يروي الطالب (الحاج أحمد.ب) العائد من مصر والدارس في كلية الحقوق بالإسكندرية، وهو واحد من بين 1500 طالب عادوا إلى الجزائر، فرارا من أجواء محاكم التفتيش التي أقامها المصريون للجزائريين من طلبة وطالبات وأساتذة جامعيين وعائلات جزائرية تعيش في مصر عقب انتهاء واقعة ملعب المريخ بأم درمان تفاصيل أجواء الرعب والخوف التي حبست بعضهم بين أربع جدران، وأجبرت البعض الآخر على الفرار من مكان إقامته للاحتماء في أماكن آمنة على قلتها في بلاد الفراعنة، خاصة وأن سفارة الجزائر في القاهرة أضحت عاجزة عن استيعاب الكم الهائل من طلبات الحماية والترحيل نحو الجزائر، مع تزايد حالات التهديد والتحرش ضد الجزائريين. ويذكر الطالب العائد من جحيم القاهرة كيف تعامل مع أجواء الشحن والإرهاب الممارسة ضدهم لتفادي اللقاء بلحظة المصير المحتوم بعدما أضحى كل ما هو جزائري في مصر مستهدف ومراقب ومحكوم عليه بالاعتداء مع وقف التنفيذ إلى أن تتوفر الشروط الإنزال والإغارة والاستفراد بالضحية بعدما شحنت عقول الغوغاء المصرية من طرف مجانين الإعلام المصري في قنوات عملت ليلا ونهارا على تحريض سذج أم الدنيا من الشباب التائه بدعوات صريحة فصيحة للاعتداء على الجزائريين وقتلهم مهما كان وضعهم في مصر بعدما أعلن أمثال أديب والغندور وشلبي وغيرهم النفير الإعلامي العام ''لذبح الجزائريين''. البداية كانت من رشق حافة الخضر في القاهرة.. ويؤكد الطالب (الحاج أحمد.ب) أن أجواء الخوف في أوساط الجزائريين وعلى غير ما ادعاه الطرف المصري، قد بدأت مباشرة عندما ابتدع الرسميون المصريون بدعة ما أسموه حادثة اختلاق لاعبي الفريق الوطني الجزائري للاعتداء على أنفسهم أو ما أضحى يعرف عالميا بحادثة ''الباص''. وعلى هذا المنوال يواصل الطالب العائد من مصر فرارا من المصير المحتوم بأن الجماهير المصرية صدقت الكذبة، مما زاد من شحنهم وتحريضهم على كل ما هو جزائري غير أن فرحة الفوز في ملعب القاهرة أعادت الأجواء بعض الشيء إلى نصابها الطبيعي في إطار التشجيع الرياضي رغم بعض المزايدات التي كنا نحيلها على محكمة المستطيل الأخضر. يقول الحاج أحمد عندما استفاق المصريون من سكرة النصر في ملعب القاهرة ووجدوا أنفسهم أمام الحقيقة المرة التي وضعهم فيها رفاق عنتر يحيى بملعب أم درمان، بدأت مجددا وتيرة الاستفزازات والتحرشات في تصاعد مهول، خاصة عندما بدأت تصل إلى القاهرة أخبار الجسر الجوي الذي أقيم بين الجزائر والسودان وخروج ملايين الجزائريين إلى الشوارع إعلانا عن تضامنهم مع الفريق الوطني بعد حادثة الاعتداء على الحافلة، يقول الطالب لم نكن في تلك الأثناء في القاهرة وكنا في الإسكندرية ومع ذلك لم نسلم من المضايقات ولكن نقطة التحول والانعطاف بدأت عقب هز عنتر يحيى شباك الحضري وتحطيم الآمال المصرية مانعا إياهم من شرف تمثيل العرب والمسلمين في منافسة الكبار بجنوب إفريقيا عندها يقول الطالب ''فتحت أبواب الجحيم أمامنا لدرجة أنهم تعرضوا للضرب وهم في طريقهم أو أثناء عودتهم من الجامعة''. وشايات ومطاردات في كل مكان...نحن في عين الإعصار يواصل المتحدث سرد ما حصل لهم في من تدعي نفسها شقيقة كبرى ليقول، ''بعد كذبة أحداث الخرطوم اندلع إعصار من الحقد يستهدف كل ماهو جزائري''، وانطلقت معه آلة الوشاية للتحريض على الاعتداء علينا، خاصة وأن الطلبة كانوا يجبرون على إضهار جوازات سفرهم قبل دخول الجامعة المصرية، ما سبب في انكشاف أمرهم أمام المترصدين الذين سارعوا إلى نشر خبرهم في الآفاق ونعتهم بالأصابع ليقدموا لقمة سائغة للمعتدين كما حدث لجماعة من الطلبة الجزائريين القادمين من القاهرة إلى ولاية قسنيطة. حتى السماسرة وطلبة الجامعات ممن كانوا رفاق الأمس تحولوا بصورة هستيرية إلى أعداء لدودين تحالفوا ضد زملائهم الجزائريين من الطلبة حيث قال ''لم يتردد المصريين الذين يعرفوننا في نشر أرقام هواتفنا وتقديمها للأوباش والمتعصبين في القاهرة''، وهو ما جعل الطلبة الجزائريين يعيشون أياما وليالي مرعبة في أجواء التهديد والوعيد والشتم الذي كانوا يسمعونه عند كل مكالمة هاتفية يتلقونها. وإذا كانت أجواء الرعب هذه قاسما مشتركا بين جميع الجزائريين الذين عاشوا مأساة الضيافة المصرية، فإن لكل واحد منهم قصته ومعاناته وإن اشتركوا في بعضها عند بعض المحطات كما حدث لهم في المطار أو عند محافظات الشرطة التي قصدوها للاحتماء أو الشكوى أو عند المؤجرين أصحاب الشقق المقيمين فيها سياسة التجويع ''المصرية'' لم تكن حكرا على أطفال غزة ''أبى المصريون إلا أن يمارسوا معنا سياسة التجويع تأسيا بنظام مبارك الذي لم يتردد في تجويع الغزاويين''، هكذا استهل أحمد طالب الحقوق الجزائري في جامعة الإسكندرية حديثه عن حالة الحصار التي عنوها هناك في مصر، مشيرا إلى أن التجار المصريين الذين اعتادوا التطفيف والسرقة والكذب والغش والرشوة وعبادة الدينار والدرهم كعبادة العجل من حلفائهم، لم يجدوا حرجا في منعنا من شراء ما يلزمنا من أكل وشرب ودواء وأعلنوا علينا الحصار ونفذوا فينا سياسة التجويع''، مؤكدا ''منا من لم يأكل ولم يشرب أياما بلياليها أما نحن فسخر الله لنا جزائرية مزوجة من مصري شهم أبت إلا أن تغامر بأمن عائلتها وتسارع إلى إنقاذنا من اعتداء محقق ووشيك برمج له أوباش الإسكندرية بتواطؤ مع حارس العمارة حيث كنا نقطن. لاحظت جارتنا تحركات مشبوهة وغير معتادة في محيط العمارة عندها تحولت شكوكها إلى يقين وتأكدت أن هذا الحارس كان قد أخبر الأوباش بوجودنا في العمارة فسارعت إلينا تطلب منا المغادرة إلى بيتها حتى إذا ما تعرضنا لهجوم في اليل لن يجدوا في البيت أحدا وهكذا قضينا عند هذه الجزائرية ثلاثة أيام بلياليها بعدما كنا سجناء في المنزل لا ننتظر إلا لحظة المصير المحتوم. جزائرية ''فحلة'' وفّرت لنا الحماية وطريق الهروب وخلال الأيام التي قضيناها عند السيدة الجزائرية الأصيلة التي عرضت أهلها للخطر ولم تكن هي في منأى عن هذا الخطر كنا قد اتخذنا قرارا بالعودة إلى الجزائر بعدما تأكد لدينا بأن مصر لم تعد ولا يمكن أن تكون مستقرا لنا في ظل الشتائم الرسمية التي كنا نسمعها يوميا وعلى مدار الساعات الأربع والعشرين في الإعلام المصري وسياسييه ومسؤوليه الذين تفننوا في كيل الإهانة والسب للمقدسات الجزائرية والاعتداء على رموزها، حاولنا خلال تلك الفترة أن نعود إلى المنزل حيث كنا نقطن لنجمع أغراضنا غير أن المؤجرة التي أشبعتنا كلاما معسولا عندما قصدناها للتأجير رفضت أن تعيد لنا أموال الأشهر الثلاثة التي دفعناها مسبقا، علما أننا لم نقم عندها سوى 20 يوما رغم أننا تنازلنا عن الأيام العشرة الباقية من الشهر الأول إضافة إلى أموال الضمان وهو ما يعادل حوالي 2600 جنيه مصري أو قرابة 4 ملايين سنتيم وإذا كنت من المحضوضين الذين تمكنوا من استعادة أغراضهم من البيت فإن غيري من الطلبة الجزائريين استأجروا في القاهرة شقة مستشار وزير العدل وبعد مقابلة السودان طرد الجزائريون بعدما اقتحم الشقة وهم عنها غائبون فألقي بأغراضهم للشارع انتقاما نهم لا لشيء إلا لأنهم جزائريون. ليلة الهروب من تل أبيب....عفوا ''القاهرة'' لم يكن التنقل إلى القاهرةأمرا سهلا بعدما انتهت مباراة السودان وأضحى استحلال دماء الجزائريين وأعراضهم وأموالهم سياسة رسمية لنظام مبارك وعائلته، واصبح الجزائريون مطاردين في كل زاوية وركن من أرض الكنانة يتعقب خطواتهم وتحركاتهم ليس فقط الأوباش والغوغاء بل حتى الأجهزة الأمنية المختلفة. كانت عملية التنقل من الإسكندرية إلى القاهرة، على مسافة حوالي 200 كلم، عملية غير مأمونة العواقب ولكن ضرورية باعتبارها المعبر نحو بر الأمان للعودة إلى الجزائر. عقدنا مع العائلة الجزائرية المصرية اجتماعا أشبه بمجلس حرب نخطط للخروج من الإسكندرية تضاربت الآراء واختلفت حتى رست على قرار الزوجة الحكيمة التي قضت إلا يكون تنقلنا إلى القاهرة على متن سيارة زوجها ليلا لضعف بصره ليلا واحتمال الوقوع في يد زبانية حواجز التفتيش المنتشرة على طول المسافة إلى القاهرة، قررت الزوجة أن يكون السفر تسللا على متن الحالفة ليلا فرافقنا الزوج واصطحب معه ابنته التي كلفت باقتناء التذاكر. أحكمنا الخطة بعدما اتفقنا ألا ننبس ببنت شفة وألا نكلم أحدا ولا نرد على أحد، تاركين البنت تتولى الحديث نيابة عنا حتى لا يكتشف أمرنا فالزوج المصري اضطر للاستعانة بابنته لتنوب عنا في الحديث لأنها تجيد المصرية، ومن ثمة كان لزاما عليه الاستعانة بابنته لتنوب عنا في الرد على اسئلة المصريين سواء في الحافلة أو عند نقاط المراقبة المتعددة. وصلنا إلى المطار بعدما تخطينا عقبات عديدة، ولكن في المطار صادفتنا عقبة أخرى عندما اكتشفنا أن وكالات بيع تذاكر السفر في المطار قد أغلقت أبوابها في وجه الجزائريين من طلبة وغيرهم من العمال الراغبين في الفرار من مصر، وذلك حتى يدفعوا بهم للاحتكاك مع المصريين خلال رحلة بحثهم عن التذاكر في شوارع القاهرة ليكونوا لقمة سائغة للجماهير التي شحنها الفنانون والممثلون في مسرحياتهم الدرامية التي مثلوها على المباشر وهم يدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور للجزائريين. ولما استحال خروجنا لاقتناء تذاكر الطائرة قامت الجزائرية نيابة عنا بمهمة اقتناء التذاكر رفقة زوجها المصري مما عرضهم للإهانة والشتم والتخوين والتهديد عندما رأى المصريون جوازات سفرنا وتأكدوا أننا جزائريون نريد أن نغادر مصر. في المطار.. كل مقدسات الجزائر ستباحة وفي المطار قال الطالب في حديثه ل''البلاد'' بدأ العذاب الجماعي للجزائريين عندما قررت شرطة المطار عزل الجزائريين في طابور خاص وابتدعوا إجراءات جديدة تعسفية مهينة وكنا في حوالي 50 شخصا بين أستاذ جامعي وطلبة وطالبات وعائلات، مضيفا ''أثناء الانتظار في الطابور كنا نتعرض للشتم والإهانة .. شتم لرموز الثورة والشهداء من طرف شرطة المطار وكان التواطؤ واضحا إذ تعمدت الشرطة ترك كل موظفي المطار يمرون أمام طابورنا ليتعاقبوا على شتمنا وإهانتنا مع سبق الإصرار والترصد دون حسيب ولا رقيب''. ويواصل الشاب الجزائري وصف المعاملة المهينة التي عوملوا بها من طرف الأمن المصري، ''عند المرور في جهاز الكشف كنا نؤمر دون غيرنا من الجنسيات الأخرى بنزع الحذاء وكان الشرطي يتعمد الحديث في مخاطبتنا بعبارات مهينة كان يقول ''تعال يا كلب''، و''تعال يا إرهابي'' كما أمرونا بالدخول والخروج من جهاز الكشف حوالي عشر مرات دون الحذاء إعمالا منهم في الإهانة والاستخفاف''. أما عند تفتيش الحقائب فكانت معاناة أخرى، حيث كان يجتهد الشرطي في إفراغ الحقائب الكبيرة بكاملها ويلقي في الأرض كل ما فيها بحثا عن الأعلام الوطنية لاستخراجها والدوس عليها وسب الجزائريين ومقدسات الجزائر من شهداء ومجاهدين. أما إهانة الطالبات والنساء فكانت بسادية منقطعة النظير حين كانوا يتعمدون عند تفتيش الحقائب استخراج ملابسهن الداخلية وإلقائها على الأرض أمام مرأى الجميع، فضلا عن الحركات الاستعراضية عند تفتيشهن. كل هذا وعند الختم على جواز السفر كانوا يرمونه على الأرض ويأمروننا بحمله مصحوبا بعبارات الشتم والسب الذي تفننوا فيه وتلذذوا به وكأنهم يعاملون مستعمرين هزموهم فطردوهم من بلادهم شر طردة. ولم تنته المعانة بإلقاء جوازات السفر على الأرض بل وجدنا أنفسنا مجددا في سابقة لم تشاهد حتى في مطارات الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أحداث سبمبر أمام جهاز آخر للتفتيش قبل دخول الطائرة، عندها تكررت عملية التفتيش مرات ومرات.. من همجية ''القاهرة الدولي''.. إلى حنان ''هواري بومدين'' آثرنا الجوع على أكل وجبات المصرية للطيران بعدما تأكدنا أن المناصرين الجزائريين الذين رافقوا الفريق الوطني إلى القاهرة بيعت لهم مياه فاسدة ولم تسمح لنا شهامتنا أن نأكل من أيدي ممثلي نظام أهان مقدساتنا وثوابتنا فقررنا الجوع على لقمة المذلة والهوان إلى أن تأكدنا أننا قد دخلنا الأجواء الجزائرية حينها قررنا إسماع طاقم الطائرة ما نعرف من الأناشيد الوطنية الثورية ولم نزد على ذلك شيئا لنظهر لهم بأننا شعب متحضر نرفض أن نكون مساوين لهم في السوء وقلة النخوة والمروءة وهكذا كان الأمر لم يسمع منا أحد من المضيفين كلمة سوء طوال الرحلة.. نطمع في أن تنالنا النخوة الجزائرية بالرعاية قال الطالب إن الوزير تحدث عن 17 طالبا فقط وهؤلاء عندهم منحة حكومية والحقيقة أن العدد الإجمالي للطلبة يقارب 1500 طالب ينتظرون ما سوف تسفر عنه أعمال اللجان الجهوية الثلاث التي أنشأها الوزير لاستقبال ملفات الطلبة العائدين من مصر، غير أن أمنيتنا كطلبة جزائريين كنا ضحايا مأساة أزمة افتعلها مصريون أخلوا بواجب الضيافة، أن يتم إدماجنا في الجزائر، لأن العودة إلى مصر بالنسبة إليهم تعد من المستحيلات بعدما شاهدوه من حقد وغل هناك. ويقول الطالب الاستعلاء المصري وإهانتهم للجزائريين ليست وليدة تصفيات كأس العالم، ويكشف أن الطلبة الذين يذهبون للدراسة في هذا البلد يخضعون لتحقيقات أمنية شديدة وكأنهم جواسيس فضلا عن ممارسات أخرى. وناشد الطالب نيابة عن نفسه وعن زملائه الوصاية أن تنظر في مأساتهم بعين النخوة الجزائرية أملا في أن يتم إدماجهم في دراسات ما بعد التدرج بالجزائر.