لم تستفق المناطق الجنوبية بعد من حالة الخوف والذهول التي لازمت سكان هذه المناطق، إثر العمليات الإرهابية التي قادتها الجماعات المسلحة في الأشهر القليلة الماضية، كان آخرها عملية وادي "ميا" التي هزت مدن الجنوب الشرقي بعد الإعلان إثرها عن تصفية 13 جمركيا كانوا في طريقهم إلى ملتقى جهوي بولاية ورڤلة ووضعت بذلك حدا للثقة المفرطة بحقيقة الاستقرار الأمني في أقاليم الجنوب، خصوصا بعد توسع نشاط هذه الجماعات ليمتد مؤخرا إلى شبكات التهريب المنتمية إلى تنظيمات إجرامية التي لازالت تتحرك بكل حرية عبر المسالك المخصصة لتهريب السجائر الأجنبية والمخدرات. وبالموازاة مع هذا أكدت مصادر ذات دراية وإطلاع بالأوضاع الأمنية بهذه المناطق أنه وفي بدايات الأسبوع الحالي، شهدت منطقة جعفر الصحراوية، الواقعة على بعد 80 كلم شمال دائرة المنيعة، اشتباكات عنيفة دارت رحاها بين عناصر هذه الشبكات الإجرامية التي أصبحت تباغت بعضها من أجل الاستيلاء على البضائع المهربة وفي ظروف لازالت لحد الآن غير واضحة أصبحت منطقة جعفر، التي تعد من بين أهم النقاط الرئيسية لتنقل هذه الجماعات، ساحة لمعركة طاحنة بدأت فصولها عندما باغتت إحدى هذه الجماعات النشطة بميدان التهريب عبر الشريط الحدودي إحدى القوافل المحملة بالسجائر الأجنبية التي شحنت في سيارات من نوع "تويوتا ستايشن". الإشتباك هذا والذي دام لساعات خلّف، حسب مصادر أمنية، العديد من الجرحى، كما أسفر عن تعرض اثنتين من السيارات المحملة إلى أعطاب أعاقت أصحابها عن التقدم، ما دفعهم إلى ترك ما قيمته 5 ملايير سنتيم من السجائر، وإثر وقوع العملية توجهت قوات الجيش الوطني الشعبي التابعة لمركز الطيران بالمنيعة، أين أشارت المعطيات الأولية بعد تمشيط المناطق التي مستها العملية إلى أن هذه الممرات الواقعة بأودية وشعاب العرق الكبير أصبحت وبعد انسحاب أفراد الجيش منها في السنوات الأخيرة مستغلة من طرف ألوية التهريب لتمرير القوافل الصغرى الموجهة داخل مدن الولايات الجنوبية وخاصة تلك الواقعة على الحدود مع الدول الافريقية والتي تمتاز بتضاريسها الوعرة من جهة ولقربها من المناطق الآهلة بالسكان التي تعد مصدر تمويل بالوقود والاحتياجات الأخرى، وفيما لايزال التحقيق جاريا بخصوص الخلفية الحقيقية لهذه العمليات الإجرامية التي باتت تتوسع من وقت لآخر، تعتقد مصادر أمنية مطلعة بملف القضية أن العديد من هذه الجماعات تتناحر فيما بينها من أجل الاستيلاء على المسالك النوعية التي تساعدهم على اختيار المسافات وذلك على أساس أن منطقة المنيعة تعد مصدر إغراء لهذه الجماعات ومنطقة تتصارع على التحرك فيها العديد من أنظمة التهريب التي كانت تنشط بإقليم ولاية ورڤلة، الأمر الذي استدعى، حسب العديد من عائلات البدو الرحل، إعادة النظر في ضرورة نشر وحدات الجيش الوطني الشعبي في فرق متقدمة عبر مختلف المناطق التي أصبحت محرمة أمام تحركات الموّالين الفصلية، ليتمكنوا - حسب رأيهم - من العودة إلى مجال نشاطاتهم المعروفة، خاصة بعد أن لاحظوا وقوع عدة عمليات مماثلة لعملية جعفر وعلى مسافات غير بعيدة عن مكان نصب خيمهم، حيث أن هذه المناطق المعزولة لا تتوفر على مساكن تسهل تدخل قوات الجيش أو فرق الدرك الوطني. م. بوخروبة