سألتني العيون من أنت ..أنا منكم أنتم .. تقاسمت الخوف والحلم معكم ..لا ذاكرة تحتفظ لي بانتماء واحد..لا قلب لا يزال يحمل لي معلما أو ملمحا..عندها فقط اخترت أن أقيم في أول فندق صادف الجهة اليسرى من شارع الشهداء سألت السائق وأنا أنزل حقيبتي ما اسم هذا الفندق..؟..قال دار الضياف..قلت أنا أحد الضيوف إلى حين..هناك مدن نسكنها..وهناك مدنا تسكننا..وهنا أسماء أكبر من أن تكون مجرد أسماء..وهناك رابح فيلالي. أجرى الحوار : سليم بوزيدي س1 : رابح فيلالي اسم ثقافي وإعلامي يعرفه جيل التسعينيات، صوت ووجه له طلة وحضور خاص..بنبرة شعرية يتحدث في السياسة وبدهاء السياسي يفهم ويتعامل مع الثقافة، لكنه يفهم العالم من خلال الكلمة..والكلمة الملتزمة الجادة..الكلمة الجميلة..في كلمات من هو رابح فيلالي لجيل النت والفايسبوك.. هذا سؤال يحتاج إلى جهد خاص ..أعتقد أنها رحلة متعددة المحطات ومزدحمة الطموحات انطلقت ذات زمن قسنطيني بامتياز على مشارف جسور وادي الرمال المتعددة بتأمل هادئ للزمان والمكان والانسان ورسمت ملامح تكوينها الأولى المدينة بقارئها الذكي جدا وبصحيفتها النصر وبتاريخها وثرائها العظيم .ثم هذه المدينة نفسها فتحت لي لاحقا الطريق إلى التلفزيون بالعاصمة وليس قسنطينة لأن الطموح كان أكبر من تقرير في نشرة الأخبار ..هناك حدث التحول الأكبر من كاتب يرقص على ضفاف الكلمة إلى صحفي يحاول استنطاق الصورة وتعددت المحطات في المكان الواحد بين تقديم نشرات الأخبار، إلى العمل الميداني اليومي، إلى تحرير تقارير الشؤون الدولية، وصولا للتفرغ إلى إنتاج وتقديم البرامج، وتلك تجربة غنية جدا بدأت بالمجلة الثقافية الأسبوعية، مرورا بالتحقيقات الكبرى انتهاء بمرايا التي كانت مركز تجربتي في التلفزيون الجزائري قبل أن اضطر مكرها كغيري من أبناء جيلي لأن نغادر الوطن والجمهور الجزائري إلى اغتراباتنا البعيدة؛ والتي بدأتها من باريس عبورا بأبوظبي وصولا إلى دبي وانتهاء بواشنطن. . خلال هذه المحطات عبرت عدة قنوات إذاعية وتلفزيونية عربية وتنقلت فيها بين المناصب والمسؤوليات التحرير ية الإعلامية، إضافة إلى العمل الميداني الذي أحب جدا من خلال تغطية المناطق والأحداث الساخنة خاصة الحروب منها في مناطق كالسودان وافغانستان والعراق والصومال .. وأعيش الآن في واشنطن حيث أحتاج إلى بعض الراحة وحتى أجد على الأقل مستقطعا من الزمن لأستطيع أن أكتب ما لا أزال أحلم بكتابته يوما..
2 : أستاذ رابح وأنت في بلاد المهجر ، في الولاياتالمتحدةالأمريكية..كيف ترى وتستشعر تفاصيل الجزائر.. على المستوى الثقافي، وعلى المستوى الاجتماعي والإنساني بشكل عام..؟ الصورة من الخارج مختلفة تماما ..نتخلص خلالها من كافة تفاصيل اليومي والعادي والشخصي ويتحول الوطن إلى قضية جوهرية تراه بواقع الأوطان الأخرى، وتريده في صورة الأفضل المتاح.. ولا يبقي لك منه سوى ذاكرة قلب تنبض فيك على مدار الساعة .. أحاول دوما ويوميا أن أبقى وعائلتي على صلة بتفاصيل الحياة في الجزائر من خلال متابعة الصحف اليومية والاتصالات العائلية والعلاقة مع الأصدقاء من خلال النت؛ إضافة إلى عملي في غرفة الأخبار ..كل هذا يجعلك على صلة بالمتغير اليومي على أرض الوطن، لكنها تبقى صلة بفارق المسافة والمكان..وحتى ذلك لا يلغي أن يكون لك نبضك اليومي.. وأنت تتابع المشهد بصورة دائمة من الخارج عادة ما نحب الداخل بصورة أكبر وربما أفضل..
س2 : تشهد الساحة الثقافية والفكرية إجمالا ، والإعلامية على وجه التحديد حالة حراك لافت ، ليس بالضرورة أن يكون حراكا إيجابيا وفعالا، لكن الأكيد أن المشهد الثقافي والإعلامي تحول بشكل تام..نتحدث هنا على توازنات ، أو لنقل صراعات من نوع جديد ..أغلبها تفوح منه رائحة المصالح والصراعات الشخصية..إلى أين يمضي الفعل الثقافي في الجزائر في تقديرك ..؟. لايعاب على أحد أن يسعى لمصلحته هذا أمر واقع؛ لكن ليس بالضرورة أن تكون مصلحة الشخص في إقصاء كل الذين هم حوله وعلى حساب كل معتقد جميل وفضيلة إنسانية ..فعلا هناك حركة واضحةواتساع في الأفق ووفرة في الفرص لم تتوفر لأبناء جيلي في التسعينات حينما كانت الغايات والأهداف بسيطة جدا إلى حد البقاء على قيد الحياة وليس أكثر؛ وهذا في حد داته منجز هائل ..الوضع الآن تغير تماما فيما يبدو لكن على حساب قيم نوعية كانت ويجب أن تظل تشكل الذات الجزائرية في جوهرها القيمي والجمالي.. لذلك أخاف دوما أن ننطلق باتجاه السحاب لكن في لحظة ما نكتشف أننا وصلنا هناك ولكن من غير مرجعية وقدرة على العودة إلى الوراء حينها فقط ومتأخرين جدا سوف نتعلم أن الوصول إلى السحاب ليس هو كل الهدف المرتجى والمطلوب.. س3: امرأة بلا قلب..في أسطر من هي هذه المرأة التي تخلت عن قلبها ..؟ العكس تماما قد يكون قلبها هو من تخلى عنها ..فهي امراة جزائرية خالصة ولدت وعاشت بكل تفاصيل الحياة الجزائرية ككافّة أبناء جيل الاستقلال، حلمت بالوطن الكبير جدا وأحبت بصدق الجزائريين وهيأت أحلامها ليوم عريسها فسرقه القتلة في صباح غادر، قتلوا فيه حياتها فاختارت أن تعيش بلا قلب وفاء لرجل أكرم إنسانها واحترم أنتوتها وبالتالي فهي امرأة بكل القلب كما ترى لكن قلبها اختار أن يتخلى عنها.. س4: حياة بطلة رواية امرأة بلا قلب، شخصية مركبة ..قبل اغتيال خطيبها وحبيبها ..مجرد امرأة متعلقة بالحياة..تشع حيوية وحبا..بعد الاغتيال ..تستحيل حياة إلى شخصية معقدة مركبة..أحيانا نشفق عليها..أحيانا نحبها..وفي بعض الأحيان ترعبنا: أولا : ما وجه الشبه بين حياة وقسنطينة ..؟ حياة امراة تتعرض لتحولات عميقة وصادمة تحلم بالوطن الأمن فتستيقظ على وطن من جنائز.. تحلم بالحب فيقتل حقها في الحب ومن تحب ..هذه صدمات تحول كيانها بالكامل في اتجاهات غير حقيقتها لكنها امرأة تستطيع أن تصنع انتصارها الباهر في شجاعتها وفي قرارها بمقاومة القتل المجاني لإنسانها وكيانها لأنها لا تريد لصناع الموت أن يفرحوا في خيبتها وتلك ربما هي الطبيعة الخفية لروح قسنطينة. ثانيا: هل حالة القلق والضياع التي عاشتها حياة هو توصيف مرحلة وحالة جيل، أم مجرد أعراض لأشخاص لفظتهم أيام المحنة بذلك الشكل المشوه..؟. هي توصيف لحالة وطن كامل وجد قهرا في خانة التحول التاريخي القاسي جدا لم يكن أي من أبنائه يريد له أن يحدث ذلك في مساره ..ما أكبر أحلام الوطن وهو يولد في حقائب أطفاله المدرسية وعندما يوجد هناك من يحول هذه الحقائب الى مخازن متفجرات عندها فقط ندرك ان الوطن يراد له في مكان ما ان يسير في الاتجاه غير المرغوب فيه تماما ..تلك مرحلة لا نريد لها أن تعود أبدا..
س5: لغة رواية امرأة بلا قلب..لغة شفافة شعرية ..ومرة أخرى قسنطينة هي البطل..بعد مالك حداد وأحلام مستغانمي..تنجح قسنطينة في أن تكون عروس المدائن..لماذا..؟ وبعد آخرين عظام كالراحل الكبير الطاهر وطار وكالكبيرة الأم والأخت العزيزة زهور ونيسي وكثيرون هم في القلب قطعا..قسنطينة هي مركز حياتي الفاعل فيها تشكل كياني الإنساني واكتمل ولذلك هي مدينة صاحبة الفضل علي انسانيا ومهنيا ..لذلك فعندما أعود إلى تلك المدينة وتلك الفترة تحديدا أنا أعود إلى ذاتي وكياني الإنساني لكن في الرواية متسع آخر لزمن عاصمي هو أيضا جميل كجمال هذه المدينة التي تزين زرقة المتوسط ..
س6: ستكون رواية امرأة بلا قلب حاضرة – إنشاء الله - في معرض الكتاب الدولي بالجزائر ، الذي سينطلق ابتداء من 25 أكتوبر القادم..هل هذه المرة الأولى التي ستطل فيها على القارئ في الجزائر من خلال عمل مطبوع ..؟
لا كانت لي سوابق"غير عدلية ".. بعضها كان في الجزائر وأغلبها خارج الجزائر لكن هذه الرواية تحديدا هي الجزائر بعمقها وانسانهاالعظيم وختلافها اللافت، لذلك اخترت لها أن تكون مني للجزائر رسالة محبة ووفاء، حتى وإن تعددت الفضاءات أمامي فيما وراء حدودها لكني فضلت أن أتحدث إلى قارئ جزائري عزيز جدا على قلبي، وهو يتحرك في كل حرف من حروف الرواية؛ يتحدث عن أماكن وأسماء هي جزء من تفاصيل نشاطه اليومي، ثم إني أردت من خلالها استعادة حرارة العلاقة المباشره مع الجمهور الجزائري الذي أفتقده بقوة..
س 7 : بعد امرأة بلا قلب ..ماهو المشروع القادم..؟ لدي كثير ينتظر الاكتمال حتى الآن ..وأتمنى إن أجد الوقت الكافي بين التزاماتي العائلية اليومية وبين التزاماتي المهنية وأسفاري الدائمة لإكمال الأعمال التي أتمنى لها إن تجد الطريق إلى النشر قريبا
س8 : كلمة أخيرة لكل القراء . كثير في الجزائر ما يستحق الاعتزاز ومايستحق الحياه به ولاجله