هل تصدقون أن العلمانية.. تعني فصل الدين عن الدولة؟ وهل تعتقدون أن اللائكيين كأصحاب فكرة يؤمنون فعلا بترك الدين وشأنه.. وعدم التعرض له.. أو الشغب عليه؟ إذا كنتم تصدقون ذلك.. فأنتم تجهلون حقيقة العلمانية.. وتجهلون جوهر العلماني.. والنتيجة أنكم تسقطون ضحية مغالطة ضخمة.. تعبث بعقولكم.. لتضعكم على هامش ما يحدث.. بانتظار إقصائكم من المشهد نهائيا. عادة ما يتهم من يتعاطى مع الأوراق الخفية للائكيين.. بالتخلف والاعتداء على الحريات الشخصية وحقوق الإنسان.. والتطرف الديني وجر الناس إلى ماضي القرون الوسطى.. وإلى كل ما يشبه هذه التهم الجاهزة.. فسلاح اللائكي الأمضى هو أن يتهم.. ويسبق بالهجوم.. لأنه يعلم يقينا أنه مجرد دجال باسم العلم.. وأن عدوانيته لا تقل شراسة عما يمارسه وحش في السفانا. لسنا نحن من يقول هذا.. بل تقرير رسمي صدر عن اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية.. وهي اللجنة ذاتها التي اعتادت اتهام الدول الإسلامية ومنها الجزائر.. بالتضييق على الحريات الدينية.. فقد أشار التقرير إلى دول أوروبية بعينها.. ومن بينها فرنسا بتبني "علمانية شديدة العدائية.. تضع الأشخاص المتدينين في مواقف غير مريحة وصعبة فيما يتعلق بالممارسة التامة لقناعاتهم وعقائدهم". ولتوضيح الموضوع بصورة أفضل.. يشير التقرير (إلى القيود المتزايدة التي تم التصويت عليها في السنوات الأخيرة في أوروبا بشأن الرموز الدينية والذبح الحلال للحيوانات وعمليات الختان في ألمانيا وبناء المساجد والمآذن في سويسرا).. والنتيجة التي خلص إليها التقرير ( أن هذه القيود تثير مناخا من الخوف من بعض أشكال النشاط الديني في أوروبا الغربية.. وتحد بشكل خطير من الاندماج الاجتماعي والفرص في مجالي التعليم والوظيفة أمام الأشخاص المعنيين.. خاصة بالنسبة إلى المسلمات المحجبات).. ولا يستغرب صدور تقرير كهذا من الولاياتالمتحدةالأمريكية.. التي تعتبرها فرنسا – إلى جانب بريطانيا – ( مواقع علمانية غير نقية.. لأنها ملوثة بالنفوذ الديني)!! *** إن فرنسا تحديدا.. وهي المعنية أكثر من غيرها بهذا التقرير.. نعرفها نحن الجزائريين أكثر من غيرنا.. بحكم المرارات التاريخية التي اقترنت بوجودها بيننا.. ولا أعتقد أننا نجهل الطبيعة الشرسة لهذه الدولة الملحدة.. سواء في تعاملها الوحشي مع الشعب الجزائري.. أوبروحها الاستئصالية كلما تعلق الأمر بالإسلام. ما يهمنا في التقرير.. هوإبراز الصلة القائمة بين علمانيي فرنساوالجزائر.. أي القرابة النفسية والفكرية والسلوكية التي تربط الطرفين.. وتجعل دعاة اللائكية في الجزائر.. حالة عدوانية كما عبر عنها التقرير-.. بما تضمر من حقد على الإسلام.. وإن توشحت ببعض الشعارات الزائفة مثل (العقلانية وحقوق الإنسان والحرية). فالتطرف العلماني في الجزائر.. هوشكل من أشكال الإرهاب الذي تمارسه بعض الأحزاب والجماعات.. التي تتستر بالحداثة والتقدم.. في سعيها المحموم لإملاء إرادتها على المجتمع.. وحمله على التنكر لقيمه وثقافته ولغته.. وتحويله إلى كيان مستلب.. يسهل تدجينه. *** فالدعوة إلى حذف المادة الثانية من الدستور.. والحرص على علمنة التربية الوطنية.. والتحامل على الشعائر الدينية.. والتضييق على مظاهر التدين.. وإشاعة المحرمات كالخمر.. التي تستورد بأموال البترول.. والتخطيط لتجفيف منابع التدين.. هي بعض أبجديات المخطط العلماني.. الموضوع لعزل المجتمع عن دينه.. وحصار الإسلام أملا في إقصائه عن الحياة.. تمهيدا لاجتثاثه إن أمكن.. فكم حورب الإسلام تحت غطاء التصدي للإرهاب.. وكم تعرض للتشويه سياسيا وإعلاميا وفكريا. إنه حين تطفو الغريزة اللائكية على السطح.. لا يعود ثمة شيء يمكن إخفاؤه.. فتنكشف الوجوه المختبئة وراء القناع.. ويتحول الكلام المجرد إلى سياسة تجد طريقها إلى التنفيذ.. حاملة معها تهديدا مكشوفا لحرية التدين.. وتهميشا للداعين إلى احترام ثوابت المجتمع.. التي تتعرض باستمرار للتشكيك والإزراء. لقد صدرت إلينا فرنسا.. إلى جانب بضائعها المادية ولغتها.. لائكيتها المتطرفة.. وسعت إلى تمرير أفكارها بواسطة بطانة سياسية وفكرية جزائرية.. غذتها برؤيتها الخاصة المشحونة بعداء كثيف للدين والمؤسسات الدينية.. ومثلما خاصمت الإكليروس الذي تمثله الكنيسة بتراتبيتها المعروفة.. أرادت أن يقمع الإسلام في الجزائر ويخاصم إلى أبعد الحدود.. حتى وجدنا من جماعات حقوق الإنسان من يدافع عن " المثلية " بدعوى احترام الحرية الشخصية للمواطن الجزائري! *** اللائكية معضلة الغرب.. وهي الوجه القبيح للدولة الفرنسية المهوسة بمعاداة الدين.. حيث تتكاتف الإباحية والإلحاد والمادية البضاعية.. على تشويه آدمية الإنسان.. وتحويله إلى حيوان تكنولوجي.. يسرح في فراغ روحي رهيب.. وينخرط بوحشية مفرطة في نسق حضارة السوق. وبالمثل.. لا نجد تفسيرا لإصرار عرابي فرنسا في بلادنا.. على فرض اللائكية الوحشية على مجتمع.. كل ما فيه ينبض بالإسلام.. إلا أن يكون اللائكي.. مجرد ديكتاتور ناعم.. تحت قفازه أشواك دامية. إن "اللائكية" العدوانية خطر حقيقي على الحريات الفردية والجماعية.. وخطر موصوف على الكيان الروحي والثقافي للمجتمع.. فهل آن الأوان للجم هذا الوحش؟