بقلم: نجاة زعيتر/ الجزائر كنا نلعب في الساحة الكبيرة، عندما دهست سيارة الجار كلبا تائها، رأيته ملطخا بالدم و لم أنم، حاصرتني الكوابيس لسنوات طويلة. كنت صغيرة و كان الناس وقتها يموتون من المرض أو من الشيخوخة ومن علل لا يفهمونها فيردونها الى الله. كان الناس يموتون على فراشهم يحيط بهم أولادهم و أحفادهم وجيرانهم . تفرقنا ومع قدوم المساء، كانت رائحة منفرة قد بدأت تغزو الأنوف. الذين يتقاطرون حزنا يدفعون ثمن النهم من كؤوس الأحلام. تعالت الأصوات تملأ السماء جلبة و صراخا. صرخت أيضا، درت على نفسي أتفقد الأصوات والعيون لا أحد يسمعني، تبعثر صوتي، ربما تبخر وسط ضباب اللهاث، كانت الإشارة واضحة بالانبطاح أرضا، نفذنا الأمر دون تفكير، بمجرد نزولنا من الحافلة . “وقفت سيدة البيت مرحبة بنا كانت تنتظرنا أمام مدخل الحديقة. كنت أرافق، الذين يفتحون بيوتهم للزوار، هؤلاء ليس لديهم ما يخجلون به. بدأنا الرحلة من أعلى الحي الاسباني. توقف الباص و نزلنا. الموضوع اليوم زيارة الحدائق قالت لنا المرافقة: كنا ندخل كل حديقة برفقة صاحبها أو صاحبتها، فيسهب في الشرح و التفسير... لماذا؟ كيف؟ لماذا لم يزرع الفل بدل الورد؟ وماذا تعنية حلقة الأشجار والأشياء التي تؤثث الحديقة. إحدى الحدائق كانت بيضاء، غارقة في البياض، مركزها شكل مطلي بالأبيض لا مدخل له. درت حوله ثم عدت أتفقده، تلمسته، تحسسته أبحث عن سره. همت في الحديقة ثم عدت إليه كان صامتا وكانت صاحبة البيت إلى جانبه معتدة به مصرة على الاحتفاظ بسره". أنا لم أصدق أبدا أن هناك من يترصد لنا ليقتلنا كنا بضعة من نساء وأطفال ورجال لا دخل لنا بما حدث أو قد يحدث غدا. كنت عائدة من مقر عملي و مثلي كان أغلب من ركب معي الحافلة في تلك الأمسية، لكنهم كانوا هنا الجنود مترصدين لهم و نحن ... من نحن؟ توقفت بنا الحافلة و أمرنا السائق بالنزول فورا! وصوت الرصاص جلجل في الفضاء. الأشياء التي تسعدنا لا داعي للبحث عنها بعيدا، فهي على شفاهنا ترقص عندما نذكرها، وعندما نبكي تتوسد صدورنا وتنام . وكنت هنا منبطحة أرضا لست نائمة و لم أكن أحلم، كنت أتوسد التراب و أمسك بيد صغيرة تشبثت بي ثم بأخرى. هل كنت خائفة ؟ لا أدري. لم يكن لي متسع من الوقت لأفهم أو أستفهم عن هذا الشعور المبهم، أو حتى لأسميه، رأيت آلة الموت تمر من هنا، قريبا مني. فوق رأسي، ومن حولي وعلى جبيني و اليد الصغيرة صارت اثنتان، تشبثت بهما أو تشبثتا بي لا أدري؟ كنت منبطحة أرضا و كذلك فعل كل من كان معي من ركاب الحافلة التي جاءت بنا من وسط مدينة قسنطينة لتلفظنا في فم جهنم.