميا ويتأثرون بكافة القرارات التي يصدرها أو يعارضها هؤلاء الأَعلَون. نسبة التوتر والقلق ترتفع كلما كان المتابع للشأن العام سياسيا أو "صالونيا" أو"فاسبوكيا" قريبا من مصدر القرار أو كان في يوم ما قريبا منه، أما بقية الناس، فإما غير مبالين، أو ينظرون للأمر برباطة جأشٍ وبهدوء كبيرين يَنِمَّان حقّا عن حِكمةِ الفئات الشعبية العميقة وعن تقديرها الصحيح للموقف، عكس جميع مَن صنَّف اليوم نفسه في خانة القريب من مصادر القرار أو القادر على التأثير فيها أو زَعَم أنه مصدرُها الوحيد. عامة النّاس مِمَّن لا يزعمون هذه المكانة وهذا الدور يبدو أن لديهم ثقة تامة في أن البلاد لن تسير للهاوية ماداموا هم مقتنعين بذلك وغير مستعدين للدفع بها في هذا الاتجاه، ويملكون الوعي اللازم بأنهم في جميع الحالات لن يدخلوا لعبة هذا أو ذاك ما دامت بعيدة عن الطريق الهادئ، الصّادق والصّحيح. مَن مِن الجزائريين من يُسِرُّ لك اليوم أو يُعلِن أنه على استعداد لأن يكون أداة يستخدمها هذا الفريق ضد الآخر؟ مَن منهم لا يُدرِك حقيقة اللعبة حول رهانات الحكم وأنه عليه أن لا يُقحِم نفسه فيها؟ بل مَن منهم لا يؤمن بأن طريق الخلاص هو في لَملمة الأمور وتحقيق الانتقال التدريجي الهادئ نحو مرحلة أفضل؟ لعل هذا ما نُسمِّيه بالوعي الشعبي العميق القادر على التمييز بين الأشياء، والقادر على الحفاظ على التوازن الصحيح في المجتمع الذي يمنع حدوث اضطرابات من شأنها الاخلال بهذا التوازن. لذا، أكاد أجزم أن مختلف الحسابات الفوقية أو العَبْر فوقية، لا يُمكنها بأي حال أن تنجح في بلد صهرته أكثر من مِحنة وخَبِر التقلبات والمقالب السياسية بكل تنوعاتها وأشكالها، وأصبحت لديه حصانة ضد عوامل "التهييج" الصادرة من هذه الجهة أو تلك.. وعلينا إذا أردنا أن نعرف أي مستقبل ينتظر هذا البلد أن نبحث في إيمان أفراده من رجال ونساء ممن يعيشون ضمن الفئات الشعبية.. فأولئك الأقل توترا هم مَن يمنحوننا بحق الثقة في أن هناك أملا في المستقبل.. أما الآخرون الأكثر توترا وخوفا على دنياهم، مِمن هم في عجلةٍ مِن أمرهم، فلن يمنحونا إلا مزيدا من اليأس والشعور بأننا على شفا الهاوية أو قريبا من الاحتراق، مُعبِّرين عن الحال التي أوصلوا إليها أنفسهم، لا عن حال عامة الناس ممن آمنوا ببلدهم ولم يرقَ إليهم أدنى شك بأنها ستهزم خصومها ولن تذهب تضحيات شهدائها هباءً وسينصرها الله تعالى بهدوء وثبات وهو خير الناصرين.