تلقى دعوة جبهة القوى الاشتراكية للمزيد من التوافق السياسي ما بين رموز الطبقة السياسية في بلادنا انتقادات حادة وسط قادة تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي تلقت ضربة قاصمة برحيل الأفافاس عن جبهتها وبقاء ظهرها عاريا من أي حماية كان الثقل التاريخي والسياسي لجبهة القوى الاشتراكية يوفره لها. وإذا كانت تنسيقية الانتقال الديمقراطي ترى في تشخيصها للواقع السياسي في البلاد أن الأمر بحاجة إلى تحرك فعال وقوي لتدارك ما تقول إنه فراغ في السلطة، فإن جبهة القوى الاشتراكية ترى عكس ذلك تماما، عندما تذهب باتجاه الدعوة للتوافق السياسي، وهذا في حد ذاته تجاهل لدعوة تنسيقية الانتقال الديمقراطي بوجود فراغ في منظومة الحكم ومؤسسات الدولة السيادية. والحقيقة أن كلا الجهتين سواء الأفافاس أو جماعة الانتقال الديمقراطي بحاجة إلى مخاطبة الشارع في البلاد، فقد أدار المواطن ظهره لكلا المبادرتين ولم يحصل أن نزلت الأفافاس أو تنسيقية الانتقال الديمقراطي لمخاطبة الشارع في البلاد، ذلك أن نقاش الصالونات تجاوزته الأحداث، والخروج من تلك الصالونات نحو المواطن يتطلب تجنيدا وشعبية كبيرة تبدو أكبر من قدرة الطرفين على تنفيذها أو القيام بها. ومن الواضح جدا أن الأفافاس وتنسيقية الانتقال الديموقراطي تعمدتا تغييب المواطن الذي انهمك في مشاكله اليومية ومطاردة الحلول الصعبة المنال، فالأحزاب المعارضة أو الموالية تفتقد إلى مشاريع يمكن أن تشكل قاعدة توافق عام لدى غالبية المواطنين، بل أنها تفتقد للغة سياسية سلسة يمكن أن تستقطب بها المواطن وتقنعه بالمشاركة الإيجابية في الفعل السياسي الجماعي، لذلك لن تجد مطالب الأحزاب السياسية في البلاد أي صدى لها لدى المواطن الذي يتجاهل هذه المناورات، ومن الصعب اليوم تحديد معسكرات كل طرف سياسي بشكل ثابت، بسبب حالة التغيير السريع التي تعتري مواقف تلك الأحزاب سواء كانت في المعارضة أو السلطة. لقد حاولت الأحزاب السياسية في أكثر من مرة توحيد جهودها لكنها فشلت أمام حنكة السلطة في التصدي لتلك المحاولات، المعارضة تريد أن تجند الشارع بطريقة فلكلورية، عندما تلقي بمبادراتها تجاه السلطة دون استشارة للقاعدة لكن سرعان ما تعود لمخاطبة الشارع متظلمة شاكية له رفض السلطة لكل الحلول والمبادرات وهو ما يدفع المواطن إلى تجاهل خطاب المعارضة التي يصفها بالمتواطئة، ونجد في مبادرة التوافق السياسي التي يروج لها الأفافاس شيئا مما نتحدث عنه، بينما تنسيقية الانتقال الديمقراطي فشلت هي الأخرى فشلا ذريعا في تجنيد الشارع حول المبادرة السياسية التي تدعو إلى مراجعة منظومة الحكم وهذا ما ترفضه جبهة القوى الاشتراكية التي ترى أن الأزمة تتطلب توافقا سياسيا بدلا من اجترار مطالب الماضي.