هل يوجد على الخرائط الجسدية للعرب ما يمكن أن تجهله أمريكا؟ وهل بقي لهم من رصيد الشرف بميزان أمريكا ''غرام واحد'' يأسفون على ضياعه؟ قد يكون غباء قاتلا أولونا من السذاجة المفرطة.. أن يظن بعض العرب أن لديهم ما يخفى على أمريكا.. أو أن تكون قد أبقت لهم شرفا يحرصون عليه.. ويملكون الموت من أجله.. أو أنها قد ترعى لهم حرمة.. أو تكتم لهم سرا .. أوترأف بهم وترحمهم. ما تفعله أمريكا بالعرب لون من الاستعباد والإذلال المكشوف.. فهي تنكل بهمة.. وتجردهم من ملابسهم الداخلية.. وتحجزهم في الأقفاص للعرض مجانا.. وتمعن في شتمهم .. وتغلظ عليهم .. وتمارس عليهم كل أنواع الفظاظة السياسية والإعلامية. إن أمريكا تلعب مع العرب على المكشوف.. أما هم فيحاولون التستر والتخفي. إن جماهير العرب تكتشف خيانات حكامها في صحف أوربا وأمريكا وإسرائيل .. وليس في صحف الاسترزاق الرخيص .. فجدار ''مبارك'' أعلن عنه في صحيفة إسرائيلية.. وكثير مما ارتكبه عرب أمريكا في الخفاء.. عرضه الأمريكان في الهواء الطلق.. وأذاعوه بالجملة وبالتفصيل .. ولم يعيروا اعتبارا لأحد. لا أعتقد أن أمريكا ستتحرج.. عندما يتعلق الأمر بإذلال العرب.. والكشف عن عوراتهم في مطاراتها. فالسيد لا يلتفت إلى صراخ عبده.. وثياب العبد مملوكة لسيده. وهل أبقت لهم شرفا يشعرون به أصلا. عرب اليوم من وجهة النظر الأمريكية .. مجرد سلالة هامشية من الهنود الحمر الذين نشؤوا خارج أمريكا .. لفحها لهيب الصحراء.. فتمددت في فراغ الزمن المعاصر .. بقوة النفط.. وبفضل جغرافيا القواعد العسكرية.. والعمالة الخارجية.. والطغيان الداخلي. أما شرفهم.. ففي النزع الأخير من الحياة. وهم في ترتيب الأحياء.. يعيشون خارج زمنهم ..ويتشكلون سياسيا وفكريا على نحوغريب.. لا صلة له بمقتضيات الانتماء إلى هذا العصر. وبحساب التطفل.. تراهم يتسلقون على ظهور شعوبهم .. ويتوارون في تفاصيل المعاناة اليومية لمئات الملايين من البشر المعذبين في الأرض. . لا أدري لماذا أخبر الأمريكان بعض العرب بأن ''الماسحات الضوئية'' في المطارات الأمريكية.. ستسلط على المواقع الحساسة في أجسادهم.. وبصفة خاصة ''مؤخراتهم'' .. لتحسس ما قد يخفون من أسلحة دمار شامل.. ومتفجرات سائلة أومطاطية. فالمعتاد أن أمريكا لا تخبرهم بما تفعل بهم.. ولا تلتفت إلى كلامهم.. وترفض أن يعترضوا سبيلها في الخفاء أو العلن. كما لا أجد تفسيرا منطقيا للامتعاض الذي يبديه بعض العرب من السلوك الأمريكي.. أي من أن تتفرج أمريكا تكنولوجيا على عوراتهم.. وتتجول بكاميراتها عبر تضاريس أجسادهم.. وتفتش الزوايا غير المرئية من عوالمهم الداخلية. . إن الشرف الذي يبكيه البعض في مطارات أمريكا وأوربا.. متحرجين من أن ينفذ حرس الحدود إلى أجسادهم.. ليتفرجوا على تكويناتهم الداخلية بدعوى البحث عن أسلحة سرية.. هوشرف منتهك داخليا منذ ستين عاما .. وغير معترف به رسميا في الأوطان المعتقلة. إن أزمة الشرف المهدر في الخارج.. ليست أكثر من إعلان عن الشرف المضيع في الداخل.. في أوطان استباحها ''إباحيو'' السياسة والمال والإعلام.. ورموا ثيابها في البحر.. أو أحرقوها.. أو باعوها في سوق المقايضات. المواطن العربي.. يسير في الشارع عريانا.. بالكاد يجد ما يستر عورته.. ومن ورائه تتحرك جحافل الفساد والطغيان.. تتعهده بالعصا.. وتؤدبه إن تململ. وهو في بيته مرصود بعيون الخفاء التي لا تنام.. وفي نومه ويقظته مكشوف على التمام.. ولا شيء منه يخفى على النظام. إن ما وراء الثياب الداخلية للمواطن العربي.. مجرد تفاصيل معروضة أمام الماسحات الرسمية.. التي تتجول بكل حرية.. وبغير ممنوعات أواعتراضات ..أو حياء.. أو خشية من الانتقام للشرف الممرغ في التراب. . الحديث عن الشرف العربي نكتة. فهل أبقى الحكام منه شيئا.. لم يقايضوه بالكراسي التي يجلسون عليها. أو هل فعلوا يوما ما يوحي بأنهم قد ردوا عدوانا أمريكيا على هذا الشرف.. وحاولوا استنقاذه؟ لم يفعلوا شيئا من ذلك.. بل مارسوا نقيضه.. وتعاطوا معه بالوشاية الرسمية. لم يتورع بعضهم عن تسليم مواطنيه لأمريكا.. ولا عن تعريتهم بالوكالة.. وعندما تخطف أمريكا مواطنين عربا في أي مكان.. لتكدسهم في غوانتانامو.. يصفق النظام العربي .. ويعلن ولاءه لحربها على الإرهاب. إن الشرف العربي المنتهك في وطنه .. لا قيمة له في ما وراء الحدود.. وهوحين يخسر رصيده في الداخل ..لا يكسب رصيدا في الخارج.. وحين ينكمش في نقاط العبور يكون قد تلاشى تماما في المواقع الخلفية. . العري السياسي.. منتوج عربي خالص .. وهو ابتكار يدل على مدى قدرة الأنظمة على استنزاف كرامة مواطنيها.. والتحكم في أجسادهم .. بعد الاستيلاء على أرواحهم. الوطن العربي حمام ضخم.. والكل مأمور بتنظيف جسده أمام الملإ لإثبات براءته. حيث يجب أن تغتسل بصابون الحكومة لتزيل ما عليك من موانع النفاذ إلى خلاياك الفكرية والنفسية.. واستكشاف ما بداخلك من رفض مستتر. إن شرفا غير محصن في الداخل.. لا حصانة له في الخارج، وإن شرفا غير معترف به في الداخل لا قيمة له في الخارج. وهو بمعيار الشرف الحقيقي.. لا يساوي شيئا.