متابعة الجزائريين للتغييرات الكبيرة التي حدثت وستحدث في أعلى هرم السلطة بهدوء وسكينة تامّين يدفع إلى مزيد من الثقة في أن بلادنا قد تجاوزت بحق مرحلة التعامل بانفعالية مع الأحداث، وأن الرأي العام بها وصل إلى الاحتكام إلى العقل في التفاعل مع ما يصدر من قرارات على أعلى مستوى بدل العاطفة والانحياز اللّذين كانا يتميز بهما قبل عشرين سنة من اليوم.. سواء من عارض أو من أيد هذه التغييرات من سياسيين أو مواطنين، الكلّ أصبح مدركا اليوم للرهانات الكبرى التي تعرفها البلاد ولا يقبل بأن تتحول هذه الرهانات إلى تهديدات أو إلى اضطرابات كما حدث في كثير من بلاد الجوار. هذا الهدوء الجزائري اليوم هو من أهم المكاسب التي ينبغي الحفاظ عليها وتثمينها لبناء مؤسسات جديدة ذات مصداقية وقادرة على تحقيق الفاعلية ومتطابقة في أدائها مع القانون. لم نعد نلحظ كما في التسعينيات ذلك الاستقطاب الشعبي الذي يصل إلى حدّ التناحر بين أبناء العائلة الواحدة أو الحي الواحد أو الفئة الشعبية الواحدة المرتبط بهذا الشخص أو ذاك. الكل اليوم على نفس الموقف: نحن نريد دولة قوية بمؤسّساتها واقتصادها وأمنها واستقرارها، نريد دولة، القانون فيها فوق الجميع، وقواعد العمل تطبق سواء بسواء على الجميع، من القمّة إلى القاعدة، ونحن نضمن إذا ما تم ذلك أن لا نرى تأففا من أي كان ولا غضبا يدفع نحو ارتكاب حماقات أو تطرفا في ردود فعل ينشئ العداوات والبغضاء وقد يتسبب في عودتنا إلى دائرة العنف. ولعلّ هذا ما يبدو أننا نسير باتجاهه اليوم، كل المؤشرات تشير إلى هدوء القاعدة الشعبية وتعاملها بكل موضوعية مع تصريحات هؤلاء أو تغييرات هؤلاء، تؤكد أننا أصبحنا بحق نمتلك النضج الكافي للشروع بحق في بناء الدولة الجزائرية على أسس عصرية، وتحمل معها رسائل واضحة لمن مازالوا في السلطة منفصلين على إدراك طبيعة التحول الحاصل على المستوى الشعبي، تقول هذه الرسائل في مجملها: إن زمن الانتقال إلى نمطٍ جديد في الحكم يقوم على الشفافية والوضوح، وسيادة القانون قد حل، وأن لا مجال للتردّد كثيرا في قبوله، أو إطالة الزمن للوصول إليه. كل الإشارات تؤكد اقتراب دخولنا مرحلة جديدة من مراحل الحكم، لا تلعن سابقتها أو القائمين عليها إنما تعتبرهم قد مكّنونا من درس امتد على غير العادة لأربعة فصول بدل فصل أو فصلين، استوعبناه واستفدنا منه وحان الوقت اليوم لطي صفحاته. وفتح أمل جديد على الناس...