ينخر "الزهايمر" ذاكرة الأعزاء على قلوبنا وهم في أرذل العمر، فيفقدون قدرة التعرّف على من حولهم وأداء وظائفهم الحركية وأحيانا تصدر عنهم سلوكات عدوانية ومنافية للأخلاق والطبيعة.. يتعبون كثيرا وينزعجون ويتعب معهم مرافقوهم لكثرة الألم الذي يتجرعونه وهم يرون آباءهم في حالة طفولية طلّقوا فيها واقعهم وارتموا في أحضان ذاكرة بعيدة يحنّون فيها إلى طفولتهم.. بل أكثر من هذا ألما عندما لا يتعرّف الآباء على أبنائهم ويرفضونهم ويهربون منهم إلى عالم من دون عقل ولا ذاكرة ولا إدراك.. ارتفعت معدلات الإصابة بالزهايمر في بلادنا وبلغت أرقاما قياسية جعلت المختصين في طب الأعصاب يتحركون لأجلها ويحاولون توحيد الجهود لتحسين التكفل بالمرضى، ويعتقد العلماء أن مرض الزهايمر ناجم عن مزيج من العوامل الوراثية وعوامل أخرى تتعلق بنمط الحياة والبيئة المحيطة ومن الصعب جدا فهم المسبّبات، لكن تأثيره على خلايا الدماغ واضحة، إذ أنه يصيب خلايا المخ ويقضي عليها، ويعتبر هؤلاء الطريقة الوحيدة للوقاية من هذا المرض الخطير هي اتباع نمط غذائي متكامل ونفسية سليمة. وفي السياق، نظمت جمعية أطباء الأعصاب الأحرار لولاية الجزائر، نهاية الأسبوع بفندق الماركير يوما دراسيا حول الزهايمر والباركنسون "الشلل الارتعاشي"، كشف فيه المختصون عديد الحقائق عن المرض والمرضى.
عائلات قلب "الزهايمر" حياتها وأفقدها الراحة والنوم خالتي فاطمة مسنة في بداية منتصف الثمانين من العمر تعاني منذ 3 سنوات من الزهايمر، تقطن مدينة البليدة رفقة ابنيها وأحفادها لكنها لا تتذكر أحدا منهم، فهي تتذكر والديها وإخوتها الذين تظل تسأل عنهم دوما فقط. تقول سعيدة زوجة ابنها التي ترعاها إن سلوكاتها تغيرت كثيرا وفقدت الشهية بل أكثر من هذا كلما جاء شخص غريب تسأله عن والديها وكيف أن العائلة التي تعيش معها ترفض أخذها إليهما وتحبسها لديها.
أساور في يد المرضى تحمل رقم الهاتف والعنوان أمّا عمي رابح البالغ من العمر 72 عاما من ولاية بومرداس فيعاني زهايمر متقدما، حيث فقد التحكم في وظيفة التبول وتظل بناته تتابعنه في كل مكان حتى أنه أحيانا يصاب بنوبات عدوانية وتصدر عنه تصرفات عنيفة. وتقول ابنته "كثيرا ما يجلبه الجيران في غفلة منا عندما يخرج من البيت ونحمد الله أن الجميع يعرفه في قريتنا لكن رغم ذلك نعلق له رقم الهاتف والعنوان في سوار على يده تحسبا لأي حادث قد يقع فهو يرفض البقاء كثيرا في البيت".
مرضى لا يعرفون منازلهم وأبناءهم .. لا يفرقون بين الليل والنهار أمّا رحيمة فتقول إنها فقدت طعم الحياة منذ مرض أمها قبل 5 سنوات لأن والدتها تحتاج للعناية كل وقت، فهي تسهر على رعايتها طوال اليوم وتصحبها خارج المنزل لترفه عنها، لكنها تأسف كثيرا لحالها فهي لا تفرق بين أولادها والأشخاص الآخرين وتتعامل مع الجميع بنفس الطريقة، كما أنها لا تدرك أن البيت بيتها ولا تتذكر أي شيء يخص أبناءها أو يخص حياتها. سليم من العاصمة وبالتحديد عين النعجة يقول إن والده المريض بالزهايمر "يصر على الخروج ليلا أو نهارا فهو لا يفرق بين الليل والنهار ولذا اضطر الى مسايرته تجنبا للنوبات العصبية التي قد تصيبه في حال منعه.. وتصوّروا كيف يكون حالنا في البيت بعد عمل متعب طوال اليوم لا ننعم فيه بالراحة ليلا لكننا رغم ذلك نتعاون أنا وإخوتي لرعايته كما رعانا ونحن صغارا". من جهة أخرى اشتكى هؤلاء من غياب تكفل الدولة بهؤلاء المرضى كتوفير مكان لرعايتهم وتلقين من يرعاهم بعض القواعد التي تساعدهم في التعامل معهم.
400 ألف جزائري مصاب بالزهايمر وحالة جديدة كل ساعة يقول رئيس الجمعية الدكتور خالد ديب المختص في طب الأعصاب أن السبب الأول لكثرة انتشار الزهايمر بهذا الشكل في السنوات الأخيرة يعود إلى طول مدة عيش الجزائريين، مذكرا بأن بلادنا تسجل 300 ألف إلى 400 ألف حالة موجودة بالإضافة إلى 10 آلاف حالة جديدة سنويا بما يعني تسجيل 27 حالة زهايمر على الأقل يوميا. ويصيب المرض عادة، حسب المختص، الفئة العمرية المتراوحة بين 65 عاما فما فوق، حيث ينتقل المرض عبر 3 مراحل أساسية وكلما كان اكتشافه في مرحلة مبكرة كلما كان العلاج أنجع، ففي المرحلة الأولى ينسى فيها المريض الأحداث القريبة جدا جزئيا وتعود إليه أحيانا ويتذكر القديمة، أمّا المرحلة الثانية فيمر المريض بحالة عصبية ونفسية كالحزن واضطرابات النوم وهي أهم الأعراض التي تستدعي العائلة لجلب مريضها إلى الطبيب، ويستطرد المختص قائلا "يتذكر المريض الأمور البعيدة جدا وطفولته وينسى تماما المحيطين به والأحداث القريبة ومع تقدم الحالة يصل المريض مرحلة عصبية وتوترا في الأعصاب واضطرابا في النوم وتدوم هذه المرحلة من سنتين إلى 6 سنوات". أمّا في المرحلة الثالثة فتكون بعد تعقّد المرض حيث يفقد المريض كل قدراته في الحركة، كما يفقد وظائفه الحركية ويصبح غير قادر على التنقل، أي غير مستقل ويحتاج دوما إلى مساعدة ومرافقة وتظهر معه أعراض الفراش وفقدان الشهية. وحسب تقدير الدكتور ديب فإن المريض يمكنه التعايش مع المرض ما معدله 8 سنوات قبل الموت، بسبب الآثار الجانبية للمرض.
جزائريون في سنّ الأربعين مصابون ب" الخرف" كشف عديد المختصين في طب الأعصاب أنهم يصادفون أحيانا حالات مبكرة للزهايمر الذي تبقى أسبابه العلمية غير معروفة بشكل تام. وفي الحالات المبكرة يقول الدكتور ديب يكون العامل الوراثي هو السبب الحقيقى المحتمل، مضيفا أنه صادف حالات في سن الخمسين وهي سنّ متقدمة مقارنة مع المعدلات العالمية والوطنية. من جهتها كشفت بن خالد زميتي المختصة في الأمراض العصبية في حديثها للشروق أنها استقبلت في عيادتها حالات في العقد الرابع من العمر لسيدات يعانين من الزهايمر، وهو مؤشر خطير، حسبها، عادة يكون بسبب البيئة المحيطة والأزمات النفسية التي يمر بها الشخص.
مختصون: يجب مراقبة المريض وإرفاقه بالعنوان ورقم الهاتف يقول ديب خالد نحاول دوما تحسيس العائلة بأهم الأساليب التي يتبعونها في معاملة المريض وهناك طرق تستطيع العائلة استعمالها للتجاوب مع المريض ولا يجب أن نذكّره في كل مرّة أنه عاجز وفاقد للذاكرة، كما لا ينصح بالتكرار كثيرا لأنه ينزعج عندما لا يستحضر ذاكرته والأفضل أن يذكره الآخرون بحكاياته التي يعرفها ويحبها، أي لا بد أن نعيش معه مرحلته الطفولية التي يتذكرها وأن نقدّم له الأشخاص الذين يزورونه بدل تركه يجاهد نفسه في التعرف عليهم والأهم من كل هذا مصاحبة المريض دوما برقم الهاتف وعنوان البيت للاتصال بالأهل في حال فقدانه أو ضياعه. وتضيف زميتي "حتى في البيت يمكن أن يضيعوا لذا ننصح دوما بعدم تغيير الديكور كثيرا والحفاظ على نفس المعالم وتجنب نقل المريض إلى أماكن أخرى والاستقرار به في مكان واحد وجلب من يرعاه إلى نفس المنزل وهذا يزعجهم كثيرا ويتعبهم".
احذروا مريض الزهايمر يقوم بأي شيء حتى الاعتداء.. أفادت المختصة زميتي أن المرافقين هم أكثر من يعاني من المريض نظرا لثقل وصعوبة المرض، والتكفل به كما قالت ليس سهلا لذا نجد من حوله غالبا حزينين ومعنوياتهم محطمة، فهم يجدون أنفسهم أمام شخص مختلف تماما عما عرفوه أحيانا الأم أو الأب يفقدون الهيبة والسلطة والحنان والعطف، وفجأة يذهب كل هذا وتحل محله سلوكات أخرى، ويصبح المريض كالطفل الرضيع، يقوم مرات بتصرفات مخالفة للطبيعة والعقل بسبب عدم الإدراك وحتى أمور جنسية أو اعتداءات أو تحرشات، وهناك من يخرجون مع أهلهم ليلا بسبب الاضطرابات التي تصيبهم ولا يمكن تركهم لوحدهم خوفا من قيامهم بحوادث أخرى كترك الغاز أو الماء مفتوحا.
عيش المسنين لوحدهم يمثل 90 من المائة من أسباب الزهايمر يعترف المختصون أن أغلب الحالات أي 90 من المائة من الحالات التي تصل إليهم تأتيهم في المرحلة الثانية حيث يكون المرض قد تقدم، إذ يقول ديب خالد "في الحقيقة مشكل الجزائريين هو تفرقة العائلة التي تشتت وبات كل واحد يعيش لوحده، إذ يترك الآباء وحدهم ولا يتفطن الأبناء لهذه الأعراض إلا مع تقدمها وتبدأ عادة بالنسيان في المرحلة الأولى.. أمر لا يحس به أقرباء المريض إلى أن يصل مرحلة الاضطرابات وعدم النوم أو الخروج من البيت". ويضيف "إذا جاء المريض في حالة مبكرة يمكن للعلاج تأخير مسار المرض بنحو 5 إلى 6 سنوات فلا يوجد علاج شافي نهائيا وإنما توجد أدوية تعطّل المرض وتؤخره وهي متوفرة في الجزائر ومعوّضة من قبل الضمان الاجتماعي".
طرق تشخيص المرض في المستشفيات خاطئة ولا تتناسب مع الجزائريين يخضع مرضى الزهايمر في بلادنا أثناء التشخيص إلى 3 اختبارات أهمها اختبار العجز المعرفي الذي تستند إليه مصالح الضمان الاجتماعي في قبول ملف المريض، غير أن الإشكال الذي يقع فيه المختصون هو أنهم يعملون باختبارات أجنبية بالأخص فرنسية لا تتوافق وطبيعة الفرد الجزائري وبيئته، حسب ما أكدته زميتي، فمعظم الجزائريين المرضى ذوو مستوى محدود أو أميون والاختبارات تفرض نمطا من الأسئلة يقفون عاجزين أمامه. وتقول زميتي "الاختبار الوحيد المعتمد من قبل الضمان الاجتماعي جيد لكنه غير مكيّف مع الأميين الذين لا يعرفون التواريخ في أحيان كثيرة ولا يعرفون الحساب الذهني أو قراءة الكلمات وهنا نحاول التكيف والعمل بالصور وتقديم صور لشخصيات شهيرة في الوطن وعبر التاريخ أو العملة النقدية الوطنية فلا يوجد تشخيص موحد واختبارات موحدة، لكن كل هذا لا يقدّم لنا نتائج محددة ودقيقة وبالتالي نحصل على تشخيص تقريبي وسطحي وكل مختص يعتمد طريقته". ويهدف اليوم الدراسي المنظم من قبل المختصين الأحرار في طب الأعصاب لولاية الجزائر، حسب رئيس الجمعية ديب خالد إلى "توحيد استمارة الأسئلة لاختبارات تشخيص مرض الزهايمر لنسهل للمريض الذي لا يتمتع بمستوى تعليمي بدل اعتماد اختبارات الذاكرة التي تأتينا من الخارج وصعب جدا علينا تطبيقها على الجزائريين سواء من حيث المستوى المعرفي أو البيئة العامة". وتقول زميتي "وقفنا على تجربة فرنسية وجهت للمهاجرين الأميين محدودي المستوى في فرنسا قدمتها مختصة فرنسية، لكنها ليست كاملة وشاملة فمثلا كيف نفعل مع شخص أعمى أو أصم، لذا نحاول النقاش أكثر للتوصل إلى نموذج موحد وشامل". أما المختصة النفسانية مريم حمادة فتقول "يجب أقلمة الاختبار مع كل بيئة، فمثلا سكان الشمال والجنوب والشرق والغرب ليس لديهم نفس التسميات ولا البيئة". وتضيف حمادة "يجب أن تتوحد جهود المختصين في الأعصاب والنفسانيين من أجل تكفل جيد بالمريض، مركزة على انعدام تخصص المختص النفسي في مجال أمراض الأعصاب في بلادنا، فنحن نتكون في الميدان ونحاول تكييف الاختبارات والأسئلة مع ما يكون أمامنا من حالات وهذا معقد، حيث يصعب جدا التفريق بين الاضطراب النفسي والزهايمر، فالأعراض متداخلة والحالات متشابهة".