يبدو أن قصة الرضيع منيل بليدي أخذت أبعادا خطيرة، فمن تصدرها صفحات التواصل الاجتماعي ”فيسبوك”، وتحولها إلى ”قضية رأي عام” واعتبارها حملة اجتماعية حركت الآلاف من المتضامنين من مختلف جهات الوطن من المتأثرين بقصته وبضرورة علاجه، إلى بروز حملة مضادة أدخلت الشكوك في القضية، وتركت الباب مفتوحا أمام العديد من الأسئلة المطروحة، استفهامات دفعت ”البلاد” إلى استضافة الوالد لتقصي الحقيقة· بدأت القصة في الثاني من أكتوبر الماضي، عندما أقدم مولود بليدي على فتح صفحة في شبكة التواصل الاجتماعي ”فايسبوك” ليستعطف قلوب المحسنين من أجل التضامن مع ابنه منيل ذي الثمانية أشهر المصاب بمرض فقدان المناعة الحاد، وهو مرض يحرم الوالدين من أن يلمساه بسبب حساسيته المفرطة أي أن الجراثيم التي بإمكانها أن تنتقل منهما إلى الرضيع وتقضي عليه· ئ مسلسل الرضيع المصاب منيل بليدي لم ينته بعد، التسابق مع الزمن واللهث وراء من يمكنه مساعدة الأسرة التي سبق لها أن فقدت فلذة كبدها زكريا في السن نفسه وفي سنة ,2010 وبالمرض نفسه، وهي الوفاة التي أدخلت الأسرة في خوف وتوجس من فقدان الرضيع الثاني والابن الثالث من أسرة تتكون من منال خمس سنوات ومنيل ثمانية أشهر وزكريا الذي توفي العام الماضي· ما يتشبث به الوالدان أنهما لا يريدان فقدان ابنهما في سنة 2011 رغم إيمانهما بالقضاء والقدر ولكن مادامت هناك آمال في العلاج وبقدرة قادر بإمكان منيل أن يعيش في انتظار نجاح المحاولات واللهث وراء من يمكن الأسرة من نقل الرضيع إلى الخارج وإجراء العملية التي تكلف غاليا· يقول الوالد إنه طرق جميع الأبواب وما زال يطرقها ويبحث عن قلوب رحيمة بإمكانها أن تنقذ حياة رضيع، وبدأ مولود بليدي 36 سنة في صراع مع الزمن من أجل إرسال الرضيع إلى أي بلد أوروبي بإمكانه علاج الرضيع وإجراء عملية زرع النخاع العظمي، وهو ممكن لكنه باهظ الثمن مثلما يقول الوالد الذي اتهم أيضا أنه اختلق قضية ”منيل” من أجل كسب المال ومن أجل الرفاهية على رأي بعض الأشخاص الذين وصل بهم الأمر إلى حد إعطاء أدلة يراها مولود بليدي أنها كاذبة وخيالية بل ولا يصدقها عاقل· من يرمي فلذة كبده بالكذب من أجل المال؟ في البداية يجب أن نشير إلى أن ”البلاد” سبق لها أن تطرقت إلى قضية ”منيل بليدي”، القضية التي أسالت الكثير من الحبر حتى في بعض العناوين الصحفية في بلادنا بل و أصبحت بذلك قضية ”رأي عام”، ولكن في المقابل، هناك من الأشخاص من عاتبونا على الكتابة عن قضية خيالية كما راسلونا عبر موقع الجريدة للقول إن القصة ملفقة من أشخاص، لحد هذه النقطة الأمور كانت تسير نحو كلام عبر المواقع وعبر شبكة التواصل الاجتماعي، وهناك من أرسل حتى ”فيديوهات مصورة عن حفلات كانت تقام في قاعات فاخرة من أجل جمع التبرعات، وهنا بدأت الشكوك تحوم حول هذه القضية، من مبدأ ” الشك” الصحفي والإعلامي، الذي دفعنا لتقصي الأمر، بل وأكثر من ذلك واجهنا الوالد بتلك الاتهامات، حيث اتصلنا به عدة مرات واستضافته الجريدة، حتى نسمع ونرى ونقارن ونضع حدا لذلك الشك بل وأكثر من ذلك، اكتشفنا أن القضية هي حقيقية بل وأن الوالد رد عند طرحه سؤال يتعلق بأكذوبة صورها بنفسه بالقول ”من يرمي فلذة كبده وعمره ثمانية أشهر من أجل لمال؟”، ليضيف قائلا إن الابن موجود الآن مع الزوجة ولا يمكن لأحد أن يتصل بهما لأن أي ذرة غبار يمكن أن تأذيه، بل وأكثر من ذلك، رد قائلا وهو يبكي : ”ابني منيل لا يمكنه شرب الحليب المصطنع لأنه أيضا غير معقم مائة بالمائة ولذلك يجب أن ترضعه الأم، وبسبب الاتهامات والاتصالات تأثرت الزوجتي نفسيا ونقص منها الحليب وهذا ما سيهدد الطفل بالموت جوعا· أما بخصوص ما نشر عبر ”فايسبوك” قال المتحدث ذاته إنه لا يبالي بما ينشر واستعمل لغة الصمت حتى لا يدخل مع أشخاص في سجال لا خروج منه سوى السب والشتم وأكثر من ذلك أصبحنا لا ننام، لأننا لسنا فقراء، نحن متوسطو الحال ووضعنا المادي ميسور ولكن لا يمكن إجراء عملية جراحية قيمتها تتجاوز حسب الوثائق التي سلمها مولود بليدي ل”البلاد” 187601 أورو أي تقريبا مليارين سنتيم· وأضاف المتحدث إن هذا المبلغ لا يمكن توفيره حاليا وتدبيره دون تضامن من طرف المحسنين رغم أنه أكد أنه ليس فقيرا بل يريد فقط تضامنا من المواطنين وذوي القلوب الرحيمة لإنقاذ منيل· وبعملية حسابية ردد بليدي أن تكاليف قضاء منيل الرضيع ثلاثة أيام في مستشفى بفرنسا تقدر ب 2903 أورو أي ما يزيد عن 300 ألف دينار جزائري· مول التاج ويحتاج بهذا المثل الشعبي رد مولود بليدي على سؤالنا المتعلق بأنه ميسور الحال فشدد في إجابة مقنعة نوعا ما أن هناك نوعين من التضامن، النوع الأول يتعلق بأولئك الناس الذين لا يملكون قوت يومهم وهناك النوع الثاني الذي يتعلق بأولئك الناس الذين هم في حاجة إلى مساعدة لأمر طارئ وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي الجزائري ”مول التاج ويحتاج”· ولهذا السبب رفض والد منيل الرد على اتهامات واتصالات بعض الأشخاص الذين وصلوا حتى إلى شتم زوجته وطعنه في مصداقيته، مضيفا أنه إطار سام واستقال من البنك حتى يفتح شركته الخاصة في الاستشارات من ماله الخاص، مؤكدا أنه بإمكاننا أن نسأل عنه في البنك الذي اشتغل فيه سابقا والإطلاع على تقارير مستشفى ”باينام” أو بولوغين ومستشفى بني مسوس في مصلحة علاج الأطفال· وحصلت ”البلاد” على تقرير البروفيسور الدكتور بغريش مراد من قسم طب الأطفال ورئيس قسم الأطفال بمستشفى ”باينام” وهو التقرير الذي يؤكد صحة ما قاله الوالد وصحة مرض ابنه، كما أن هناك وثيقة أخرى خاصة بالبروفيسور جيجيك رئيس قسم المناعة بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، أيضا· 200 ألف أورو يعني أن أشتغل بأجرة 20 مليون شهريا للأسف كان الوالد يتكلم بحسرة عمن اتهموه باطلا، موجها لهم عتابا كبيرا ”من اتهموني باطل نوكل عليهم ربي”· بهذه الجملة رد الوالد على هؤلاء وطالبهم بمواجهته شخصيا بالقول ”إن كانت لديكم أدلة واجهوني بها ولا تعكروا حياتي، فهناك ”ناس الخير”، كما قال وهناك من يريدون إنقاذ ابني خصوصا بعد وفاة ابني الأول زكريا في سنة ,2010 فلا تحرموا والدين من نعمة الأبوة والأمومة، كما ردد عدة مرات· وفي سياق آخر أشار المتحدث إلى أنه لجمع مبلغ العملية الجراحية وقيمتها تتجاوز 200 ألف أورو يعني أنني يجب أن تشتغل في شركة تدفع له أجرا قيمته 20 مليون سنتيم شهريا دون أن يصرف منها سنتيما لمدة ست سنوات· وبهذه العملية الحسابية التي أجراها المتحدث أمامنا ردد قائلا: ”من الذي يشتغل في هذا المنصب بهذه الأجرة؟” كما أشار إلى أن من ألقاهم دائما ينظرون إلى ملابسي ويتفاجأون بأني أقوم بعدة دعوات من أجل إعانتي لإجراء عملية منيل، مضيفا أنه من أسرة ميسورة وتربى على أن يلبس جيدا وطبعا لا يمكنه بيع ملابسه وحتى وإن باعها قيمتها لا تساوي حتى ثمن أدوية أسبوع واحد، فضلا عن كونه لا يريد أن يدخل في هذه التفاصيل التي يراها غير هامة بالنظر إلى أنه اعترف بأنه ليس فقيرا بل يحتاج إلى مساعدة لإجراء عملية باهظة الثمن، ولو كانت ثمنها أقل بكثير لقام بها هنا في الجزائر وانتهى الموضوع، على حد تعبيره· حالة الطفل في خطر يعيش منيل بليدي في عزلة عن العالم خوفا من نقل أي جراثيم أو أية عدوى لأجسامهم الضعيفة لأنه يعاني من مرض فقدان المناعة الحاد وهو مرض جيني وراثي يصيب الذكور والإناث ويؤدي إلى وفاتهم في السنة الأولى من ولادتهم، ولكن للوالدين أملا في شفاء ابنهما رغم كل الصعاب ورغم الثمن المرتفع للعملية الجراحية التي تكلف أعين الرأس كما يقال· وتم عزل منيل في غرفة معقمة مع والدته التي تقوم بتعقيم نفسها في كل مرة حتى لا يختلطا بأي شخص إلى غاية أن يرفع الله عنهما هذا الداء، ولكن الوالد يصر على أن ابنه يحتاج إلى عملية جراحية· قال مولود بليدي إن إجراء عملية زرع النخاع العظمي عملية دقيقة يمكن لأخته منال وعمرها خمس سنوات أن يتم زرع النخاع العظمي باستئصال الخلايا الأصلية للنخاع العظمي منها هي لأن كل التحاليل تثبت أنه بإمكانها ذلك خصوصا أنه تحاليلها متطابقة مع أخيها· وأضاف أن الأطباء أجمعوا على أن الأطفال المصابين بمثل هذا المرض يتم علاجهم ثم يوضعون في قوقعة بلاستيكية وتتم متابعتهم شهرين على أقصى تقدير· الضمان الاجتماعي لم يسدد الفواتير في المستشفيات الأوروبية في النهاية أكد والد منيل أنه لجأ إلى دعوة ذوي القلوب الرحيمة لمساعدته بعدما رفضت بعض المستشفيات في أوروبا التكفل بابنه· في سياق حديثه ل”البلاد” قال والد منيل إنه أظهر سالة نصية عبر الهاتف النقال تلقاها من أحد مستشفيات فرنسا يقولون له فيها إنهم متأسفون على عدم إمكانية استقبال ابنه لأن الضمان الاجتماعي لم يسدد فواتير عدد من المرضى الجزائريين الذين عالجوا فيه· ومن الطبيعي أنه كأي والد لم يبق أمامه سوى التوجه إلى القلوب الرحيمة والمواطنين الجزائريين وحتى الأجانب الذين عرفوا قصة الرضيع ”منيل” ويريدون مساعدته· وكانت الحملة عبر ”فيسبوك” أسهل الطرق للتواصل بين الجزائريين وسمحت لوالد منيل بتلقي الآلاف من رسائل التضامن والتعاطف من المواطنين· كما أنه مر عبر إذاعة البهجة رفقة البروفيسور جيجيك وهي الحصة التي تلقت اتصالات من 300 جزائري تابع هذه القناة الإذاعية التي تجذب الآلاف من المستمعين في العاصمة وضواحيها· القصة لم تنته طبعا مادامت تكاليف العملية لم يتم جمعها بعد فتكلفتها تزيد على ملياري سنيتم· كما أننا ارتأينا أن نوضح للرأي العام شهادة الوالد مولود بليدي الذي ردد في النهاية أن همه الوحيد الآن هو علاج ابنه، حتى لا يلقى مصير ابنه زكريا المتوفي السنة الماضية· فهل تنتهي هذه القضية ومأساة أسرة؟