"التركية" حددت سعر الساعة الواحدة أقل بألف أورو عن "الفائزة" بالعرض شركة مراقبة الطائرات تسجل عدة اختلالات وترفعها لمديرية الطيران المدني
تحصلت "البلاد" على وثائق رسمية تزيد من المخاوف السابقة التي طرحتها في الجزء الأول من التحقيق، حول قيام "الجوية الجزائرية" بكراء طائرة إسبانية عمرها يزيد عن 18 سنة، حيث إن هناك خطورة قائمة في الجانب الأمني المتعلق بسلامة أرواح الحجاج مما يثير كثير من الاستفهام والتخوفات، في ظل التعليمات الحكومية بعدم كراء طائرة يزيد عمر تحليقها عن 10 سنوات.
تحقيق: بلقاسم عجاج
لماذا رفضت "الجوية الجزائرية" عرضا من شركة أوروبية مصنفة رقم واحد على مدار 6 سنوات متتالية؟ وذلك على حساب شركة لديها معها سوابق "كارثية"؟ وكيف استطاعت أن تقبل طائرة عمر تحليقها 18 ساعة على حساب طائرة عمر تحليقها 9 سنوات؟ فهل باتت سلامة وأمن الحجاج في آخر انشغالات الشركة التي لم تستجب لتعليمات الحكومة؟ وعلمت "البلاد" من مصادر عليمة ومطلعة أن مسؤولي شركة الخطوط الجوية الجزائرية، وعقب نشر "البلاد" لتحقيق حول صفقة كراء طائرة من شركة اسبانية بمبلغ يزيد عن 8 مليون أورو لمدة ثلاثة أشهر، بداية من منتصف الشهر الجاري فترة نقل الحجاج الميامين تحججوا بعدم وجود عرض آخر منافس، مما اضطرهم لقبول العرض القادم عن طريق "وسيط فرنسي" اعتاد أن يتعامل مع "الجوية الجزائرية" وكان الشخص نفسه الذي قام بالوساطة التجارية لكراء الطائرة التي تحطمت في وغادوغو، سنة 2014، لغياب معايير السلامة الجوية وعدم جاهزية الطقم بسبب عمل الطيارين بنظام عمل جزئي.
عرض تنافسي يُهمش رغم أنه يضمن الأريحية للمسافرين وبأقل سعر..
ولكشف تفاصيل القضية التي باتت محل تردد مديرية الطيران المدني على مستوى وزارة الأشغال العمومية والنقل، حيث لم تؤشر المديرية، لحد الساعة، على الصفقة التي وقعتها المديرية التجارية بشركة الخطوط الجوية الجزائرية، تقصت "البلاد" حيثيات القضية، واكتشفت وجود عرض مغري من كبرى شركات الطيران الجوي بأوروبا، لكنه بقي "تحت الدرج" ! وكان هذا العرض يتوافق مع شروط سلامة الطيران الجوي ويتجاوب مع تعليمة الحكومة التي أقرت بضرورة عدم تجاوز 10 سنوات من أول سنة تحليق بداية الخدمة الفعلية لأي طائرة يتم كراؤها لنقل المسافرين، تبعا لكارثة "سويفت أير"، وأكثر من ذلك جاء العرض بأقل سعر وبطائرة أكثر أريحية، غير أن العرض قوبل بالرفض ولم يدرج كعرض تنافسي مما زاد في التساؤلات السابقة المطروحة والمتعلقة أساسا بما هو سبب وجود "وسيط فرنسي" لإتمام الصفقة؟ ولماذا اختيار طائرة عمر تحليقها 18 سنة- تقريبا ضعف السقف الذي حددته الحكومة؟ وفي السياق ذاته، تحصلت "البلاد" على وثيقة العرض الخاص بشركة الخطوط الجوية التركية، وهي شركة الطيران رقم واحد في أوروبا على مدار ست سنوات متتالية، حيث جاء العرض الذي تقدمت به "التركية" بتاريخ 20 مارس 2017، خلال المناقصة الدولية، بسعر قدره 6950 دولارا للساعة الواحدة وفي حال تجاوز الطائرة حجم ساعي للتحليق قدره 800 ساعة، تحتسب الساعة الواحدة ب 6750 دولارا للساعة الواحدة. في حين الشركة المتعاقد معها والتي نالت الصفقة حددت سعر الساعة الواحدة ب 7900 أورو وعند تجاوز عتبة 800 ساعة تحليق تحسب الساعة الواحدة ب 7800 أورو! بمبلغ إجمالي في حدود تفوق 8 ملايين أورو، وعرض التركية تضمن فارق 1000 أورو كاملة في الساعة الواحدة. أما عن نوع الطائرة فهي طائرة ايرباص 223/ 330 وأول سنة تحليق لها كانت في أوت 2008، معناه 9 سنوات، وهي لم تصل السقف المحدد من قبل الحكومة الجزائرية. كما وضعت "التركية" طائرتين اثنتين تحت الاختيار، فالأولى تاريخ تحليقها أوت 2008 والثانية في أول أكتوبر 2008، وهما طائرتان أكثر أريحية وأرخص سعرا وموافقتين للمعايير المطلوبة من قبل الحكومة في إطار السلامة الجوية لتأمين حياة الركاب.
رغم السوابق "الكارثية".. "الجوية" تفضل دوما الوجهة الإسبانية!
وما يزيد من غرابة الصفقة أنها رست على شركة إسبانية لديها سوابق "كارثية" مع شركة الخطوط الجوية الجزائرية، حيث إن تحطم طائرة "سويفت آير" بوغادوغو سنة 2014، أساء كثيرا لسمعة شركة الطيران الحكومية بعدما تناولت الصحف والمواقع الالكترونية والقنوات وجل وسائل الإعلام بأن الطائرة تابعة للجوية الجزائرية لأن الرحلة الجوية مسجلة باسم "الجوية الجزائرية". وبالمقابل، نجد أن العرض الذي لم يقبل كان أقل سعرا وبطائرة أكثر أريحية ومن طرف شرطة طيران أوروبية صنفت الأولى قاريا على مدار ست سنوات متوالية. كما أن هناك اتفاقية بين التركية والجزائرية تمكن المسافر من الركوب في طائرتي الشركتين، كما أن "التركية" لديها قواعد صيانة واتفاقيات صيانة عبر أغلب المطارات الدولية وكذا في جدةوالمدينة. كما تحصلت "البلاد" على قائمة جديدة أرسلتها الشركة الاسبانية، ضمت طقم ملاحي بينهم أربعة طيارين لم يحلقوا منذ 3 أشهر، وطيارين آخرين رخصتهم الطبية منتهية الصلاحية، بمعنى أنهم غير قادرين على التحليق في الظرف الحالي.
تقرير "فريطال" يطعن في جاهزية الطائرة
من جهة أخرى، حازت "البلاد" على وثيقة أخرى تعزز موقف وزارة النقل الممثلة في مديرية الطيران المدني الرافضة للصفقة لوجود عدة إشكاليات تشوب العقد المبرم بين "الجوية" والشركة الاسبانية وكذا الوسيط الفرنسي، حيث إن مديرية الطيران المدني وعن طريق هيئة المراقبة التي تستعين بها والمتمثلة في "فريطال" وهي شركة وطنية مهمتها مراقبة الطائرات تلقت بيانا تفصيليا عن الطائرة محل الصفقة وهي الوثيقة التي تزيد الشكوك حول الصفقة!
الشركة الإسبانية اشترت الطائرة عشية الحصول على الصفقة!
الشركة العمومية الاقتصادية "فريطال" وفي تقريرها المرفوع لمديرية الطيران المدني، أوضحت في النقطة الأولى: أن الطائرة اشترتها الشركة، في فترة وجيزة قبيل توقيع العقد، من عند شركة "مون أرك MONARCH-"، في فيفري 2017، معناه أن الشركة الاسبانية كانت متأكدة من الظفر بالصفقة قبل إجراء المناقصة الدولية.. وحسب ثاني نقطة في التقرير، فإن شركة "فاموس" لديها معايير صيانة متوسطة، "لا ترقى إلى المستوى المطلوب في نظام الصيانة"، حسب الوثيقة، ويضيف التقرير في ثالث نقطة: "العمال المستخدمين من قبل فاموس يعملون بنظام جزئي"، وهذه النقطة تخص عمال الصيانة والطيارين معا. كما اعتبر التقرير في رابع نقطة: "مناولو فاموس هم منظمات فعاليتهم غير واضحة التقييم في نظام الرقابة الأوروبي سافا SAFA"، حيث أفاد التقرير هنا أن النظام الأوروبي للرقابة لا يعطي تقييما واضحا بشأن الطائرة.
عمال الصيانة والتجهيزات: "لا يُسمح للطائرة بالتحليق خارج حدود إسبانيا"
وبشكل أكثر تفصيلا، فإن مخازن قطع الغيار ونظام تزويد الشركة بمختلف قطع الغيار، لا يسمح للشركة بالحفاظ على الطائرة في حالة قابلية للطيران خارج حدود اسبانيا، كما أن عدد عمال الصيانة (الميكانيكيين) غير كاف بالمقارنة مع عدد الطائرات المستغلة، حيث يعتبر قليلا وضعيفا ولا يسمح بالحفاظ على الطائرات في حالة قابلية للطيران خارج الحدود. أما عن الإمكانيات المتعلقة بالتجهيزات والأدوات الخاصة بصيانة الطائرة، فكشف تقرير "فريطال" أنها قليلة ولا تحقق الوفرة المطلوبة، مما لا يسمح بالاطمئنان على قابلية الطائرة للتحليق.
خبير "فريطال" يُعرب عن مخاوف صريحة تجاه خبرة الطيارين
وفي ملاحظة أخيرة شملها التقرير، فإن خبير "فريطال" يبدي تخوفا واضحا وصريحا بشأن مدى احتفاظ الطيارين وعمال الصيانة بنفس مستوى الكفاءة المطلوبة، نظرا للعمل بنظام جزئي وبعقود ذات مدة محدودة، ورغم ذلك فإن مسؤولي الخطوط الجوية الجزائرية يصرون على برمجة الطائرة في وقت لم يؤشر مدير الطيران المدني بالوزارة على الصفقة.
وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة، يبقى الجانب الأمني المتعلق بسلامة وأرواح الحجاج يثير كثير من الاستفهام والتخوفات، في ظل وجود طائرة تخالف المعايير المطلوبة من ناحية سلامة الطيران المدني. هذا، في وقت تحرص الحكومة الجزائرية على تحسين نوعية الخدمات من الناحية الاقتصادية والأمنية لفائدة المواطنين وبأسعار ملائمة، في ظل أزمة التقشف التي تمر بها الجزائر نتيجة تراجع أسعار النفط وتهاوي قيمة الدينار.
لماذا طائرة عمرها 18 سنة بدل أخرى لا تتجاوز 9 سنوات؟!
يشار إلى أن السلطات الجزائرية طالبت بعدم تجاوز عمر الطائرة 10 سنوات، منذ أول تحليق لها، غير أن هذه المرة عمر الطائرة يقارب ضعف المطلوب وهو 18 سنة كاملة بدل قبول عرض "التركية" التي لديها طائرة عمرها 9 سنوات، والسؤال المحير هو أنه نفس الشركة التي قامت بكراء طائرة "سويفت آير" نالت الصفقة هذه المرة، بالاشتراك مع رئيس مجلس إدارة شركة AVICO "أفيكو" الفرنسية، وهو نفس الشخص (مراد.م) ذو الجنسية المزدوجة الفرنسية التونسية، الذي كان وسيطا لكراء طائرة "سويفت آير" التي تحطمت سنة 2014 بوغادوعو.
ومن غرائب الصفقة، وجود بند يشترط على الجوية الجزائرية تكوين الطيارين وطقم التحليق للطائرة التي سيتم اقتناؤها. وما يزيد الاستغراب أن قبول التكوين تم بعقد لا تتجاوز مدته 3 أشهر! حيث إن الجوية الجزائرية قبلت بوجود طيارين لم يتعد معدل تحليقهم 400 و600 ساعة، حيث إن 4 طيارين من ضمن الفريق، لا تتوفر فيهم المعايير المطلوبة محليا وفق القوانين الجزائرية. في حين أنها تشترط على طياريها في الجزائر معدل ألف ساعة تحليق على متن ايرباص (330-200)، لتمكينهم من التحليق على طائرة من الطراز نفسه. وقد تحصلت "البلاد" على جدول الرحلات المبرمجة خلال شهر جوان الجاري، حيث ستشرع الطائرة التي تم كراؤها في أخذ وجهات نحو فرنسا بكل من مطاري شارل ديغول وأورلي بباريس ثم الشروع في رحلات نحو البقاع المقدسة لكل من جدةوالمدينة انطلاقا من مطارات الجزائر العاصمة ووهرانوقسنطينة.
المدير التجاري ل"الجوية الجزائرية" يفند: لم نتلق تعليمات من الطيران المدني لكراء طائرة عمرها أقل من 10 سنوات
تلقينا موافقة الطيران المدني لكل من فرنسا وبريطانيا والسعودية
سأله: بلقاسم عجاج فند المدير التجاري بشركة الخطوط الجوية الجزائرية، زهير هواوي، في اتصال مع "البلاد"، أن تكون هناك تعليمات صريحة من السلطات العمومية تمنع كراء طائرات يزيد عمرها عن 10 سنوات، كما قال "لا توجد وثيقة من مديرية الطيران المدني ترفض كراء طائرة عمرها يزيد عن 10 سنوات"، وأفاد المدير التجاري للجوية الجزائرية أنه لا يمكن إصدار وثيقة في هذا الإطار، بحكم أن غالبية الأسطول الجوي الجزائري يزيد عمره عن 20 سنة باعتبار أن هناك ما بين 15 إلى 20 طائرة من نوع بوينغ 737/ 200 تم شراؤها سنة 2000، موضحا "لا يوجد شرط يتعلق بعمر الطائرة، حيث إن طائرات الأسطول الجوي الجزائري لا تزال تحلق والمهم هو صيانة الطائرة"، مضيفا "لا توجد أي تعليمة من مديرية الطيران المدني تحدد عمر الطائرة التي يتم كراؤها". وقال المتحدث إن الشرط الوحيد هو إثبات إمكانية التحليق وفق المعايير المطلوبة من قبل هيئة الطيران الدولية، وأضاف "الطائرة التي تم كراؤها تخضع للمعايير الأوروبية وللطيران المدني الإسباني، وكل هيئة من واجبها أن تتابع كل كبيرة وصغيرة ورخص الاستغلال مع احترام المعايير". وفي السياق، أفاد هواوي "حصلنا على موافقة استغلال الطائرة من قبل سلطات الطيران المدني الفرنسي ونظيره البريطاني وحتى السعودي، حسب الوثائق المقدمة عن الطائرة"، كما قال إن الطيران المدني الجزائري وافق هو الآخر، بعد قيام فريق شركة مراقبة الطائرات "فريطال" بمعية فريق "الجوية الجزائرية"، موضحا "لا توجد نقائص ونستطيع القول إن الطائرة صالحة ولا توجد تحفظات". أما عن عرض الخطوط التركية، فأجاب المدير التجاري للجوية الجزائرية أن "التركية" عرضت طائرتين اثنتين بدل واحدة، بسعة 260 و350 راكبا على التوالي، أما الصفقة التي تمت فكانت مع طائرة واحدة، على حد قوله، موضحا أن "تعليمات الرئيس المدير العام للجوية الجزائرية تقتضي التخلص من التكاليف الباهضة، ولذلك رسا الاختيار على طائرة واحدة بدل اثنتين"، مضيفا "لقد قمنا بمجهود كبير لتقليص عمليات الكراء، حيث إن العملية كانت ستشمل طائرتين اثنتين في أول الأمر لكننا تحملنا المسؤولية". وكشف المتحدث عن غياب طعون من المشاركين في الصفقة مما يدل حسبه على أنه لا توجد اختلالات في عملية الاختيار، مؤكدا أن الصفقة تم دراستها من قبل لجنة مستقلة قبلت كل العروض، ولا يمكن لأحد التدخل في قراراتها بما فيها المدير التجاري، قائلا "لا يمكن أن أتدخل لتحديد على من تستقر الصفقة، وأضمن أن اللجنة عملت بكل استقلالية ولم أتدخل في شؤونها، فليس هواوي أو غيره من يختار بدل اللجنة المستقلة".