القصص في هذا الوطن وهذا ''الوهن'' الذي نحيا، تحولت إلى متتالية مجنونة بلا أس ولا أساس، عدا'' ساس'' وقاعدة أنه أصبح لنا في كل ''موقعة'' هزال وزوال· فالموت لأتفه وبأتفه الأسباب أضحى ''لا حدث'' أمام حدث تعايشنا معه كواقع لا فرق بينه وبين شرب الماء، كل يوم مأساة جديدة وكل يوم دموع والدة وحزن والد على فلذة أكباد، لم يعد يعني ''قبرهم'' إلا ذويهم· بصدق نخاف أن يستقيظوا يوما وأقصد ''رعاتنا'' وأولياء أمورنا، من ''أبراج'' حكمهم وقرارهم فيجدون مقبرة هي كل ما بقي من وطن، من لم يمت فيه بعضة كلب ''إنساني'' أو حيواني مات بصعقة كهربائية أو بخنجر متجول في نهار أو ليل رمضان، والفاعل كما تعرفون جميعا غياب حكومة لا تجتمع إلا على تشريع الضرائب والأتاوات ورفع نفقاتها برفع أسعار ''القبر''··لا يهم اسمه ولا رسمه والمهم أنه شاب لم يتجاوز العشرين من اللعب، مسقط ''قبره'' مدينة تلمسان، هوايته وهويته كرة قدم علّمه قوم ''سعدان'' أنها تعني الوطن والوطنية، ولأنه شغوف ب''الخضرا ديري حالة''، فإنه حلم بأن يكون يوما ''حالة'' من حالات ''الخضرا'' فكان عليه أن يدمن اللعب للوصول يوما إلى وطنية الكرة فيشق مستقبله من خلالها غير مبال بمآزر بن بوزيد التي تنازل عن لونها ''الأزرق'' في الموسم القادم، بعدما غلب اللون الأخضر على كل الألوان، ولم يبق لمستقبل هذا الوطن سوى ''سعدان'' يمارس الدجل الكروي في أعتى و''أعرى'' غزلانه، قلنا خرج ذو العشرين عاما من موته باتجاه ملعب، لا أحد يدري كم استهلك تسيجه من برامج التنمية والإنارة العمومية، وانخرط مباشرة في المباراة، وفي مرة لم يعد منها، ذهب ليسترد الكرة التي خرجت إلى التماس، وكان من سوء طالعه ولعبه أن يلمس السياج وهو يحمل الكرة، ليسقط صريعا ويغادر الملعب والحياة، ليس عن طريق بطاقة حمراء من حكم مباراة ولكن عن طريق صعقة كهربائية، وأين في ''السور'' الحديدي'' الذي يحيط بالملعب، ولكم أن تبحثوا عن تعليل كهربائي واحد، يفسر كيف انتقلت ''الكهرباء'' إلى سياج ملعب··الله أعلم ولكنها الجزائر أيها السادة، ولن يستغرب أي كان منا أن تصعقه الكهرباء وهو يحمل كتاب، أو رطل لحم هندي··فالأسلاك الكهربائية في كل مكان، والوضع كله بهذا الشكل المقرف واللامسؤول غير مأمون، ومكهرب ومميت فوق ما تتوقعون، فأرواح الناس أصبحت لعبة، وبعدما رسخوا في أولادنا بأن المستقبل و''الترفاه'' و''التفحشيش'' لعبة ''كرة'' هاهم يكهربون أسوار الملاعب وهاهي الصواعق تنهي رصيدنا حتى في لحظات اللعب··لا أدري كيف لوالدة فتى تلمسان، أن تستوعب وتمضغ وتتعايش مع فقدانها صغيرها بتلك الصورة الكاريكتورية، صورة جيل يتربص به الموت لأتفه وبأتفه الأسباب، صورة ''موت'' أفقدته الحكومة من خلال مسؤوليها أي معني للحزن وللبؤس وللعزاء، ليتحول إلى شيء عادي، يحدث عن طريق عض الكلاب، كما يحدث عن طريق السكتات القلبية، فعن طريق الصعق الكهربائي الموجود في ملابسنا وفي ملاعبا وفي برامج التنموية وإصلاحاتهم المتعددة و''المتعدية'' الأهداف··من المسؤول عن ''كهربة'' الوطن، ومن أفرغ ''موتنا'' من قيمته ومن آساه ومن معناه كمصيية، لم تعد تعني إلا قتيله لنعايش زمن ''إللي مات بات فيه''··هل يعرف من هم هناك حيث لا صواعق كهرباء ولا نهش كلاب أن ''برامج'' الدنيا كلها لا يمكنها أن تعيد البسمة لقلب أم لا تدري ولن تدري ما لم تصبها ''صاعقة'' كهربائية كيف مات ابنها بتلك الصورة الغريبة والشاذة؟ هل لكم أن تتخيلوا فخا وتهاونا في الحياة، أكبر وأعمق وأقذر من صورة شاب كان يداعب كرة في ملعب ''جمهوري'' ليجد نفسه في العالم الآخر، لأن والي تلمسان وحكومة سعدان الكروية كهربوا لنا الحياة كلها وكلنا عرضة للصعق السياسي والاجتماعي والرياضي··في منطقة أخرى، في هذا الوطن الصاعق والمصعوق، قرأت الخبر التالي، بصحف النعي الإعلامي لمجمتع بلا قبر مختزل الخبر، أن شابا اقتحم مركزا للأمن مطالبا بحقه في أن يدخل السجن، ولأنه لم يكن متهما ولا مطلوبا، فقد رفض طلبه، فما كان من صاحبنا إلا أن أخرج لهم من جيبه ''فارو كيف''··ليحقق بذلك أمنيته أمنية أن يسجن، عكس شاب آخر في العاصمة وقف أمام قاضي سيدي امحمد مدافعا عن نفسه من تهمة إصدار صك دون رصيد، كونه لم يمتلك يوما صكا ولا رصيدا ولكنه وقع ضحية لتشابه أسماء، ورغم أن الشاب إياه أثبت للمحكمة أنه في زمن الوقائع المذكورة وفي زمن إصدار الصك إياه كان عمره 15 سنة يعني ''ينكع في اصباعو'' إلا أن وكيل الجمهورية طالب بمعاقبته بكم شهر سجن ''؟؟''·· وبعبارة وعدل آخر فإن العدالة قالت ''معزة ولو طارت'' فالقانون هو القانون، والمتهم مدان إلى أن تثبت براءته· كما أن المواطن مصعوق إلا أن يثبت ''قبره''، فهل من برنامج لإعادة تأهيل الإنسان ككيان وكروح وكقيمة، وهل من مشاريع لإعادة الموت إلى سابق ''حزنه'' ومكانته، فالأمر بهذا الشكل المقرف، أصبح صورة كاريكاتورية أفرغت حتى ''الموت'' من معناه مادام حتى أسوار ''الملاعب'' التي وضعت لحماية اللاعبين من الشغب قد تحولت إلى أدوات صعق، ونهاية القول والهذيان، لن نطلب بمعاقبة من تسبب في مقتل شاب تلمسان المسكين، ولكن فقط نظموا لمسؤولي ولاية تلمسان بما فيهم واليهم مباراة اعتزال في نفس الملعب بذات السياج، حتى يستشعر هؤلاء كم هو مؤلم أن تحزن الأمهات في وطني على فلذات أكباد ماتوا، وليس في موتهم معنى··إلا معنى الصعق ومعنى أن الجميع كان غائبا حينما فقد فتى تلمسان شبابه وعمره و''لعبه''·