تمثل خطوة المجلس الانتقالي الليبي برفع شكوى ضد الجزائر إلى الجامعة العربية تحولا مثيرا للقلق في الملف الليبي، فالأمر تجاوز الآن الاتهامات والحملات الإعلامية ليصل إلى حملة دبلوماسية على الجزائر وهو أمر يتجاوز بكل تأكيد هذه الهيئة الممثلة للمعارضة الليبية . المجلس الانتقالي لا يحوز على الاعتراف الدولي، غير أنه سيطر على مقعد ليبيا في الجامعة العربية منذ أن أعلنت البعثة الليبية انحيازها للمعارضة مع بداية الاضطرابات في ليبيا قبل شهرين من الآن، غير أن هذا الوضع لا يجعل المجلس الانتقالي ممثلا للشعب الليبي في الداخل أو الخارج، وهو أمر أقرته كل دول العالم ما عدا فرنسا التي بادرت إلى الاعتراف بالمجلس انطلاقا من حسابات سياسية داخلية أجراها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وقد رد كثير من الشركاء الأوروبيين على مطلب الاعتراف بالقول إن الشعب الليبي لم يتمكن إلى حد الآن من اختيار حكامه بطريقة حرة وشفافة. هذا الوضع الذي يدركه جيدا قادة المعارضة الليبية هو الذي يجعل السؤال حول هدف خطوة المعارضة بالتوجه إلى الجامعة العربية لتقديم شكوى ضد الجزائر ملحا، فمواقف الدول العربية اختلفت من الأزمة الليبية، ومواقف الدول المجاورة أيضا، ومن الناحية السياسية والأخلاقية لا يمكن محاسبة أي دولة في العالم على سياستها الخارجية، وحتى إذا كانت ادعاءات المعارضة بدعم الجزائر لنظام القذافي صحيحة فإن العالم كله مجمع الآن على أن نظام القذافي لا يزال قائما، وهو موجود فعلا على الساحة الدولية، وهناك دول كبرى لا تزال تحتفظ بعلاقات طبيعية مع ليبيا رغم الحرب الدائرة هناك منذ السابع عشر من فيفري الماضي، وهو ما يجعل شكوى المعارضين الليبيين غريبة إلى حد بعيد، كما أن الجزائر تعتبر البلد الوحيد الذي كان محل اتهام وشكوى من قبل هؤلاء. حسب مضمون المذكرة، كما أشارت إليه وسائل الإعلام، فإن هناك توجها لاتهام الجزائر بخرق القوانين الخاصة بالطيران المدني، حيث يجري التركيز على التهمة القديمة المتعلقة بنقل المرتزقة وتزويد القذافي بالسلاح، والغريب هنا أن المعارضة لم تكلف نفسها عناء توجيه اللوم للدول التي جاء منها المرتزقة حسب هذه الادعاءات، فضلا عن كون هذه التهمة بقيت دون دليل مقنع منذ بدء الحديث عن مشاركة سلاح الجو الجزائري في نقل مرتزقة أفارقة إلى ليبيا للقتال إلى جانب القوات الحكومية الليبية، والذي تحول فيما بعد إلى ادعاء بوجود مرتزقة جزائريين في ليبيا تم إلقاء القبض عليهم بعد معركة في أجدابيا، ويبدو واضحا أن عدائية موقف المجلس الانتقالي من الجزائر تتطور بحسب رد فعل السلطات الجزائرية على الاتهامات ومحاولات الضغط التي تمارس على الجزائر في إطار إدارة هذا الصراع. القضية برمتها بدأت عندما رفضت الجزائر التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، وهو ما أدى مباشرة إلى اتهام الجزائر بتسخير طائراتها العسكرية لنقل المرتزقة الأفارقة إلى ليبيا للقتال إلى جانب القذافي، وقد جاء الرفض الجزائري أولا على مستوى الجامعة العربية، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاتهامات لم تأت في البداية على لسان المعارضة الليبية بل جاءت عبر بعض وسائل الإعلام، ولما كان الرد الجزائري حازما ويعكس صلابة الموقف من هذه المسألة تم تبني الاتهامات من قبل المجلس الانتقالي مع تدرج في المستويات بداية بالمتحدث باسم المجلس وانتهاء برئيسه مصطفى عبد الجليل الذي وجه اتهامات خطيرة للجزائر في ندوة صحفية. التوجه بشكوى إلى الجامعة العربية له دلالة خاصة، فالجامعة هي التي تولت توفير الغطاء للتدخل الأجنبي من خلال قرار للمجلس الوزاري دعا مجلس الأمن الدولي إلى إقرار حظر جوي على ليبيا، وقد رفضت الجزائر القرار وتحفظت عليه دول عربية أخرى، وكانت الدول الغربية التي أرادت التدخل عسكريا في ليبيا قد اشترطت قرارا من الجامعة العربية ومن مجلس الأمن الدولي قبل القيام بأي تحرك عسكري، ومن هنا تتضح إستراتيجية تعامل هذه الدول مع الجزائر خاصة بعد الإعلان الرسمي من جانب الجزائر بأن المجلس الانتقالي يعكس وجهة نظر دول التحالف الغربي، وهكذا تصبح الشكوى التي قدمها المجلس الانتقالي حلقة جديدة في مسلسل الضغط على الجزائر من أجل ثنيها عن موقفها المحايد الذي يقوم على رفض التدخل العسكري في ليبيا وعلى المطالبة بحل سلمي للأزمة يفضي إلى تمكين الشعب الليبي من اختيار حكامه بحرية.