أعترف أني تنقلت إلى ولاية سكيكدة، وأنا أشعر ببعض الخوف من "الهبهاب" أو وقوع اغتيالات خلال فترة مهمتي، بعدما تردد خبر عودة الإرهابيين للنشاط وبأكثر تصعيدا بعد لجوئهم للضغط على الأهالي لإخلاء مناطقهم وتنفيذ هجمات عنيفة في مناطق متفرقة من الولاية، وتهديدات مكتوبة.. زرت عدة مواقع وشواطىء، التقيت عائلات تتجول في الشوارع بعد منتصف الليل، الحياة تستمر هناك، لكن "إشاعات الرعب" أثرت سلبا على موسم الاصطياف، باعتراف المسؤولين المحليين، لأنها أثارت مخاوف المواطنين الذين هربوا من بعض الشواطىء رغم تأمينها، والواقع أن السياحة لم تعرف نهضة أو ترقية رغم استقرار الوضع الأمني لسنوات، في ظل مرافق الاستقبال والإهتمام أكثر بالقطاع الصناعي مقابل الإهمال الذي يعرفه قطاع السياحة بهذه الولاية الجميلة. مبعوثة الشروق اليومي إلى سكيكدة: نائلة.ب عرفت الجهة الغربية لولاية سكيكدة، في الأسابيع الأخيرة تدهورا على الصعيد الأمني، بعد تسجيل اغتيالات استهدفت مواطنين خاصة في المناطق النائية والدواوير، وتردد أن إرهابيين لجأوا إلى استعمال "الهبهاب" في هجماتهم، وهددوا سكان المناطق المعزولة لإخلاء سكناتهم في ظرف زمني محدد، وإلا ستتم تصفيتهم، وتم تعليق بيانات تتضمن تهديدات بصيف دام، وأثار ذلك مخاوف سكان هذه الأحياء وضواحيها خاصة وأنها تزامنت مع الهجوم على مخيم صيفي بتيبازة، وتفجير سوق السيارات بتيجلابين بولاية بومرداس، وتسجيل اغتيالات بولايتي المدية والبليدة. ويأتي هذا التصعيد برأي متتبعين للشأن الأمني في محاولة من بقايا الإرهابيين لتأكيد وجودهم قبل شهر من انقضاء آجال ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. تنقلنا رفقة أفراد الدرك الوطني نهاية الأسبوع إلى ولاية سكيكدة في إطار جولة نظمتها خلية الاتصال بقيادة الدرك الوطني لتغطية مجريات حملة أمنية مشتركة بالتنسيق مع أفراد الشرطة في إطار سلسلة المداهمات التي تقوم بها قيادة الدرك على معاقل الإجرام على المستوى الوطني منذ عامين، وكانت فرصة للإطلاع على الوضع الأمني هناك، واتجهنا إلى شاطىء "جان دارك" (السلام) الواقع ببلدية العربي بن مهيدي بدائرة سكيكدة الذي يصنف ضمن أجمل الشواطىء بالولاية، كانت الساعة تتجاوز الثالثة بعد منتصف النهار من يوم الخميس الماضي، عندما وصلنا الشاطىء، ولم يكن عدد المصطافين كبيرا لكن رجال الدرك كانوا هنا بكثرة وكانت هناك عائلات محدودة لا يتجاوز عددها الخمسين أغلبها تقيم بفدق "السلام"، المكان جميل جدا ومغر رغم قلة النظافة، وعلمنا أن بعض المصطافين لم يكونوا يجدون مكانا لنصب شمسية في العام الماضي، لكن المسؤولين المحليين، برروا ذلك بأن "التوافد يرتفع في شهر أوت"، وسجلنا نفس الوضع في "الشاطىء الكبير" بمنطقة "ستورا" الذي يتم التنقل إليه بالمرور عبر مغارة صغيرة، وشمله مخطط دلفين، لكن عدد أفراد الدرك هناك المكلفين بتأمين الشاطىء يفوق عدد المصطافين الذين "نزحوا" إلى الجهة السفلى، ويغادرون المكان قبل السادسة مساء، رغم أن "الشاطىء الكبير" كان يعرف اكتظاظا فظيعا في سنوات ماضية. بيان الجماعات الإرهابية قديم ومحاولات لإثارة اللاإستقرار ويقول مراقبون إن هذا التراجع يعود إلى مخاوف المصطافين من التهديدات الأخيرة التي أطلقها إرهابيون اغتالوا عشرة أشخاص، واستهدفوا قافلة عسكرية ب "الهبهاب" وتم الترويج لتعليق بيانات يطالب فيها هؤلاء سكان الدواوير بالرحيل في مدة زمنية محددة وإلا تمت تصفيتهم، واضطر المواطنون إلى هجر مناطقهم والنزوح إلى المدينة بحثا عن الأمن، لكنه لم يتم تسجيل نزوج أو وجود منطقة مهجورة. وسألت "الشروق اليومي" سكانا من منطقة "تمالوس" المتضررة من عودة الأعمال الإرهابية وقائد فرقة المقاومين بعين السنسلة لموقعها في محيط جبال القل التي كانت معقل الجيش الإسلامي للإنقاذ (الأيياس) المحل قبل انسحاب نشطائه بعد إعلان الهدنة واستفادتهم من العفو الشامل تحت إمارة مصطفى كبير شقيق رابح كبير رئيس الهيئة التنفيذية للفيس المحظور في الخارج، ليتمركز فيه اتباع الجماعة السلفية للدعوة والقتال وتحول إلى معقل رئيسي في منطقة الشرق، لكن هؤلاء المواطنين أكدوا "إن هناك إشاعات تتردد حول وجود إرهابيين في المنطقة، لكننا لم نلتق أحدا أو نرى إرهابيا واحدا"، وأضافوا أنه لا أحد من السكان غادر قريته "لكننا، اتخذنا احتياطاتنا ونحن نترقب أي طارىء"، واعترف هؤلاء بمخاوفهم من "عودة الإرهاب بعد سنوات من الاستقرار"، ونفر العديد من المصاطفين من الشواطىء الواقعة بمنطقة القل خاصة تمنار، وادي زهور، تلزة، بعد أن عرفت عودة تدريجية للحركة بها منذ عامين. وأشار مسؤول أمني بالمنطقة على صلة بملف مكافحة الإرهاب سألته "الشروق اليومي" إلى وجود تحركات إرهابيين ينشطون تحت لواء تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وهم وراء الاغتيالات الأخيرة، وقال إنهم يتحركون على محور القل - جيجل، لكنه نفى أن يكونوا قد هددوا السكان بالرحيل واستجاب لهم هؤلاء، واصفا ما راج مؤخرا ب "المزايدات" التي تخدم أكثر الإرهابيين الذين يسعون إلى تجديد الوجود مستندا إلى البيان الذي قيل إنه تم توزيعه على السكان "هو بيان قديم صدر في وقت سابق عن هذا التنظيم الإرهابي، وتم توزيع نسخة واحدة منه فقط حسب نتائج تحرياتنا. الإرهابيون يحاولون إثارة الرعب وزعزعة استقرار المنطقة، وعليه استغلوا موسم الاصطياف لكثرة الحركة وعدد المتوافدين"، وتابع القول، بأن أجهزة الأمن تواصل عمليات مكافحة الإرهاب، وتم تشديد الرقابة لإبطال أي مخطط إرهابي والقضاء على بقايا الجماعات الرافضة لمسعى المصالحة ولا تزال تنشط، لكنها حسب المسؤول تعاني من نقص الذخيرة والمؤونة، وقلة عدد أفرادها "وهنا تكمن الخطورة، لأن قلة العدد تسهل تحركاتهم مما يمكنهم من تنفيذ عمليات إرهابية في عدة مناطق". لكن مسير شاطىء "السلام"(جان جارك) طرح تفسيرا آخر لتراجع عدد المصطافين، ويرى أن فتح شواطىء للسباحة بولايتي جيجل وبجاية استقطب عددا هائلا من المتوافدين سابقا على شواطىء سكيكدة التي وجدتها جميلة، وقال إن مشكل الأمن غير مطروح" وأحيانا نغادر الشاطىء على الساعة الثالثة صباحا". لكن المصطافين الذين التقيناهم، أكدوا أن الأمن متوفر وأن ما يتردد مجرد "دعايات" لكنهم اشتكوا من قلة مرافق الاستقبال ونقصها وقلة النظافة على مستوى الشواطىء، وعدم استغلال الثروات التي تزخر بها الولاية للنهوض بهذا القطاع، وقال مغترب "سجلنا إهتماما كبيرا بقطاع الصناعة، لكننا لم نسجل مشاريع استثمارية في قطاع السياحة، وهذا ربما يعود إلى عدم تشجيع المستثمرين الذين يفضلون الاستقرار في العاصمة أو قسنطينة". ولفت انتباهنا خلال جولتنا بشاطىء "جان دارك" وشاطىء النور، وجود بقايا باخرتين، أتى عليها الصدأ، وعلمنا إنهما مهملتان بهذا المكان منذ أن جرفتهما الأمواج قبل سنتين، وتم اطلاع وزير البيئة شريف رحماني على هذه الوضعية، عند زيارته للولاية، خاصة بعد تسرب زيوتهما، لكنه لم تتخذ أية إجراءات لرفعهما، ليتحولا إلى "ديكور" الشاطىء! الأقراص المهلوسة تهدد أمن سكيكدة أجهزة الأمن، تركز اليوم، على تأمين موسم الاصطياف من خلال مخطط دلفين الخاص بقيادة الدرك الوطني، ووضعت المديرية العامة للأمن الوطني مخطط "آزور"، لكنها موازاة مع ذلك، كثفت من عمليات مكافحة الجريمة بأشكالها، وتندرج الحملة الأمنية المشتركة التي نظمتها المجموعة الولائية للدرك الوطني لولاية سكيكدة بالتنسيق مع مصالح أمن ولاية سكيكدة في إطار هذه المداهمات، حيث تم تجنيد 447 شرطي ودركي، وانطلقت العملية في حدود الساعة الخامسة مساء واستمرت إلى العاشرة ونصف ليلا، مست عدة نقاط تصنف ضمن معاقل الإجرام منها منطقة صالح بوالشعور بالحروش التي لا توجد بها فرقة للدرك، حمادي بوكرمة وتسجل بها اعتداءات مسلحة، حيث رافقنا هؤلاء إلى المحطة البرية محمد بوضياف بوسط مدينة سكيكدة لنقل المسافرين، وتعرف توافدا كبيرا من طرف المسافرين إلى بلديات الولاية أو الوياات المجاورة خاصة حاسي مسعود، سطيف، بسكرة، ورڤلة، قسنطينة، عنابة، سطيف، كما أنها تقع بمحاذاة موقف سيارات الأجرة، وتشهد اعتداءات على المسافرين، خاصة الفتيات للإستيلاء على الأموال والهواتف النقالة، وأصبحت هذه المحطة "قبلة" للصوص، وأحد أهم مراكز نشاطهم، وتم توقيف عدة شباب بحوزتهم أسلحة محظورة، أحدهم كان يحمل خنجرا من الحجم الكبير قال ككل مرة إنه "للدفاع عن نفسه". وفي زاوية من المحطة، اسفرت عملية تفتيش محل لبيع الأكل الخفيف، عن حجز قارورات من المشروبات الكحولية، كان صاحبها يقوم ببيعها بطريقة غير شرعية، لكن مصالح الأمن أعلنت "الحرب" على المخدرات الشعبية (الأقراص المهلوسة) التي تعرف استهلاكا واسعا وسط الشباب خاصة بمنطقة الشرق، بعد الترويج لها، وفي هذا السياق، طالب سائق أجرة من دركي كان يقوم بتفتيش عربته بفرض الرقابة على الصيدليات التي تقوم ببيع هذه الأقراص خاصة بعد تسجيل اعتداء مسلح على سائق سيارة أجرة بمنطقة العربي بن مهيدي من طرف شاب كان تحت تأثير مهلوسات "لم نعد نخشى من الإرهابيين وننتقل ليلا إلى مناطق بعيدة، لكننا نخاف على حياتنا من الركاب واعتداءاتهم من أجل المال لشراء هذه المخدرات، التي تعرف تداولا خاصة بمنطقة عزابة، خاصة أقراص وسوائل ريفوتريل التي تعرف هنا ب "الزرڤة" نسبة إلى لون القرص". الحملة الأمنية شملت الشواطىء والغابات والأماكن العمومية، وتشير الحصيلة التي تم عرضها في لقاء صحفي، أنه تم حجز 13 سلاحا محظورا وتوقيف شخص كان محل بحث بأمر قضائي ومعالجة قضيتين تتعلقان باستهلاك وحيازة مخدرات تم بموجبها توقيف 4 أشخاص وتوقيف 11 شخصا لقيامهم بالسكر العلني، وتمت مساءلة 380 شخص خضعوا للتعريف وإثبات الهوية. متابعتنا للحملة، كشفت أن "السكيكديين" يعتمدون كثيرا على الأسلحة المحظورة خاصة "السيوف" في الاعتداءات المتبادلة وفي الشجارات، واعترف لنا العديد من السكان بانتشار هذه الظاهرة بشكل خطير في السنوات الأخيرة خلفت جرائم قتل وضحايا، ويقال إنها "إرث" من الإيطاليين الذين استقروا لسنوات بهذه الولاية، ويتفنن سكان سكيكدة في صنع خناجر وسيوف، التي تعرف اقبالا متزايدا حيث يسود هناك مثل شعبي "سكيكدة، الرجلة الكيف والسيف". وانتهت الحملة، لكننا وصالنا الجولة بعد منتصف الليل، سكيكدة لم تكن نائمة؛ المطاعم وقاعات الشاي كانت مكتظة عن آخرها، ولم نجد لنا مكانا لتناول مثلجات. وقرب الميناء، التقينا مواكب أعراس.. "العرسان" كانوا يرقوصن مع أصدقائهم في الشوارع وسط موسيقى صاخبة، سجلنا ذلك في عدة أماكن يعود إليها السكون بعد الثالثة بعد منتصف الليل، خميس هذا الأسبوع لم يكن عاديا، المواطنون الذين أدركوا الحملة استحسنوها كثيرا لكن الجاهلين منهم بها، تقاذفتهم الإشاعات "هناك أشخاص مهمون يجري البحث عنهم"، "هذه عملية تمشيط لتوقيف ارهابيين" و.... المدينة تبقى تعيش تحت الإشاعات إشاعات"اغتالت" السياحة في بعض شواطئها وأثارت الرعب الذي تسلل إلينا قبل زيارة المكان