توقعت الباحثة السويسرية ايزايبل وينفرالس، أول أمس الخميس، حدوث انفتاح سياسي محدود في الجزائر خلال السنوات المقبلة، في محاولة من السلطة امتصاص آثار الأزمة المالية العالمية والمنتظر أن تضرب البلاد بفعل تراجع مداخيل النفط التي تشكل 67 من الموارد الجبائية للدولة الجزائرية. وقالت الباحثة في محاضرة لها بعنوان تشريح نظام الحكم في الجزائر ألقتها بفندق السفير بالعاصمة، في إطار النقاشات التي تنظمها جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية، في خلاصة بحثها حول آفاق النظام السياسي القائم حاليا في الجزائر، أن من الخيارات المطروحة أمام السلطة إنشاء ما أسمتها صمامات أي قنوات لتأطير المجتمع يضم حرية التعبير وإنشاء الجمعيات وأحزاب. وتساءلت الباحثة التي تشتغل بالمركز الألماني للدراسات الاستراتيجية والدفاعية، إن كانت هذه الصمامات موجودة عمليا في هذه المرحلة، وردت إيزابيل وانفرالس بالإيجاب، لكن سيفتح المجال أمام تنظيمات أخرى جديدة. والسيناريو الثاني -حسب الخبيرة السويسرية بالمركز الألماني للشؤون الإستراتيجية والأمنية- هو تفكك الوضع العام في البلاد وهو وضع خطير -تقول الباحثة- يعود غياب قوة حزبية أو اجتماعية تؤطر ذلك. وقالت الباحثة إن ما يخشى هو ظهور شرعية مضادة للشريعة الحالية مثلما حدث مع الفيس المحظور في التسعينات. والسيناريو الأكثر احتمالا -حسب قولها- هو استمرار الوضع القائم حاليا رغم صعوبة التحكم فيه، وفق قولها، حتى بعد رحيل الرئيس بوتفيلقة عن الحكم في غياب قوة منظمة قادرة على تغيير الأوضاع ممتدة في المجتمع. ووفق تحليلها، فإن النظام الجزائري قادر على إيجاد بديل للريع البترولي للبقاء، وأن النظام الجزائري يتوفر على قدرة كبيرة على التكيف وإعادة إنتاج ذاته معتمدا على الريع والشبكات المعقدة التي يتوفر عليها وخصوصا الأسرة الثورية وأتباع سياسة القمع تجاه المعارضة وكذا سياسة الاستقطاب تجاه قوى أخرى في المجتمع وخصوصا الإسلاميين والليبراليين. ورسمت الباحثة خارطة طريق لما يجب القيام به للخروج من الوضع غير المستقر الدائم في الجزائر لتحويل الأوضاع والقيام بإصلاحات يقودها رجل كاريزمي قوي وقيادة مشروع تشارك فيه كل القوى غير العنيفة بالجزائر، مع توفير ضمانات لما أسمتهم صقور النظام الجزائري والقوى المهينة بمنحهم تعويضات والقيام بعفو اقتصادي على سبيل المثال لضمان حفظ ماء الوجه لهم وضمان عدم مقاومتهم للتغيير، وهو ما نجحت فيه دول أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية. ووفق تحليلها، فإن الدول الغربية وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا لم تعودان منذ 11 هجمات 11 سبتمبر على وجه الخصوص مهتمتان بإنهاء التسلط ودعم قيام الديمقراطية في الجزائر فهي تفضل الاستقرار على الديمقراطية، مؤيدة الطرح القائل أن السلطة الجزائرية نجحت في تسويق الخطر الإسلامي وظهور طالبان في البلاد للحصول على دعم باريس وواشنطن. ووفق تحليلها فإن جذور التسلط في الجزائر مرتبطة بعدم وجود ثقافة سياسية غير ديمقراطية منتشرة لدى الشعب الجزائري، ما أخر التحاق الجزائر بالركب الديمقراطي، عكس دور أروربا الشرقية وأمريكا الجنوبية. ولاحظت الباحثة التي نشرت كتابا بعنوان إدارة اللااستقرار في الجزائر أنه نزوع للزعامة في الطبقة السياسية الجزائرية بمن فيهم الذين يحملون أجندات ديمقراطية. ومن نتائج بحثها الذي أعدته خلال 4 سنوات بالجزائر عايشت فيها الانتخابات المحلية والرئاسية في 2002 و4002 والتقت خلالها 041 من النخب الجزائرية من العسكريين والسياسيين ومسؤولين في الدولة ورجال أعمال ومعارضين، رفضها للتقسيمات التقليدية للنخب السياسية في الجزائر أي وطنية، إسلامية وديمقراطية ولائكية ودينية وفرانكفونية وعروبية أو اتصالية، فهو تصنيف بسيط -حسب قولها- واعتمدت تصنيفا جديدا للنخب في الجزائر هو الديناصورات الجدد والثوريون الجدد الذين يؤمنون بالتغيير عن طريق العنف الديمقراطي الراديكالي الإسلامي العصراني والإصلاحي الوطني. ومن خلاصات عملها عودة مؤسسة الرئاسة إلى مركز القرار في الجزائر وأن نظام الحكم في الجزائر ينقسم إلى ثلاثة دوائر رئيسية الأولى والمعروفة بالمقررين والتي تضم الرئيس وقائد جهاز الاستخبارات والثانية الوزير الأولو بعض الأثرياء والاولغارش الجدد الذين بنوا ثرواتهم خلال فترة الأزمة والدائرة الثالثة من النقابيين وبعض النواب والحركات الاجتماعية كالعروش. وفي تحليلها لما أنجزه الرئيس بوتفليقة لبسط هيمنة الرئاسة، توضح الباحثة أنه تمكن خلال سنوات حكمه من فرض حق الاعتراض على أصحاب القرار وساهم في إعادة الاعتبار للجزائر كفاعل دولي وإقليمي وساهم في الحد من مستوى العنف وإنشاء شبكة ولاءات متعددة، خصوصا الجهوية منها.