سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإقتراع الإلكتروني حلم.. ولا نستطيع تنظيم انتخابات بين متنافسين يتلاكمون! رئيس "الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات" عبد الوهاب دربال في حوار ل"الشروق" (الجزء الرابع والأخير):
أكد رئيس "الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات" عبد الوهاب دربال مشاطرته لمطلب الانتخاب الالكتروني، واصفا ذلك بالحلم المشترك ضمن هدف الوصول إلى انتخابات شفافة ونزيهة، لكنه شدّد على أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، فهو مرتبط، حسبه، باستكمال معالجة الحالة المدنية في إطار عصرنة الإدارة الجزائرية، فضلا عن مراعاة الاعتبارات التعليمية والثقافية التكنولوجية في المجتمع. دربال، وفي الجزء الرابع والأخير من حواره مع "الشروق"، قال إنّ سلطات ودور هيئته مهم للغاية في هذه المرحلة، حتّى وإن طالب بضرورة منحها صلاحيات أكبر في المستقبل، لكن الرجل أكّد أن تنظيم الانتخابات من طرف هيئة مستقلة الآن "غير منطقي ولا ممكنًا"، داعيًا إلى ما سمّاه "التواضع والابتعاد عن الأحلام الطوباويّة"، لأنّ الجزائريين ما يزالون يتعلمون الديمقراطية، على حدّ تعبيره.
هل تعتقدون أن الجزائر جاهزة اليوم لتدشين عهد الانتخاب الإلكتروني، بالنظر إلى مستوى عصرنة الإدارة والتعليم والثقافة في البلاد؟ الانتخاب الإلكتروني حلم نعم، لكن لا نزال في حاجة إلى وقت أكبر، ما تفضلتم به دقيق، وهناك أيضا عمل ضخم مطلوب بالنسبة إلى الهيئة الناخبة، وهي نتاج الحالة المدنية، الآن وصلنا إلى نتائج باهرة بخصوص الوفيات والشطب، وقد ركّزت خلال جولاتي عبر الولايات على هذه المسألة. لكن من الجرائم الكبرى التي اقترفتها فرنسا في البلاد، إفساد الحالة المدنية في البلاد. وهذه حقيقة. وما دامت الحالة المدنية مشوهة وفيها نقائص كثيرة لأنها مدمرة استعماريا، فلابد من علاج هذا الهيكل لنُخرج منه هيئة ناخبة صافية، هذه العملية تحتاج إلى كثير من الوقت. أينما وُجدت تطبيقات فقد حققنا نتائج طيبة بالنسبة إلى الوفيات والتسجيلات، وبالمناسبة أنا من الشاهدين على ما تفعله وزارة الداخلية وهو يدفع إلى الاعتزاز حقيقة. لكن لا تزال لدينا مشاكل كثيرة، وأعطيك أمثلة فقط، لدينا المولودون قبل 1920، هذه الفئة رغم أنها خارج معدل العمر لدى منظمة الصحة العالمية، لكنها تطرح مشكلة قانونية، فلو افترضنا أن معدل الحياة في الجزائر هو في حدود 90 سنة على أقصى تقدير، فقد تجاوزت هذه الفئة السنّ المتوقعة، لكن نحن يحكمنا القانون ولا يمكن إدراجهم مباشرة في عداد الموتى، بسبب غيابهم في تطبيق الحالة المدنية، لأننا لا نقتل الناس، ويجب أن نفرق بين الحق المدني والحق الانتخابي، ذلك أن القانون يضمن لهؤلاء حق الطعن في حال لم يجدوا أسماءهم ضمن الهيئة الناخبة. وقد سعت مصالح الداخلية لإنهاء هذه المشكلة من خلال بعثات تحقيق وإيفاد لجان إلى المداشر والقرى والأعراش للتأكد من وجود أشخاص على قيد الحياة، لأن هذه الشريحة تعدّ من "المُغفلين" تحتاج إلى حلول وهي كثيرة، وهناك من يحتج بمنع القانون للإسقاط من هيئة الناخبين. لدينا أيضا حالات أخرى، عاداتنا وتقاليدنا تمنعا من التصريح بها، وهم المصابون بالخرف والزهايمر مثلاً، في الغالب لا يبلغ عنهم، هل يعقل أنّ مثل هؤلاء لا يحق لهم التصرف في بيع دلاعة، بينما ينتخبون على رئيس جمهورية؟ هذه العينة موجودة وإن كانت قليلة. لو نجمع مثل هذه الأصناف قد نجدها بمئات الآلاف مجتمعة، نحن سقّطنا 1.2 مليون بتطبيق الحالة المدنية، لكن لو نستمر في التصفية قد نصل إلى مليونين أو ثلاثة، هذا تصور فقط قد يكون الرقم أقل بكثير. لكن الهدف نبيل وهو التصفية، وبقدر ما نبلغ ذلك، نصبح مرتاحين بخصوص الناخب الحقيقي.
كل هذه المعطيات تؤكد عدم جاهزية الجزائر للانتخاب الإلكتروني؟ الانتخاب الإلكتروني مرتبط مباشرة بهذه العملية، وكلما كانت صحيحة أمكن المرور نحو الحياة الإلكترونية بصفة عامة، من بطاقة التعريف وجواز السفر البيومتري إلى الانتخاب الإلكتروني، لأننا سنصل إلى "بطاقية وطنية" للهيئة الناخبة، وكل المعالجات تتم عبر الذاكرة الإلكترونية. صحيح أن الوصول إلى هذه المرحلة لا يتحكم فيه فقط الجانب الإداري، بل أيضا المستوى التعليمي والثقافي التكنولوجي في المجتمع، مثلما تفضلتم.
أكدتم من قبل أنّ العمل كان مثمرًا مع مصالح الداخلية في كافة المستويات، هل تعتقدون أنه من الممكن تحقيق انتخابات شفافة بالتعاون بين الإدارة والهيئة في بلد يعيش مرحلة انتقال ديمقراطي؟ العالم كلهّ يسير بهذه الطريقة، عندما ترى سياسيين متنافسين يتعاركون أمام المدارس ويتلاكمون أمام مراكز الاقتراع، كيف تتصور أن تشرف الهيئة على تنظيم الانتخابات في مثل هذه الظروف، إلا إذا كان البعض يريد اللعب بالبلد، نحن في مرحلة أولى لتعلم الديمقراطية، وعلينا أن نكون متواضعين، لا يقبل أن يكون الإنسان طوباويا، نحن ندرك جيدا تجربة السياسيين من قبل، كنت حاضرا فيها، ومناضلا حزبيا، حيث كانت بعض الأحزاب تبعث بممثليها في اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، فقط من أجل المنحة المالية، حيث تتقاسمها معه، وهي مشكّلة فقط من سياسيين، هل كانت تلك اللجنة تشرفنا؟ نحن نقول إننا في تجارب متواصلة ومتكاملة، حتى وصلنا إلى هيئة مدسترة، هذا كله تطور إيجابي نصبر عليه لينضج أكثر.
في بداية استلام مهمتكم على رأس الهيئة، راهنتم كثيرا على دورها في تحسين المسار الانتخابي، هل ازددتم ثقة اليوم بعد تجربتين في تعزيز حضورها القانوني والسياسي لأجل تنظيف الانتخابات؟ أنا أعتقد أن هذه الهيئة سترسم أرضية صلبة للبناء، يتبعه تعديل لقانون الهيئة، بما يمكنها من أداء دورها على الوجه الصحيح، لأنّ القانون 11/16 قد يكون من المفيد أن ندخل عليه تعديلات، حيث تعطى للهيئة مُكنة أكبر مما هي عليه الآن. لما تقرأ صلاحيات الهيئة تجد عبارات: تتأكد الهيئة.. تؤهل الهيئة.. وغيرها، لكن بعدما تتأكد وتتأهل الهيئة ماذا بعد؟ عندما تتأكد من الشيء وتنبه عليه ولكن لا يفعل شيء وماذا بعد؟ لذلك وفق البناء المرحلي، الهيئة تشكلت الآن، لكن في المستقبل تحتاج إلى تطوير، للتقليل من التخاصم في المنافسة بين السياسيين.
أعربتم عن ثقتكم الكبيرة في الإرادة السياسية العليا لتأمين الانتخابات، بكل صراحة هل لمستم تلك الإرادة مجسدة محليا؟ حتى نتكلم بواقعية الحرص الذي عندي شخصيا ليس ذاته عند أبنائي، نحن لا نطلب المستحيل، أنا أقول فقط إن أعلى إرادة سياسية هي الدستور، وهو القانون الأساسي للدولة، وهو الإرادة العليا في البلاد، عندما تحدد وظيفة الهيئة في نظافة الانتخابات، لم يبق هناك نقاش آخر، هذا أقوى من أي كلام وتصريح وقرار. الدستور هو الأكثر إلزاما في الدولة لأعضائها ومؤسساتها، الموظف غير الملتزم بهذه القاعدة الدستورية يرتكب جريمة وطنية، ولهذا قلت مرارا إن التزوير خيانة وطنية، وأعيد ذلك اليوم وأكرر أن كل من تسول له نفسه التلاعب بنتائج الانتخابات فهو خائن وطني، لأنّ فعله يقود إلى فقدان الاستقرار والفوضى. ونحن نقبل كل شيء إلا التلاعب ب"عشانا"، ومن كان عاجزا عن تأمين الانتخابات، فلينسحب من العملية، لأنّ المصلحة الوطنية سابقة على الجميع.
وفق التجربة الميدانية الآن بعد الانتخابات التشريعية والمحلية، وعلى ضوء السلطات الممنوحة لهيئتكم، ما هي الأدوات القانونية الإضافية التي تطالبون بها لتطوير فعالية دوركم في تحسين السمار الانتخابي؟ هذا الموضوع يحتاج إلى تمهيد بسيط حتى يتضح أكثر، نحن وإرادة المؤسس الدستوري والأحزاب والسلطات العليا في البلاد هدفنا واحد، وهو السهر على ضمان انتخابات شفافة، وهذا لا شك فيه لدى الجميع، لكن هناك من يطمح للوصول إلى المبتغى في الغد، يا ليت ذلك يتحقق، لكن نحن في الهيئة، ومن خلال الواقع الذي نتحرك فيه، نعتقد أن هذا الهدف على ما فيه من نبل يجب الوصول إليه بشكل متدرج وصحيح، هذه قناعتنا، ولهذا أنا قلت أن المؤسس الدستوري لمّا نص في المادة 194 على أن الهدف هو انتخابات شفافة نظيفة، أعطى صلاحيات وسلطات واضحة للهيئة، وتكلم عن التحسين والتكوين، لأنه يدرك أهمية ذلك في تحقيق الهدف المنشود، ولا يمكن انجازه بين عشية وضحاها، والتحسين في التدريب يأخذ الوقت، والتكوين يخص أعضاء الهيئة والإدارة والإعلاميين، لأنهم جميعا يتعاطون مع العملية السياسية. إذن مادام الهدف يحتاج كل هذه الشروط والوقت، فهل من المنطق منح صلاحيات التنظيم الكامل للهيئة للانتخابات في هذه الظروف، أبدا هذا ليس منطقيا، لأن ذلك ليس متوافقا مع الهدف المرسوم، ولذلك أنا قلت أنه رغم محدودية صلاحيات الهيئة فعليا، لكنها تمكنت من إيجاد أرضية صلبة لبناء مسار انتخابي يتطور، والأمور واضحة جدا الآن. في اعتقادنا بعد التجربة في المحطتين التشريعية والمحلية، أنه قد حان الوقت من أجل أن تضبط أمور أكثر للهيئة، لما تعطيها مثلا سلطة التدخل التلقائي، لأنها تراقب العملية الانتخابية، عندما نلاحظ على مستويات مختلفة على أن القانون لا يطبق بشفافية، نحن نتدخل لإجبار الجهة المخالفة أيّا كانت على التزام القانون، خاصة في المسار الأول منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى اليوم الأخير قبل الانتخاب، حيث يمكن أن تحل كثير من المشكلات، لأن العملية الانتخابية تكون مضمونة بين الهيئة والإدارة والقضاء والأحزاب، وسيرها سيكون نظيفا، بحيث كلما كانت نظيفة قل الاحتجاج. ولذلك نرى أنّ العملية الأولى التي نبنيها نحن الآن هي بناء "ثقافة أو عقيدة الرقابة"، ولهذا أنا قلت مرارا أننا هيئة رقابة وليست ملاحظة ولا "عساسة على الصناديق"، حيث نراقب تطبيق القانون على المشمول بالقانون، والمشمولون بذلك كثيرون، ولذلك وقّفنا مثلا صحافة مارست عمليات اشهارية في الحملة الانتخابية. والخلاصة أننا أردنا جملة من الصلاحيات أكثر مرحليّا، من أجل توقيف تلك المسائل التي لا تصل إلى القضاء، أو لا تسعفنا الانتخابات حيث نؤجلها حتى التقاضي، أو نذهب نحو القضاء ونعالجها بأثر رجعي وغيرها. بهذه الخطوة، التدخل التلقائي، نعطي الثقة أكبر للعملية الانتخابية، وحتى نطمئن الشركاء، ونصنع جوا عامّا من الثقة أكثر لدى الناخب. هذا الذي نقوله، لكن نحن سعداء أن الهيئة ولدت بهذه الحكمة المتدرجة، والعرب قالت "قتلت أرض جاهلها"، لأن رغبتي ورغبة الجميع شديدة في الوصول إلى انتخابات شفافة في أقرب وقت، لكن هل يمكن لهيئة وُلدت البارحة الإشراف على مليون شخص مندمجون في العملية الانتخابية ومراقبتهم.
لكن مثل ذلك وأكثر حصل في دول عاشت تجربة الانتقال الثوري في جوارنا القريب، حيث أشرفت هيئات مستقلة تماما على تنظيم الانتخابات؟ لكل بلد ظروفه وثقافته وتجاربه، لما تكون لديك في بلد هياكل قائمة، لا يمكنك أن تركب هياكل أخرى فوقها، وهذه المسألة لها تاريخ، ليس كل ما يصلح عند الآخرين يصلح بالضرورة في بلدنا أو بلد غيرنا. هذه ثقافة أيضا ولهذا يجب أن توضح هذه القضية حتى نتفادى المغالطة.
قلتم إن ميلاد هيئتكم كان حكيما، بالنظر إلى تراكم العملية الانتخابية، لكن هل تطمحون يوما ما إلى الإشراف على تنظيم الانتخابات بصفة مباشرة؟ يجب أن أجيبك بكل صدق.. أنا أطمح إلى انتخابات بدون هيئة أصلا.
لكن الموضوعية تقتضي أولا المرور عبر هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، حتى تكرّس ثقافة القانون والديمقراطية، وبعدها نتخلّى تدريجيا عنها، لأنّ المؤسسات القائمة تحرص وتسهر على احترام القوانين بكل حيادية وشفافية، نحن لم نصل إلى هذا المستوى؟ أنا عشت في بلجيكا 8 سنوات، عاش الشعب هناك 18 شهرًا بدون الحكومة، وفي النهاية ارتفع معدل الناتج القومي بمعدل 4 بالمئة، لماذ؟ لأنه بلد قائم على مؤسسات تسير مثل القطار على السكة، حيث الأمور مرسومة بشكل واضح، يوم يصبح لدينا نحن تكامل بهذا الشكل لن نحتاج هيئة مستقلة لمراقبة ولا لتنظيم الانتخابات.
هذا ما قصدته بسؤالي، مرحليّا قبل بلوغ شاطئ المؤسساتي، نحن ما نزال نشق عباب البحر المتلاطم؟ أنا في تصوري يجب أن تسير الهيئة مرحليا، ونمنحها صلاحيات أوسع، حيث يعدل القانون بشكل أحسن وفق إرادة الناخب، كما يتحسن الأداء أيضا على مستوى الجهة المشرفة على الانتخابات، كل ذلك يتمّ مع بعض. وأنا أؤكد هذا الكلام دون الردّ أو التعقيب على أي طرف، المكاسب التي حققناها من خلال موعدين عملنا فيهما مع بعض هي كبيرة جدا، العمود الفقري للعملية الانتخابية كلها هو الهيئة الناخبة، وما بذل بصددها من مجهود لا تتصوره. ثانيا، تصوري لو تعمم التطبيقات الالكترونية في كل التنظيم لن يواجه الناخب بعض المشاكل الحالية، مثل فقدان الاسم، لأننا سننتقل إلى البطاقة الإلكترونية، بل ينتخب من بيته أو من أي مكان دون تنقل إلى مراكز الانتخاب، وبذلك تنتهي حكاية الانتخاب المتكرر والانتخاب بدلا عن الآخرين وحشو الصناديق وغيرها من المشاكل.