لسنا في كوكب آخر نحن في عمق جزائرنا العميقة، والصخب الذي تسمعونه هو لعرس… أحدهم زوج ابنه… إنه صوت فنان والضحكة الخليعة التي تصم آذانكم هي للراقصات اللواتي اصطحبهم الشيخ المغني… وفلان؟! لم يغم عليه فقط أسرف في شرب الخمر والسيارة الراكنة بالقرب من خيمة العرس هي لأحدهم يبيع الخمر مستغلا العرس. لا تخافوا… إنه ينزف لأن أحدا ضربه بالسكين فقط لأنه تجرأ وأخذ منه جسد الراقصة…سكوت… سيبدأ العرض. حفيظة عبري هناك من ينتقد وبشدة أعراس اليوم. تلك التي ترتدي فيها العروس فستانا أبيض وتحمل باقة ورد جميلة سرعان ما ترميها لتتهافت عليها النسوة لاعتقاد أن من تحملها ستكون زوجة عما قريب، ووجه الانتقاد موجه في حقيقة الأمر إلى فكرة تقليد الغرب، فالمسيحيون غالبا ما يدرجون الأمر ضمن طقوسهم الكنائسية وأيا كان الأمر ففي اعتقادي ولعل الكثيرين سيشاطرونني الرأي أن ترمي العروس بالزهور وتتهافت عليها البنات تحمل سمة الفرح وكسر الروتين وخلق البهجة أكثر مما تحمل سمة التقليد، ذلك ببساطة لأن بناتنا أغلبهن أقول لسن ساذجات لدرجة الإيمان بأن من تلتقط الباقة ستحظى بالزواج بعد العروس ولكن الغرابة كل الغرابة تكمن في إحياء الأعراس في بعض المناطق ولن نبالغ إن قلنا المناطق الريفية فلا وجه للمقارنة مع الغرب بل هو سقوط حر في مستنقع الجاهلية، خمر ورقص ومجون وقمار ومشاحنات وراقصات متشخلعات وأمور أخرى عديدة لن نحرمكم من إيراد بعض منها وما خفي كان أعظم، والمفارقة أن هذه الأعراس غالبا ما تجد أن من يحضرها هم البسطاء من القوم الذين يحاولون محاكاة الأثرياء دون جدوى ذلك لأنهم يدخلون العرس بالملايين بعد جمع المحاصيل الفلاحية وغيرها، ويخرجون صفر اليدين، فقط ترن في آذانهم تبريحة صاحب العرس وهو ينادي على البقارة وأصحاب الشكارة، وأي شكارة؟ راقصات وملهى متنقل في أعراس الأرياف اليوم عرس، لا يهم عرس من على من، المهم أن حدثا من المفترض أن يكون سعيدا سيحدث، أهل العرس قد غطوا مساحة واسعة من الحومة بالباش، ومصطبة خاصة بالفنان وأهل القصبة… الناس بدأوا يتوافدون على الخيمة والساعة حوالي التاسعة ليلا. أصوات الديسك جوكي مرتفعة في انتظار حضور السي الشيخ، وفجأة يكسر الصخب صخب من نوع آخر… ضحكات خليعة لراقصات متشخلعات بماكياج لافت فظيع، رائحة السجائر والسجائر الملفوفة تعبأ بها الساحة …المغني قدم رفقة الراقصات ويبدأ المجون.. غناء عن السحر والنساء والجنس والخمر وأمور أخرى يستمع إليها الحاضرون الذين قد يكونون البشر الأكثر تعاسة في العالم، جاؤوا فقط لكسر الرتابة ورغبة في طرد الهموم أو تخديرها بالأحرى، نحن لا نحاول أن نجد لهم أعذارا… ووسط بانوراما مجونية لشباب وشيوخ فروا من قهرهم ليقعوا في قعر الجاهلية، تقف سيارة معبأة بقارورات الخمر فيتهافت عليها الحاضرون لمباركة العقد المقدس والرباط الشرعي الذي باركه سبحانه وتعالى وباركته الإنسانية والتقاليد البشرية، خمر بجميع الأنواع في “بار” متنقل والأسعار مختلفة ومتفاوتة لا يهم السعر مادام المفعول واحدا: التخدير والغياب عن الوعي…لماذا حضرتم؟ هل لمباركة العرس؟ يجيب رشيد: لا أدري حتى عرس من؟ فأنا أصلا لست مدعوا، سمعت أن الشيخ () قد حل ليغني في عرس بالقرية، وسأقصده “باش انحي على خاطري”. أغان خليعة وسط رشقات بالملايين للأسف لن نجد أبلغ من لعنهم، لغة البراحين في أعراس المجون، يبدأ المغني في الغناء ويتحدث عن مواضيع إباحية.. عن الأضواء التي تشعل وتنطفئ “ونهجر الدوار ونسكر ذاك البار” سحرتلي في الدولمة*وأمور عديدة، قد لا نستطيع سماعها فكيف أن نرددها؟ نكتفي بهذا القدر احتراما لقرائنا وفي موجة الصخب والرقص الماجن يتعالى صوت: “جيبلي قصيدة (الفلانية) ب50 ألف سنتيم وقبل أن يغني المطرب ينبعث صوت آخر من الجحيم ليقول “أيا وهاذي 100 ألف” أحرق لي فيها مول القصيدة وجيبلي قصيدة (أخرى)… وتستمر الرشقة والمشاحنات مادام جيب المغني لم يشبع بعد… الرشقة وجيوب الفلاحين. اليوم عرس والموسم حار وقد جمع المحصول وباعه وقبض الثمن … كان سيذهب للسوق ويشتري دجاجا وخضارا … نعم سيشتري كل ما ترغب فيه والدته… وفجأة يأتيه صديقان يخبرانه بأن هناك عرسا تحييه الشيخة الفلانية في المكان الفلاني …المكان منطقة نائية في سي المحجوب .شرقي المدية… قومها قرويون فقراء يمارسون الفلاحة… حدد الموعد بالتاسعة ليلا.. عليه أن يشتري الدجاجتين.. ولماذا دجاجتان؟ ألا تكفي واحدة؟! فالدجاج ليس شبعة.. المهم ستفرح أمه وتمتنع عن سؤاله أين هي النقود؟ وقبل أن ينزع الريش من الدجاجة سيكون هو في العرس يرقص ويرمي نقوده على رأس الراقصة … ويقول قومه إنه من أصحاب الشكارة … القصة حقيقية وصاحبها يصرف مدخول جني العنب في الأعراس لمجرد رقصة راقصة وضحكة خليعة تمن بها عليه ليخرج ثملا وقد ملأ بطنه بالخمرة يتقيأ ويبكي ويأخذونه لأمه بعدما سلبوا منه نقوده بل وضعهم طواعية في يديه. ويروي البعض ممن التقيناهم أن الرشقة قد تتجاوز ال20 مليون سنتيم والعجيب أن من يرشقون بهذا المبلغ ما هم سوى البسطاء من القوم. دم وموت… نهاية أعراسنا وقبل أن يزف العريس إلى عروسه تبدأ المشاحنات والملاسنات… ربيع مثلا صاحب ال24 ربيعا مات في عرس أحد أصدقائه والسبب أنه تخاصم هو وأحد السكارى حول أحقية التمتع بجسد راقصة. وكان أن طعنه الآخر بسكين فمات. وتحولت الدماء الممزوجة برائحة الخمر إلى ديكور فظيع لعرس من المفروض أن يكون كل ما فيه حلال. خصام آخر شهدته أحد الأعراس والغريب أنه كان على جسد رجل مخنث. وكان السلاح الأبيض حاضرا دوما لكن الحمد لله لم تحدث موت فقط الفضيحة صنعت الحدث وقضت على الفرح. هذا شيء من أعراسنا بعيدا عن عاداتنا وتقاليدنا ويبقى الخوف كل الخوف أن يتحول الخمر والرقص الماجن والغناء الفاحش إحدى عادات الأجيال المقبلة وقتها فقط نقول وداعا للعصرنة مرحبا بالجاهلية الأولى