هي رسالة مفتوحة·· إلى فرعون لم يمت بعد·· وإن كان سيموت في يوم ما·· لم يتحول إلى مومياء·· لكنه سيؤول إلى مستحاثة بشرية تسجى في متحف التاريخ ·· ولو بعد حين·رسالة لا تحمل عنوان المرسل إليه·· ولا ينقلها ساعي بريد·· آمنة تماما·· ليس بداخلها مسحوق الأنتراكس·· غير مفخخة·· ولا تتضمن إشارة : سري للغاية·· واضحة للغاية·· وصادقة إلى أبعد الحدود· سيدي الفرعون·· مذ ولدتني أمي وأنا أسأل نفسي·· أيولد الإنسان منقوص المواطنة·· نصف إنسان·· أو بعض إنسان·· مهشم الروح·· مشلول العقل·· مقيد اللسان؟في صغري كنت ألعب كالأطفال·· ولم يكن لي علم أو اهتمام بألعاب الكبار·· وكنت أكبر·· ويكبر معي السؤال الذي يلازمني مثل ظلي: ماذا يعني أن تعيش مواطنا منزوع الحقوق·· مكبلا إلى عمود الممنوعات والعقوبات؟ سيدي الفرعون··في مملكتك الموشاة بأجساد المضطهدين·· تلك التي لا نملك فيها حيزا للبكاء·· كنت أفتش عن مكاني·· وأسال من حولي: هل يوجد لي هامش أملك الصراخ فيه·· دون أن أتهم بإثارة الفوضى·· وأملك أن أحرر فيه ظلي·· ليستقل عن ظلك؟لم يكن يجيبني أحد·· فظلك المقدس··الطاغي على كل شيء·· يسحب من الناس أصواتهم·· ويصادر صدى هواجسهم·سيدي الفرعون··فراعنة مصر الأقدمون·· شيدوا أهراماتهم بالحجارة·· وكانوا يطعمون عبيدهم خبزا وبصلا·· وأنت تشيد أهراماتك من جماجمنا·· وعندما نجوع تطعمنا العلقم·السحرة المحيطون بك·· يسترهبوننا·· أسواطهم تخيف أطفالنا·· وهمهماتهم تحيل العصي إلى حيات تلدغنا· سيدي الفرعون··في قصرك الفخم·· أنت تتحرك بمقدار·· وتتكلم بمقدار·· وتأكل بوصفة طبية·· ولا تنام حين تنام·· أنت مسجون في بيت·· وأنا محبوس في وطن·· تملك ألف حساب سري·· لكنك لا تملك شيئا·· تكدس ما تنهب منا ·· وعندما تحين ساعتك·· تترك كل شيء خلفك·· وترحل··!!انظر حولك·· تكتشف شعبا تنهشه الفاقة·· ويتسلى به الرعب·· وأطفالا ذوت طفولتهم·· وشبابا بغير أحلام·· ورجالا لا يجدون شيئا يعيشون من أجله·سيدي الفرعون··أنت لا تملك وقتا لتقرأ رسائلنا·· ليس لديك متسع لفعل ذلك·· فوقتك الثمين مبذول لسماع الملخصات الرسمية·· أنت لا تسمع الأنات المنبعثة من داخلنا·· لأنك محصن ضد صراخنا·· سدوا أذنيك بمضادات الإزعاج·· وألبسوك نظارات تزيح عنك كل الألوان القاتمة ·· أنت في عالمك الافتراضي·· غير ما نحن عليه في عالمنا الواقعي· سيدي الفرعون·· كم أنت ضعيف وهش·· تمرض مثل الناس·· وتخاف مثل الناس·· وتخشى الموت أكثر مما يخشاه كل الناس·· وحين تموت يدلونك في قبر كقبور أحقر الناس· لماذا تغضب لأتفه الأسباب·· وتثور وتفور·· أين قلبك الكبير·· الممتلئ عطفا على رعيتك·· أليس هذا ما تقرؤه علينا في خطبك·· ألسنا شعبك العزيز·· الذي تنتفض له مشاعرك الرقيقة حين يجوع أو يمرض·· أو لا يجد جدارا يأوي إليه · سيدي الفرعون·· كم مرة خدعوك وأوهموك·· وحين جد الجد·· فروا وتركوك·· زرعوا في رأسك أن الناس في مملكتك بخير·· وأنهم لا يجوعون ولا يمرضون·· ولا يبكون ولا يسخطون·· أقنعوك أنك مثل الإله·· معبود الجماهير·· تشربتك القلوب والعقول·· وأن هوى الناس من هواك·· وأنهم حين ينظرون لا يبصرون سواك·سيدي الفرعون··لماذا أنت نهم لا تشبع·· ألا يكفي ما لديك؟·· تقدم لك القرابين في فطورك وغدائك وعشائك·· ثم تستيقظ في الهزيع الأخير من الليل تطلب المزيد·· هم يناولونك خبز أجسادنا وأرواحنا·· وأنت لا تسأل من أين هذا؟ لم نسرق يوما حبة قمح من سنابل حقلك·· ولا انتزعنا حجرا من قصورك وقلاعك·· ولا نتفنا ريشة من أجنحة طيورك·· لم نتواطأ عليك·· ولم نحلم أنك مت وانتهيت·· فلم تصر على إدانتنا بغير تهمة؟ سيدي الفرعون··أنت لست قويا بما فيه الكفاية·· لتطغى علينا إلى الأبد·· وكما تدب الشيخوخة في أجسادنا·· ستخفر عميقا في جسدك· أنت تنكر عدل السماء·· وتتناسى أن موازين القيامة لا تفلت ذرة من جزاء·· ستوزن يا فرعون ولن تزن شيئا·· ستكون مرجوحا لا راجحا·· ويتعقبك الملايين في المحشر·· يطلبون القصاص منه·· فأين المفر؟ سيدي الفرعون··من طبعك أنك لا تقبل النصيحة·· ومن السخف أن ننصحك·· فتتهمنا بسوء الأدب·غير أننا نظرنا حولنا·· فوجدنا الجالسين على الكراسي·· ينصرفون عنها بلا رجعة·· فقلنا·· لعل في عمر الفرعون بقية·· فلماذا لا ينهض عن هذا الكرسي الملتهب·· ويأتي إلينا آمنا سعيدا·· فعندنا الكثير مما ليس عنده