الأيام الجزائرية I?O?( وكالات): تطرح زيارة «سعد الحريري» رئيس الحكومة اللبنانية إلى دمشق، جملة من الاستفهامات حول أهمية الزيارة وتوقيتها، وانعكاس ذلك على العلاقات السورية اللبنانية التي أخذت بالانفراج مؤخراً، وخاصة بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، والزيارة التي قام بها الرئيس اللبناني «ميشال سليمان» إلى دمشق. ويمنح بعض المراقبين الزيارة أهمية كبيرة، من كونها ستفتح صفحة جديدة في العلاقات بين سوريا ولبنان، بعد فترة الجمود التي سادت بين الدولتين الشقيقتين، عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق «رفيق الحريري». فيما تؤكد بعض المصادر أن هذه الزيارة ستعطي دفعا كبيرا لحكومة «الحريري» الجديدة، مشيرة إلى أن لبنان يقف الآن على أبواب حُقبة حريرية جديدة، كتلك التي سادت أيام «الحريري» الأب، والتي كان يرعاها توافق سوري- سعودي، أمّن الاستقرار للبنان مدة خمسة عشر عاماً. ويرى المحلل السياسي «مازن بلال» أن زيارة «الحريري» لا تحمل طابعاً شخصياً، وإنما تدخل في إطار الزيارات السياسية بين دولتين تشتركان في كل شيء، مشيراً إلى أن الجغرافيا السياسية في البلدين تفترض مثل هذه الزيارات التي يجب أن تؤطّر بشكل مؤسساتي. ويضيف "زيارة رئيس الوزراء اللبناني إلى دمشق تتوفر لها كافة الشروط، والتقاليد السياسية بين البلدين تسمع بهذه الزيارة، كما أن الخلاف الأساسي بين سوريا ولبنان ليس خلافا شخصيا، ولكن كان هناك خلال في المصالح السياسية بينهما، وبالتالي فالزيارة هي للإعلان بأن العلاقات بين البلدين قد أخذت شكلها الأمثل، وبدأت بالسير ضمن المعادلة الإقليمية بشكل عام". ويؤكد «بلال» أن الزيارة تعطي انطباعاً إيجابياً بأن العلاقات عادت إلى سابق عهدها بين سوريا ولبنان، وستنعكس إيجابياً على جميع دول المنطقة، نافياً أن يكون للزيارة أي أثر إيجابي أو سلبي على المحكمة الدولية الخاصة بالرئيس الراحل «رفيق الحريري». ويضيف "الزيارة ليس لها علاقة بمحكمة «الحريري»، المحكمة تسير وهناك بعض الأزمات الخاصة بالمحكمة وتمويلها، لكن التحقيقات جارية ولا يتم الحديث عن نتائج التحقيقات، السبب أنهم يريدونها تحقيقات جنائية وليست سياسية، والزيارة -كما أسلفت- سياسية وليست شخصية لذلك لن تؤثر على سير التحقيق، كما أن المحكمة منذ ثلاث سنوات سارت بشكل جنائي، وقد تستخدم سياسياً، لكن لا شيء يوحي بأنها ستتجه بأمور لها علاقة بين سوريا ولبنان". وحول توقيت الزيارة يقول«بلال»: "ليس المهم الآن الحديث عن التوقيت، ولكن الحديث عن الشروط السياسية هو الأهم، بتقديري إن الوضع الإقليمي يسير نحو الانفراج، وقد انعكس هذا الانفراج بشكل واضح في لبنان، انعكس أيضا في توافق المصالح داخل لبنان، وهذا الأمر يريح سوريا لذلك هي مباشرة قامت بتهنئة «الحريري» على تشكيل الحكومة". ولكن هل بدأ موسم الحج اللبناني إلى دمشق؟ يجيب «بلال» "زيارة المسؤولين اللبنانيين إلى دمشق هي شأن طبيعي وليست مسألة حج أو غير ذلك، نحن أمام دولتين متشاركتين في كل شيء حتى على مستوى الجغرافية السياسية، الجغرافية السياسية في البلدين تفترض مثل هذه الزيارات، لكني أعتقد بأن السوريين سيكونون حذرين من موضوع الزيارات السياسية، وهذا الأمر ليس جديدا، فمنذ سنوات بدأ الحديث عن أن أي زيارات سياسية يجب أن تؤطر بشكل مؤسساتي بين البلدين". ويضيف "الزيارات السياسية بين البلدين يجب أن تستمر، الأمر غير الطبيعي هو عدم استمرارها، باعتقادي فإن حاجة البلدين كل منهما للآخر هو أمر حتمي تحكمه جغرافيا وتوازن إقليمي، يريد السوريون أن يقيموه في مواجهة واقع في الأراضي المحتلة وتدخلات تحصل بين هنا وهناك، فالأمر إذا طبيعي حتى لو حصل انقطاع بين فترة وأخرى". من جانب آخر يرى «بلال» أن التمثيل الدبلوماسي بين سوريا ولبنان سيعيد تنظيم الإدارة السياسية بين البلدين، مشيرا إلى أن القنوات السياسية ستصبح مفتوحة ضمن إطار المؤسسات السياسية. ويضيف "التمثيل الدبلوماسي سيعيد تنظيم الشكل الإداري بين البلدين أو الإدارة السياسية بينهما، وبالتالي بمجرد أن عادت العلاقات بشكلها الطبيعي، ولم يعد هناك طرف له مواقف حادة ضد سوريا أو يريد أن يكون هناك عداء مع سوريا، فستعود العلاقات بشكل تعاون بين المؤسسات السياسية، وهنا يأتي دور السفارة". ويتابع "حتى الآن لم نلحظ أي دور للتمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وثمة اتفاق بين البلدين يقضي بعدم السماح لهذا التمثيل بعرقلة العلاقة بينهما، وزيارة الحريري ستلغي أي تناقض بين التيارات اللبنانية، وستصبح القنوات السياسية بين البلدين مفتوحة وضمن إطار المؤسسات السياسية وليس خارجها". من جانب آخر يؤكد بلال أن ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان هو أمر معقّد وصعب، مشيرا إلى أنه "سلاح سياسي استُخدم من قبل بعض الأطراف بضغط من أمريكا". ويضيف "ترسيم الحدود ضروري، لكن كان المراد منه سابقا إخراج "شبعا" كمنطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل لتصبح منطقة سورية، وعلى السوريين أن يحلو مشاكلهم معها". ويتابع "الطرح السياسي كان نزع مبررات «حزب الله» في المقاومة، الآن هذا الأمر زال نهائيا، وبالتالي أصبح ترسيم الحدود من الناحية السياسية أسهل، لكن من الناحية التقنية هو أمر سيطول جدا، ولن يتم بهذه السهولة وهذه السرعة". ولكن هل ستعود العلاقات بين سوريا ولبنان إلى سابق عهدها؟ يجيب «بلال» بأن ثمة تغييرا كبيرا سيطرأ على العلاقات السورية اللبنانية، مشيرا إلى أن هذه العلاقات ستأخذ شكلا أكثر عمقا يقوم على أساس احترام الدولتين، مع مراعاة التداخل الجغرافي والسياسي لكل منهما. ويضيف "في الماضي كانت هذه العلاقات لا تحكمها ضوابط مؤسسات دولتين، والسبب هو تواجد للجيش السوري ووجود وضع أمني خاص في لبنان، حاليا هذا الوضع الأمني الخاص بدأ يزول تدريجيا". ويؤكد بلال بأن ثمة شكلاً جديداً من العلاقة سيسود بين البلدين "فيه احترام سيادة الدولتين ولكن فيه أيضا خصوصية، فلا يمكن أن تكون العلاقة بين سوريا ولبنان كحالها بين سوريا والمغرب على سبيل المثال، لأن هناك تداخل قوي جداً بين الدولتين". ويضيف "هناك تأسيس للدولتين بشكل مشترك، وهناك حالة من التفاعل بين الجغرافيا السياسية، لم يظهر حزب في لبنان إلا وانتشر في سوريا والعكس صحيح، هذا الأمر لا نجده عند بقية الدول، لكن هناك دائما حاجة لأن يكون هذا الأمر خاضع للمؤسسات السياسية، وليس فقط خاضع لمزاج التيارات السياسية في سوريا ولبنان".