(تابع).. تلك القصيدة التي بقيت بين أشيائي تبحث لها عن نحت يلخص العذاب المسكون فيها : حين أكون وحدي ينساب من تحتي المساء يخرج من ضلعي أنين امرأة ،و ابتسامة طفل تشنقني بلغة السماء كان مثل حلم تصنعه أباريق العمر يغلي ،وفيه ترقص فقعات القضاء كان مثل لون الدموع ، وفجأة علا يلطخ الهامة يلون الدموع بما يشبه الماء أنا يصنعني الحب كحفارة بترول منذ زمن أنا يهدني الكره بفأس ذاكرتي أنا مثل جيد نعجة في قفص العراء مثل مريض مخدر فالموت فيه و الحب سواء أطلقوني منذ زمن رصاصة ومنذ ألف أحببت ذاكرتي ، فاجعتي لها صوت يشبه إلى حد النكران أنين طفل له عواء أنا سئمت قتل النساء بإثمد من عود تارة وكرهت من ذاك الحنين مخلب الجفاء و كرهت سلعة الرجال في الطرقات ، يمارسون البغاء من هنا مرت خطوات الشريد يبحث عن وطن الذئاب مرت عناوين السواد يقتلها السحاب وكم بكت عيني وطنا حين غادره حلم النساء وجاب حدائق الزيتون يبحث عن وطن السماء سأقولها لأنتهي أحببت مرة نجمة في السماء أحببت خلخالا دق مرة على جبين الكبرياء أحببت ضياعا من نسيم الأغبياء يا ليتني لم أقل أحببتك ، أقسمت أن لساني سأدفنه في مقبرة الوفاء . كم هو جميل شِعرُك يا صديقي ،يعطيني جرعة أخرى لأن أستنشق الهواء المقدس ، يلجني ذلك الأكسيجين على شاكلة السحر ، كم أمضيت الليالي مخدرا أمام وطن الشعر ..أنحت لي منه الصديق بعد أن عم الجفاء مدمرا كل الحميميات التي ألفناها ... جاء حازم ليعود بي إلى وطن الأوطان إلى الذكريات البعيدة حيث استمرت بنا القهقهات إلى آخر الليل ليقول لي حازم : قادر إن هذه الولاية لها رائحة تشبه رام الله .. قادر لم أنس أبدا قصصك عن فرنشيسكا .. إني لأكاد أشم رائحتها تعطر الجو قلت له في لطف ...غدا سأقص عليك قصتها في الواقع..سأقف معك عند كل حجر بل كل زاوية .. ليعود بنا الحديث إلى فلسطين تارة و ما يحدث في الجزائر من أحداث القتل و الدمار ..لم يتصور حازم أبدا أن الوطن الذي رضعت منه بلدان العالم النخوة والشرف والثورة أصبح يتهاوى ببطئ .. قالها حازم بيأس يطوقه جهد : أي عالم هذا الذي نرى فيه ما نحب يسير نحو الانهيار.. قدرنا دائما يا صديقي أن يعذبنا السّكون، وأن يهجرنا الوطن على أوصاف الأنانية والاحتقار .. كم اشتقت إلى الضيعة التي مرت بها أيام طفولتي ...حيث الذكريات تتنفس العشق من خصلات شعرها البهي، أتعرف قادر قريتي لم تكن طبيعتها فاتنة، فلقد كنت أسكن بالقرب من منطقة تسمي الجبال الحمراء، لكنني كنت أجد لها قدسية خاصة لها إغراء من نوع خاص ..هكذا تسكننا الأوطان بجمالها و قبحها ها أنا مشرد في أصقاع الأرض لا شيء إلا لأمارس حبي لوطني كما أريد ... قادر نحن في زمن يتنكر لك فيه كل شيء... حتى الأصدقاء في المقاومة باعوا أنفسهم من أجل لقمة قذرة.. تخلوا عن الحلم الذي رضعناه في الجزائر...أنه إذا عدنا إلى أرض الوطن سنقاوم و نزرع أجسادنا هناك في فلسطين ... ها هم الآن يفعلون كل شيء الاتفاقيات والمعاهدات... وباسم الوطن يتسلمون المساعدات ولكن لم يفعلوا شيئا للوطن..هذا الوطن يا صديقي لا يريد إلا شيئا واحدا..الحرية. قادر لا أفهم جيدا سر القدر الذي جمعني بك.. لقد لخصتها مرة وقلت لي : إنه الحجر قدرنا الغريب .. أن تنحتك ذاكرتك بالحجر فذلك يعني الخلود.. ذلك هو السر الأبدي في بوذا والفراعنة وأصحاب الحدائق المعلقة..للحجر أكثر من معنى أكثر من طريق ..يحتاج منا فقط أن نحبه ..أن نعشقه أن نخلد أجسادنا على حاشية المتعة فيه..نعم وحده الحجر ذلك القدر الغريب ..هاهم أطفال الحجارة يصنعون وطنا جميلا من رحم ذلك الغضب البسيط ..ذلك الحجر صنع انتفاضة وديعة ...ولكن للأسف الشديد باعه هؤلاء في مزاد الاتفاقيات والمعاهدات ..لقد باعوا أحلامنا ، قتلوها في أفئدتنا قبل أن تتحقق ..لم يبق إلا حجر غضبا وراحة .. *** أنت أيتها المتبقية أنيسي في زمن الردة.. وحدك آخر اللوحات التي رسمت مسيرة رجل مزقه الحزن على بلد كان أسمى من نسيم الصباح، كان أحلى من قهوة والدتي العمرية ..كان أجمل من مطلع فرنشيسكا صبيحة اشتهاء الحب و انتشاءه .. لم تزل تسكنني الذكريات بتفاصيلها وفضاءها.. قريتي الصغيرة، فيرمت ميشال.. جبل بوطالب.. أصل بالذكريات حنيني إلى رجلاي التي انفجرت ذات مساء ..غرستها هناك ليزهر الوطن بهجة ما زلت أذكر كل التفاصيل تاريخ العشق الذي حوله هؤلاء الضعفاء تاريخا للكره.. من يذكرني في هذه الأيام ..من يحكي سيرتي ..أتراها لعنة النحت من تلاحقني ..تسكب في الآخرين الباطل.. ماذا يفهم هؤلاء من التاريخ أو النّسيان وحدي المعشوق في قلب منحوتاته.. خلدتها لتجعلني أكثر احتضانا للتاريخ للماضي الذي يشبهني كثيرا يدثرني ..