يتابع الشارع الجزائري بمختلف أطيافه، مشوار المنتخب الوطني في كأس العالم بالبرازيل بشكل غطى كليا على أبرز حدثين سياسيين تشهدهما الساحة، وهما مشاورات تعديل الدستور بقيادة أحمد أويحيى، وتحرك المعارضة ضمن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي. وتعيش الساحة السياسية في الجزائر حراكا غير مسبوق، منذ تسعينيات القرن الماضي، غير أن الحدث الرياضي طغى على كل الأحداث. ورغم أن مشاورات تعديل الدستور تدخل أسبوعها الرابع الذي يعرف مشاركة أحزاب من العيار "الثقيل"، سبقتها إلى قصر المرادية أحزاب وشخصيات سياسية وتاريخية، سبق لها وأن ثارت الجدل سياسيا وتاريخيا، غير أنه يبدو للمتتبع أن الشارع قد "طلق بالثلاث" السياسة وما قرب إليها من قول أو عمل، بشقيها، ما جاء من السلطة أو ما تحاول المعارضة بمختلف أطيافها تحريكه فيه، حيث يأبى المواطن البسيط إلا الرقص على إيقاع أهداف وتحركات أشبال المدرب حليلوزيتش في بلاد السامبا، ويرى مراقبون أن هذا الوضع سيطول إلى غاية نهاية بطولة كأس العالم بالبرازيل، خاصة وأن الجزائريين معروف عنهم ولعهم بكرة القدم. وتحظى مشاركة "محاربي الصحراء" في نهائيات كأس العالم بالبرازيل بصفته الممثل الوحيد للكرة العربية في هذا العرس الرياضي العالمي، بمتابعة كبيرة في البلاد من قبل الجماهير، ولم يقتصر الأمر على الشباب، بل حتى من فئات عمرية أخرى من كبار السن، وحتى سياسييهم، حيث كتب رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، عبر صفحته في الفايس بوك معلقا على فوز زملاء سليماني على الكوريين قائلا "كم نحن، الجزائريين والعرب، في حاجة للانتصار والفرح. فوز مستحق، كان لعب شبابنا ممتعا وجميلا. هنيئا لنا، هنيئا، هنيئا"، وأضاف "ورغم هزيمتها تبقى كوريا الجنوبية دولة متقدمة ومتطورة استطاعت أن تبني نفسها بعد الحرب العالمية وبعد حرب الكورييتين المدمرة، وبعد أن تغلب شعبها على الدكتاتورية في الثمانينيات، فهل سنصبح يوما ما مثلها، فهل ستصبح سوناكوم مثل هيونداي مثلا؟". كما يحظى المنتخب الوطني بعناية خاصة من أعلى السلطات، ممثلة في رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، حيث يكلف في كل مرة رئيس الوزراء عبد المالك سلال بنقل رسائل دعم للاعبين والطاقم الفني، آخرها الزيارة التي قام بها للمنتخب قبل مغادرته إلى البرازيل. وتأتي مشاركة المنتخب الجزائري في المونديال، وسط حراك سياسي داخلي غير مسبوق، وتجاذب بين السلطة والمعارضة ل«تحريك" الشارع الذي يدّعي الكل وصلا به وهو لا يقر لهم بذاك، حيث تجري للأسبوع الرابع على التوالي مشاورات تعديل الدستور بقصر المرادية. مع العلم أن المسودة تضمنت 47 تعديلا على الدستور الحالي مست خاصة تحديد العهدات الرئاسية في ولايتين، وتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة، وحق المعارضة في فتح نقاشات في البرلمان، إلى جانب ضمانات للحريات الفردية، وإجراءات لمكافحة الفساد. فيما أعلنت أغلب الأحزاب والشخصيات المعارضة رفضها المشاركة في هذه اللقاءات الخاصة بالدستور مع الرئاسة، ومن جهتها "تحرشها" بالسلطة من خلال تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي تضم أحزابا وشخصيات معارضة هي أربعة أحزاب، ثلاثة منها إسلامية، وهي حركتا مجتمع السلم والنهضة، وجبهة العدالة والتنمية، إلى جانب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية صاحب التوجه العلماني، كما تضم التنسيقية أيضا المرشحين المنسحبين من سباق الرئاسة، أحمد بن بيتور، رئيس حكومة أسبق، ورئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان. هذا ويبقى الشارع الجزائري بعيدا كل البعد عن هذا الحراك السياسي، ومترقبا لجديد وأبسط التفاصيل التي تتعلق بيوميات المنتخب الوطني بالبرازيل، وفي الوقت الذي تحسب كل من السلطة والمعارضة لتحرك الطرف الآخر ومحل إعراب المواطن من ذلك، يصر أنصار الخضر على حسابات الجولة الأخيرة من المجموعة الثامنة وترقب موعد مباراة روسيا. وبذلك يحقق "الخضر" ما فشل فيه الساسة من تحقيق الإجماع الوطني أو التوافق.