تثير تصريحات وزير الدفاع في جبهة البوليساريو التي اتهم فيها المخابرات المغربية بالتورط في عملية اختطاف ثلاثة رعايا أوروبيين من مخيم الرابوني للاجئين الصحراويين مزيدا من التساؤلات حول حقيقة الدور المغربي في المنطقة ورغبة الرباط في لعب دور في جهود مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي . حسب الوزير الصحراوي محمد لمين بوهالي فإن المخابرات المغربية ”صُدمت عندما ألقت جبهة البوليساريو القبض على أفراد من الجماعة المختطفة، وخشيت من أن يكشفوا حقائق عنها”، وأكثر من هذا فإن ”المغرب اتصل ببوركينافاسو في هذا الشأن، وأبدت هذه الأخيرة استعدادها للتوسط لدى البوليساريو لإطلاق سراح المعتقلين”، غير أنه أكد رفض البوليساريو أي وساطة لإطلاق سراحهم ، وأضاف أن ”أعيان وشيوخ القبائل في مالي اقترحوا التوسط ولكن الجبهة رفضت”، وأضاف أن ”المختطفين هدفهم الأساسي الحصول على المال”. وحسب الوزير الصحراوي فإن عدد الخاطفين الذين تم إلقاء القبض عليهم لحد الآن بلغ 11 عنصرا، أحدهم صحراوي ، كما تم القضاء على الرأس المدبر لعملية الاختطاف يوم 6 ديسمبر الماضي، وأضاف أن ” الرهائن محتجزون الآن في شمال مالي بالقرب من الحدود مع النيجر، وخاطفوهم يبحثون عمن يشتريهم بعد فشل صفقة بيعهم لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. هذه التصريحات تكشف الجانب الخفي من عملية الاختطاف التي يبدو أن لا علاقة بها بالجماعات الإرهابية، ويعترف وزير الدفاع الصحراوي بأن البوليساريو لا تواجه المغرب فقط بل تواجه أيضا جماعات المهربين وتجار المخدرات واللصوص، وهو أمر يتطلب تطوير خططها الأمنية، غير أن عملية الاختطاف التي كان مسرحها مخيم الرابوني للاجئين الصحراويين في تندوف شهر أكتوبر الماضي كانت لها خصوصيتها، خاصة عندما سعت الرباط إلى استغلالها سياسيا ضد الجزائر وجبهة البوليساريو على حد سواء. مباشرة بعد حادثة الاختطاف صرح وزير الخارجية المغربي بأن الأمر ”يتعلق بمسؤولية دولة، والجزائر هي أول مسؤول عن ذلك” حتى وإن كان قد اعترف بوجود تعاون أمني وثيق مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب، وأن الاتصالات جارية مع كل دول المنطقة من أجل تبادل المعلومات حول هذه العملية من أجل تحرير الرهائن، غير أن الرباط لم تبد مهتمة بمصير الرهائن ولا بالوضع الأمني في المنطقة بقدر اهتمامها بترويج روايتها القديمة عن احتجاز مواطنين مغاربة، وقد جاءها الرد على لسان وزير الداخلية دحو ولد قابلية، الذي ذكر بعدم خضوع المخيم لسلطة الدولة الجزائرية، فحتى إن كان المخيم يقع على الأراضي الجزائرية فإن ما يحدث داخله يبقى من مسؤولية جبهة البوليساريو، وهذا التأكيد فيه إشارة على وجود سلطة فعلية للصحراويين ممثلة في البوليساريو ولها تخضع كل مخيمات اللاجئين فضلا عن الأراضي المحررة، وهو أمر تريد أن تنفيه الرباط بكل وسائل الدعاية التي تملكها. مساعي الرباط لتحميل الجزائر مسؤولية عملية الاختطاف تزامن مع إشارات أطلقتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في اتجاه البلدين الجارين تحثهما على التقارب وإيجاد صيغة للتفاهم، وقد قال ريموند ماكسويل، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، مكلف بالمغرب العربي الذي زار الجزائر بعد أسبوعين من عملية الاختطاف “لقد كان رئيسي المباشر (جيفري فلتمان مساعد وزير الخارجية) بالجزائر منذ أيام، وعندما أعددنا له الزيارة ركزنا في عملنا على كوننا نملك علاقات قوية مع الجزائر، وأيضا مع المغرب، وليس لنا أن نقول ما هي الطريقة التي ينبغي أن تكون عليها العلاقات بين الجزائر والمغرب، فنحن أصدقاء للبلدين ونريد منهما أن يكونا صديقين، والواقع يقول اليوم إن الجزائر والمغرب شقيقان لأنني ألاحظ وجود ممثليتين دبلوماسيتين في البلدين”، وتضع واشنطن التقارب بين البلدين ضمن تصور إقليمي أشمل لمواجهة المخاطر الأمنية المتصاعدة، وتسعى الرباط في هذه الفترة إلى تقديم نفسها كشريك كامل في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وهو دور لم تستطع الحصول عليه إلى حد الآن في وقت تم فيه توسيع منطقة دول الميدان في مكافحة الإرهاب لتشمل بوركينافاسو، ولعل عزلة الرباط هي التي تدفعها إلى استغلال قضية الاختطاف فضلا عن أسبابها الأخرى المتعلقة بقضية الصحراء الغربية. ورغم أن المخيمات لا تقع تحت سلطة الدولة الجزائرية حيث لا تتدخل مصالح الأمن الجزائرية في مراقبة المخيمات، فإن الجزائر لم تتأخر في القيام بعمليات تمشيط واسعة في أعقاب عملية الاختطاف، وبعد يومين من الحادثة قضت قوات الجيش على أربعة إرهابيين ودمرت سيارتي دفع رباعي، ويعتقد أن الإرهابيين المستهدفين شاركوا في عملية الاختطاف، وهو رد عملي يؤكد مرة أخرى الكفاءة الجزائرية في التصدي لهذه الظاهرة ، كما عاد وزير الخارجية مراد مدلسي إلى التأكيد على أن “الأبحاث مستمرة لحد الآن على مختلف المستويات من طرف المصالح المعنية في بلدنا، وكذا في البلدان المجاورة التي ترغب أيضا في إيجاد مسلك يمكن أن يقودنا إلى هؤلاء الأشخاص”، واعتبر أن الهدف هو “تحرير هؤلاء الأشخاص في أسرع وقت ممكن”، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرباط لم تجرؤ على انتقاد الإجراءات الأمنية الجزائرية أو على التشكيك في الالتزام الجزائري بمكافحة الإرهاب وهو أمر يبقى محل إشادة من قبل المجتمع الدولي. التفاصيل الجديدة التي قدمها الوزير الصحراوي تؤكد مساعي الرباط إلى استغلال الورقة الأمنية لأغراض سياسية لعل أهمها إلصاق تهمة الإرهاب بجبهة البوليساريو، وهو أمر فشلت فيه إلى حد الآن، وفرض نفسها كطرف فاعل في عملية مكافحة الإرهاب في المنطقة وما يترتب عن ذلك من مكاسب سياسية.