رشيد فيلالي ل"البلاد" الازدواجية اللُّغوية ظاهرة لغوية عالمية تتعرضُ اللُّغة العربية إلى عدة إنتكاساتٍ مُؤخراً، فقد ضاع ميزانُها القديم وأضحى ناطقُوها يُجيدون مُتعتهُم في الرطانة وتقليد الأمم الغربية، فهم لا ينظرون إليها إلاّ كمورُوثٍ من الماضي وجب الحجرُ عليهِ ضمن أدراجهِ القديمة، فيما غزت اللّهجاتُ المحلية المشهد اللّغوي وأضحت الغالب الأكبر. السّؤال الذي يتبادر إلى الذّهن في مثل هذا المقام يقول الباحث والمترجم رشيد فيلالي: "هل فعلا هُناك عامية جزائرية تصلحُ لكي تكون لغة قائمة بذاتها، في مقدورها أن تُواكب المسيرة الحضارية التي تعرفها الإنسانية وهي مسيرة سريعة وذات ريتم قوي يكادُ يعصف حتى بأكثر اللُّغات تقدمًا، على غرار الفرنسية والألمانية والروسية والإسبانية، ويُضيف "في اعتقادي أن من يقول بصحّة هذا الكلام وموضوعيته إما أنّه مُنقطع عن العالم الخارجي وهوبالتّالي يُعاني من مرض الوهم، وإما أنّه شخص مُتطرّف يريد أن يفرض رؤيته على الواقع بالقوة والتّعنت وهوبالتّالي مثل ناطح الصّخر إلى أن يهشم رأسه وعندها قد يستفيق ويعود إلى وعيه المسلوب". في الواقع هناك أدلّة علمية كثيرة جدًا، تؤكّد على أن الجزائري يكاد يكون حالة خاصّة ومتفرّدة من بين شعوب الأرض قاطبة، فهويتكلّم لهجة تعتبر خليطا هجينا ومحيرًا من عدّة لغات مجتمعة ومختلفة ومشوّهة، الأمر الذي يجعلنا على دراية تامة بأن ما نسميه العامية الجزائرية، لا يمكن حتى أن نطلق عليه المُصطلحات العلمية اللّسانية المعروفة وذلك باعتبار أن هذه العامية مزيجاً عجيبا من لغات عديدة متباينة ولا تنتمي لنفس العائلة اللُّغوية الواحدة، كما أنها مهشمّة ومسحوقة وقبيحة كليّة من حيث النّطق. وفي هذا الصدد يُؤكد رشيد بأن هذا لا يمنعُ من تثمين أعمال لغوية قيِّمة الأثر والنتيجة، ولعل من بين أبرز الجهُود العلمية المنصبّة حول رصيد العامية الجزائرية من الكلمات وأصولها والتي تستحق فعلا الاحترام هومعجم الدكتور بن شنب المعنون ب "الكلمات التركية والفارسية في اللهجة الجزائرية" . من جهة أخرى، وعلى غرار الكثير من الاستشهاداتِ، هناك بحوث علمية أخرى تندرج دائما في هذا السياق وهي كثيرة، منها قاموس محمد نزيم عزيري الذي أوضح فيه أن الدارجة الجزائرية تضمّ العديد من الكلمات الأجنبية، بحيثُ ذكر منها 500 كلمة من أصل إسباني وإيطالي، وطبعًا هذا رقم كبير ومعتبر في "لغة" تستعمل في الحياة اليومية ما لا يتعدَى نسبة 2000 كلمة في أقصى الأحوال، وإذا أضفنا إلى هذا الرقم الكلمات ذات الأصل الفرنسي وهي أيضًا كثيرة جداً والكلمات العربية التي تعدّ قاعدة أساسية للعامية الجزائرية، فماذا يا ترى يمكننا أن نسمي هذا "المزيج" اللّغوي العجيب والفريد من نوعهِ في العالم أجمع الغريب في الأمر أن بعض "المجتهدين" في هذا الاتجاه قد أصدروا حتى الآن خمسة قواميس مُزدوجة اللغة "عامية جزائرية فرنسية"، كما أن هُناك من ترجم رواية إكزوبيري "الأمير الصّغير" إلى العامية الجزائرية، ويوجد من أعدّ منهجية في تعليم العامية الجزائرية. من جهته يؤكد رشيد فيلالي وهوصاحب بحوث في اللغويات وأصلها أن هذه الإزدواجية التي تعيشُها البلدان العربية وهي ليست وحيدة في هذا المجال، تعود في الأصل إلى كون اللغة العربية بعد بلوغها أوّج العطاء والإبداع لمدّة قرون عديدة، عرفت فترة مظلمة من تاريخها دامت 400 سنة وهي مدّة الحكم العثماني تقريبًا في العالم العربي، الأمر الذي أدى إلى إنحطاطها وتفسّخها على شكل لهجات جهوية مُختلفة، وقد زادت الأميّة والاستعمار الذي فرض لغته بالقوة الوضع تدهورًا، مما أفضى في النّهاية إلى بروز هذه الظاهرة بشكل حادّ، مع كونها يضيف طبيعية جدًا وتعرفها كلّ اللغات العالمية تقريبا، مع التذكير أن مفهوم "اللغة الأم" يظلّ في جميع القواميس اللّغوية تعريفه قاصرًا ومُبهما فهوأحيانا لغة "الأم"، وأحيانا أخرى "لغة البلاد"، علمًا أن سُكان الضواحي بفرنسا من الجزائريين المذكورين خاصة صاروا يتحدثون لغة فرنسية جديدة، إضافة إلى بروز رغبة شديدة في تعلّم العربية الفصحى، حتى أن المتحدثين باللغة الأمازيغية يجدون صعوبة في ميدان التعليم كون العربية ليست لغتهم الأم".