لكلمة ''الشرف'' في راهن العرب قصة·· قد تصعب قراءتها على من يملك قلبا رقيقا·· أو حسا مرهفا·· أو لا يتمتع بمناعة قوية ضد ما تحدثه الصدمات الطارئة من دمار نفسي ·· كوقع صورة الشرف العربي الذي يوزع على موائد الأمريكان والأوربيين·· وتنثر أجزاؤه في كل مكان من العالم·حتى الأطفال الذين يتمتعون بخيال عجائبي·· قد لا يملكون قراءة هذه القصة الغريبة·· دون أن يصابوا باكتئاب حاد·· أو يصرخوا من شدة الألم ·· أو يبكوا من فرط الحزن·أما بالنسبة إلى الكبار·· فالقصة معروفة ومألوفة·· فهي خبز يومهم·· تطل عليهم بوجهها الصارخ من التلفزيونات الراقصة·· وتستريح على أوراق الصحافة المأجورة·· وتتحدث نيابة عنهم في منبر الأمم المتحدة·· باسم أمة الشعر البطولي·· وعنترة·· وفخر عمرو بن كلثوم : إذا بلغ الفطام لنا رضيع··· تخر له الجبابر ساجدينالنا الدنيا، ومن أضحى عليها··· ونبطش حين نبطش قادرينا ***في كل الأحوال ·· هي قصة تورث الغثيان لمن يقرؤها·· من غير أن يحتاط - بما لديه من كمامات ومستحضرات عطرية - من رائحة العفن المنبعث منها · هذه ليست قصة على غرار القصص التي تكسب صاحبها جائزة نوبل في الآداب·· بل هي قصة تاريخ معاصر كريه برمته·· وحاضر موبوء بكل ألوان الفواحش السياسية والاقتصادية والأخلاقية·· وحال من يغامر في اكتشاف تفاصيل هذه القصة ·· كحال من يقتحم حظيرة خنازير·· دون أن يسد أنفه بإحكام ·· أو يتحصن ضد جراثيمها بمضاد أنفلونزا الخنازير· *** المطلوب إذن·· هو أن نتطهر بكل حرص وعناية ·· وأن نتسلح بكل المبيدات الفعالة التي تعيننا على مقاومة عفن السياسة العربية المعاصرة ·· وأن نضع أيدينا في قفازات مطهرة قبل أن نغامر بقلب الصفحة الأولى من أوراق هذه القصة المقززة·ما أقوله هو الحقيقة·· بل بعضها·· لأن ما يطفو على السطح نزر يسير·· أما ما يرسب في القاع فهو أحمال ثقيلة من العار·· والشرف الذليل·ألا تكفي تلك المرارة التي ألمت بالقاضي ''فولدستون ··ف عندما اكتشف طلب (الرئيس) عباس إرجاء التصويت على تقريره الذي يدين إسرائيل·· ويضعها - لأول مرة في التاريخ - على عتبة المتابعة الجنائية·لم يصدق ''فولدستون'' اليهودي- الصهيوني·· أن عباس العربي·· الذي يصلي ويصوم ·· ويؤتمن على حقوق الشعب الفلسطيني·· سيكون أول من يتنازل عن دماء الأطفال في غزة·· ويشرب نخب خيانة الشرف في مؤسسة الهواتف المحمولة في إسرائيل· لكنها الحقيقة·· عارية·· ولا يمكن سترها بمفردات الزيف والخداع· ***هل بقي للعرب شرف يدعونه ؟ في مستنقع الذلة الذي ترسب فيه العرب·· لا توجد مادة اسمها الشرف العربي·· تبخرت كلها منذ ستين عاما·· وما بقي منها مجرد خطب نزفت من الحياء ·· وادعاءات تسترت بالوقاحة·· ومآتم بأثواب أعراس يحنط فيها الشرف المذبوح للعرض في متاحف واشنطنوأوسلو وشرم الشيخ· لا ظل لهذا الشرف·· الذي أضحى عديم اللون والرائحة والذوق· 31لقد قتلوه·· وقطعوه·· وعرضوه في كل الواجهات العالمية·· بتخفيضات لا سابق لها·· فالجود العربي لا حدود له·باعوه بالجملة وبالتجزئة·· نقدا·· وعلى الحساب·· وفي أحيان كثيرة مجانا· والأمة الغنية بشرفها·· لا تبخل بشيء منه على أمريكا وإسرائيل···!! إن جردا بسيطا في مخازن الأنظمة العربية·· يكشف خواءها من الشرف ·!! لا نجد شيئا منه يمكن لمسه أو النظر إليه·· أو الشعور بأثره·أغلب العرب باعوا شرفهم·· وقبضوا ثمنه مزيدا من انتهاك حرمة هذا الشرف·· غير متسترين بورقة التوت التي سقطت عنهم· ***في ,.1978 قبض السادات جائزة نوبل للسلام·· بعد أن وقع - دون حياء - موت الشرف العربي في مخيم داود ·· وعلى مرأى من الجميع شكر مناحيم بيغن شريكه في الجائزة·· ووضع قصاصة هذا الشرف في جيبه·· متمنيا له·· ولشعب بني إسرائيل مزيدا من الكسب والانتصار·· ومضى إلى حتفه في 6 أكتوبر· في ,1994 تسلم ياسر عرفات جائزة نوبل الثانية·· بمعية إسحاق رابين وشمعون بيريز·· لكنه أراد الاحتفاظ ببعض الشرف في جيبه·· فدفع الثمن قاسيا·· لأنه أخطأ التقدير·جاء من بعده عباس الذي وعى الدرس التجاري جيدا ·· فلعن كل مفردات الشرف الفلسطيني·· وأعاد الحساب من جديد·· وأعلن أن أمريكا تريد الشرف العربي كله·· وهو لا يملك أن يعترض أو يساوم أو يكابر·· أو أن يتحداها بحرف ''لا ف·· فدكانه الصغير في رام الله لا يقوى على منافسة المساحات التجارية العملاقة في البيت الأبيض·!! وبما أن العرب جميعا يعلمون أن إسرائيل لا تقدر على العيش بغير الشرف العربي كله··فهم متضامنون ومتوافقون على تلبية طلباتها دون مراجعة أو تأخير·· وما لا يقدرون على أدائه علنا·· ينجزونه خفية·· سواء بالمبادرة الجماعية·· أو بالترخيصات الممنوحة للأفراد·فقبل أيام·· قال ليبرمان إن سلطة رام الله منافقة ·· لقد كانت تلح علينا أن ننهي الحرب على غزة بإبادة من فيها ·· وهدد بفضح عباس أمام الملإ·· إن فكر في اجتياز الخط الأحمر الإسرائيلي · ***في مدونة الحكام العرب·· كل شيء واضح ومحدد: يمكنهم استعمال بطاقات الائتمان سياسي ·· على ذمة ما يدفعون من أقساط شرفهم الشخصي·· حين تنفد من حساباتهم أرصدة الشرف العام·وعندما لا يفي الحاضر بالحاجة·· فهم يرهنون شرف المستقبل·· ولا يتوانون عن بيع الآجل بالعاجل·· فثمة سباق عربي محموم على الظفر بشرف التخلص من هذا الشرف في أقصر وقت·· فلا وقت للراحة قبل الاستراحة منه·!! كل شيء قابل للتنازل·· الأرض·· الإنسان·· التاريخ·· الدين·· القرار السياسي·· الكرامة الوطنية·وكل مفردة لها معنى من معاني الشرف·· أولها صلة رحم به من الدرجة العاشرة·· تعد خطرا كامنا يجب التخلص منه·ومن ثم·· تكون قابلة للتداول في بورصة المضاربة على الشرف·· حيث لا استثناءات·· ولا ممنوعات·فنوبل التي ينتظرها كل حاكم عربي تمر حتما عبر شرفه·· وشرف من يحكم··· إلى أن يموت·· أو إلى أن يورث نسله الشريف مقاليد الحكم والتحكم·· والسلطة والسلطان· لكل نظام عربي شركات لتصدير الشرف·· خبيرة وفعالة·· وهي- مثل مؤسسات الدعاية - تملك الاختصاص في تعليب الشرف وتسويقه في ورق السلام·· بأسماء مستعارة·· وبأغلفة مكتوبة بخط عربي جميل·· مزخرف بتوقيع الحاكم·32 ***لقد قبض العرب ''نوبل'' الاعتداء على شرفهم مرتين·· وهم - كما يبدو- يريدون أكثر من نوبل·· وفيهم من يتوق لتوريثها لأحفاده الذين سيحكمون من بعده·ولا مانع أن تمنحهم ستوكهولم مزيدا من أوراق نوبل·· بعد أن منحتهم أوسلو ورقة واحدة غير قابلة للإلغاء أوالمراجعة عنوانها ''اتفاقات التنازل''·فمادام الطلب على سلعة الشرف العربي في ازدياد·· فليس أمام الشركات العربية الرسمية سوى تفعيل أنشطتها في عواصم القرار العالمي·· مع طلب الدعم من جامعة الدول العربية·· وهيئات الأمم المتحدة·· ومشورة وزارة الخارجية الأمريكية وتوابعها في لندن وباريس·وإذ فرغت جيوب العرب من الشرف·· يبقى السؤال الأهم : من يعيد لهذه الأمة المستباحة شرفها المنتهك ·· باسم السلام·· وباسم نوبل ؟