يؤكّد صاحب كتاب "الحوفي" الصادر عن منشورات "ألفا" على حجم الدور الاجتماعي الكبير الذي اضطلعت به المرأة الجزائرية وتحمّلت أو حُمّلت مسؤوليته قرونا طويلة، ومع ذلك هناك من لا يزال يقلّل من شأنها، استنادا إلى مرجعيات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تحتاج إلى إعادة نظر عميقة في العديد من مفرداتها.. ترك الأستاذ الشيخ محمد الحبيب حشلاف مجموعة من الكتب المهمة في مجال التراث الفني من بينها "أنطولوجيا الموسيقى والغناء العربي" ودواوين بعض شعراء الملحون بتحقيقه، وصدرت كلها عن المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار، غير كتاب واحد هو "الحوفي أو أغاني نساء الجزائر" الذي بقي بحوزة الأستاذ لزهاري لبتر، حيث صدر مؤخرا عن منشورات "ألفا". هذا الكتاب يجمع كلمات "الحوفي" وهو النوع الغنائي الذي تترنّم به نساء الحواضر والمدن الجزائرية في المناسبات التي يجتمعن فيها على غسل الصوف أو غزلها أو إعداد طعام وليمة أو تجهيز عروس أو زيارة ولي صالح وغيرها.. ويرجع أصل المصطلح إلى "الحوفة" وهي بمعنى التطواف أو الدوران على الشيء. حوفي نحوف معاك / ولولي نرد عليك/ أنت حبيق الفشوش/ وانا ألي نسقيك/ نحوف وانعنعك / وندور بمقامك/ ونجي يا سيد الملاح/ ونشم ريحانك.. والمعروف أن جميع الفنانات الجزائريات اللواتي اشتهرن بغناء الحوزي من أمثال المعلّمة يامنة بنت الحاج المهدي، والشيخة طيطمة التلمسانية، ومريم فكاي وأخيرا المرحومة فضيلة الدزيرية، كلهن بدأن مشوارهن الغنائي في فضاءات الحوفي، حيث تظهر الأصوات النسائية لأول مرة أمام الملأ. وعلى عكس ما يريده البعض، فإن "الحوفي" ليس حكرا على النساء كما يقول المؤلف، بل إن الشيخ العربي بن صاري أدّاه أمام مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة سنة 1932، وكذلك فعل ابنه رضوان الذي كان له منافس عنيد في هذا المجال هو عبد الكريم دالي، وما يزال أمامنا نموذج حي هو الفنان الرائع نوري كوفي. في السياق نفسه، يشير المؤلف إلى أن "الحوفي" ليس خاصا بتلمسان وحدها، حتى وإن كان يرجّح أنه نشأ بها، فهو موجود في عديد الحواضر الجزائرية العريقة مثل العاصمة، البليدة، القليعة، عنابة، قسنطينة، بجاية، مليانة، تنس، مستغانم، مغنية وغيرها.. يغنى "الحوفي" غالبا في طبع "المزموم" ليتحوّل إلى "استخبارات" للحوزي ليغنى في مختلف الطبوع الأندلسية في الصنعة العاصمية والمالوف القسنطيني والغرناطي التلمساني. وعلى الرغم من بعض المفردات "التحرّرية" التي توظّفها ناظمات الحوفي ومنشداته، إلا أنها تبقى مفردات جزائرية أصيلة متجذّرة في الواقع المعيش وبعيدة عن التكلّف والابتذال. سعيد جاب الخير