الرطوبة العالية ودرجة الحرارة تحولان خيم المعرض إلى ”أفران” لا يزال الكتاب محافظا على محبيه والباحثين عنه في عصر انتقال المعلومة بسرعة الضوء، وعلى عكس تلك المقولات التي ترى أن الجزائري لا يقرأ· وخلال جولة قادتنا إلى معرض الجزائر الدولي للكتاب الذي تتواصل طبعته السادسة عشرة بفضاء المركب الأولمبي ”محمد بوضياف” في العاصمة، لمسنا شغف الزائرين الذين تحدثنا إليهم بالكتاب والمطالعة رغم تعدد وساط تداول المعلومة· وما شد انتباهنا هو الإقبال المعتبر للزوار بالرغم من مشقة الوصول إلى مكان التظاهرة، وارتفاع أسعار الكتب هذا الموسم مقارنة بالمواسم الماضية خاصة بالنسبة للإصدارات القانونية· وفسر لنا أحد العارضين المصريين هذا الارتفاع بكون المعرض في بداية أيامه، حيث يقوم الناشرون باختبار القدرة الشرائية للجزائريين، معبرا عن ذلك بالقول ”من الطبيعي أن تكون الأسعار غالية في أول أيام المعرض·· فنحن نختبر إمكانية القدرة الشرائية وبعدها سنقوم بتخفيضات قدر المستطاع”· وعدا هذا، عبر كثير من الزوار الباحثين عن الكتب العلمية والقانونية الجديدة في حديثهم إلينا، عن دهشتهم وعجزهم أمام كلفة الكتاب الموجه للطلبة الذي كانت وزيرة الثقافة خليدة تومي في افتتاحها للمعرض قد شددت على ضرورة الاهتمام به، فكنا نجد بعض الطلبة يمسكون الكتاب ويقلبون صفحاته ليعيدونه إلى مكانه بعدما يتيقنون أن سعره يفوق إمكانياتهم· وتراوحت أسعار الكتب القانونية مثلا ما بين الألف والألفي دينار جزائري للكتاب الواحد، فيما قدر سعر القواميس ب 1400 دينار على الأقل بجناح ”منشورات هاشات” الفرنسية، بينما لم تختلف كثيرا أسعار الكتب العلمية عن ثمنها خارج المعرض، أي في المكتبات· وسجلنا خلال جولتنا أيضا انقسام زوار المعرض إلى ثلاثة فئات، الأولى اتخذت من المعرض قبلة لها للتنزه والترويح عن نفسها بالرغم من ارتفاع أسعار الخدمات التي يوفرها المنظمون سواء الترفيهية أو في فضاءات الإطعام، وفئة أخرى تزور معرض الكتاب مرة واحدة لتشتري مجموعة من الكتب المختارة والمعينة بأسمائها، حيث تمثل هذه الفئة مجموعة من المثقفين والأدباء والمهتمين بشأن الكتاب دون التفكير في العودة مرة ثانية· أما الفئة الثالثة، وفق الملاحظات والشهادات التي جمعناها، فهي الطلبة وأصحاب المكتبات الذين يترددون على المعرض يوميا، فيراقبون انخفاض الأسعار و”يتصيدون” الكتب الدينية الأكثر مبيعا، ولا غرابة أن ينتظر الكثيرون عند مدخل جناح مكتظ أو يمضون الساعات وهم ينتظرون مدير الجناح للحصول على تخفيض مرض بمنطق التجارة والمرابحة· وتحتل الكتب الدراسية وكتب المقررات التعليمية قسطا وافرا من اهتمام هذا الصنف، لأنها، حسب البعض، تعد تجارة مربحة خاصة أننا نعيش أيام الدخول المدرسي والجامعي· وفي السياق ذاته، سجل معرض الكتاب في أيامه الأولى توافد فئة أخرى من الزائرين ممثلة في مجموعة من الشخصيات ”البارزة” لاحظنا وجودهم هناك وهم يختارون مجموعة من الكتب من بينهم رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام ورئيس المجلس الشعبي الوطني السابق كريم يونس الذي يشارك في المعرض بكتاب ”من نوميديا إلى الجزائر·· العظمة والقطيعة” الصادر عن منشورات ”القصبة”، ومدير المكتبة الوطنية عز الدين ميهوبي الذي يوقع كتابه الجديد ”ما لم يقله السندباد”، بالإضافة إلى مدير الثقافة لولاية تلمسان حكيم ميلود الذي وجدناه يتصبب عرقا حاملا مجموعة من الكتب في النقد الأدبي والفلسفة والشعر، وتساءل في حديثه إلينا عن نقص الدعاية التي كان لزاما، حسبه، أن تكون في مستوى معرض الكتاب الدولي، ليعبر عن اهتمامه الكبير بالمعرض رغم نقص الكثير من التفاصيل التنظيمية· زائرون وناشرون وجدوا أنفسهم داخل فرن بمجرد أن تطأ قدماك ”الخيمة” المخصصة ل554 دار نشر عربية وأجنبية وآلاف الزوار، حتى ينتابك شعور بالحر الشديد، فترى الغادين والآتين يحملون أوراقا أو مناديل، ويحاولون التخفيف من حر المكان دون جدوى بالنظر إلى أن ”الخيمة” عبارة عن بيت بلاستيكي عملاق ليس به منافذ للتهوية· وهنا عبرت لنا مديرة ”دار الآداب” اللبنانية رنا إدريس عن استيائها من مشكل التهوئة الذي تعيق نوعا ما نشاط الناشرين والزوار، ويدفعهم إلى الهرولة خارجا·