أسال الله أن لا يشفيني من الكتابة ولذتها كل الذين عرفوه أحبوه،و أدخلوه قلوبهم،وهو الماكث في أفئدة أجيال كاملة من الجزائريين ،أين تمكن وعبر سنوات طوال من رسم البسمة و إدخال الفرحة لقلوب الملايين من الأطفال عن طريق حصصه في الإذاعة الوطنية بمختلف قنواتها،و التلفزيون عبر العديد من حصصه هو الآن شيخ الذي يحتفظ بقلب العشرين، ناهز التسعين سنة، إلا أن قلمه اليافع مازال يدون الكثير ، صاحب ذاكرة قوية التي لم يقهرها الدهر مرة ،و لم تخنه أو تغدر به برهة ،عندما بدأ يعود بنا لحظة بلحظة نحو زمن بعيد و ماض مجيد، امتدّ به العمر، ولم يتوقف عن الكتابة والتأليف، صعب علينا اختزال هذا الرجل الذي لم يفشل رغم تقدم عمره و تراجع وضعه الصحي، لأن خفة دمه، و روح الدعابة التي لا تفارق مجالسه ثم إيمانه بقدرته على العطاء تجعله شابا مفعماً بالحيوية، صعب جدا اختزال ذلك المعلم المربي صاحب تلك النظارات المميّزة الذي لا يزال يتردد على المجالس و الملتقيات الأدبية ليترك خير الحديث يذكر من بعده لأن فكره دائم التجوال في سماء الإبداع تقاعد في وظائفه غير أنه لم يتقاعد مطلقاً عن المطالعة والكتابة المغروستان في في أحشائه، صعب علينا اختصار مسيرة صاحب الأطفال و صديق الصغار الذي علق في الأذهان باسم "جدو حقي" منذ عشرات الأعوام في بضع السطور و العبرات. الجزائرالجديدة زارت الرجل في بيته في احد أحياء القبة بالعاصمة ،و بصوته المبحوح و كرم استضافته استقبلنا الأديب عبد الوهاب حقي أين تقاسمنا معه السفر في ماضيه المترع بالكثير من الألم والأمل الكتابة قدري...ورثت وجعها الجميل عن أسرتي الحقيقة كانت أسرتي منذ الرضاعة حتى الوفاة مولعة بالكتابة، و بدلا من أن يبدأ طفلهم يمتص الرضاعة، يمتص قلما، فالوالد رحمه الله كان مولعا جدا بالشعر، و كان مغرما بالمطالعة ، استطاع أن يؤسس مكتبة خصوصية له في المنزل، و كانت وقتها –في الثلاثينات- بمثابة معجزة، و بعد وفاته عليه رحمة الله، ترك لي المكتبة و كان يقول دائما للأخوة و الجيران"هذا الأديب الصغير الذي سيملئ الحي" يقصد الحي الذي كنا نسكنه، و فعلا كنت مغرما بمطالعة الكتب عكس بعض إخوتي و أبناء الجيران، الذين كانوا أعداء للكتاب، الذي كان بالنسبة لهم بمثابة "فرجة"، يتسلون بها ثم يقطعونها و يتلهون بأوراقها، و إما أن يكتفون بشراء الكتاب مرغمين، إما بأمر المدرسة أو الوالد. نشأت بين الكتاب و القلم بحيث كنت لا أستطيع أن أمشي بالشارع و أرى كتابا دون أن أمسه إما أن أشتريه أو أتفرج عليه، و بعد ذلك ابتدأت أقتني الكتب، و أشتري كل كتاب يمر بي، أو أمر به، حتى لقبوني ب" أبو كتاب"، بدلا أن ينادوني "أبا فلان"، و كان إخوتي يتذمرون من هذا اللقب، بينما والدي رحمه الله كان يفاخر به، و كان يصيح عند عودتي إلى المنزل "جاء الكاتب، جاء الكاتب"، أما في المدرسة فقد كان موضوع إنشائي هو المثالي، و هو الذي يفرضه الطلاب على أنفسهم كأول موضوع يقرأ مهما كان، و هكذا بدأت الإشاعات تسبقني بأني "كاتب المستقبل"، و لم أترك هذه الفرصة تفوتني، بل عملت بها ليلا نهارا، بالشارع و بالمنزل، بعدها انطلقت بجمع القصص محاولا منها تأليف كتيب إلى أن صرت مولعا بالتأليف، حيث بدأت وأنا في المدرسة الابتدائية عند "الطالب"، أي المعلم الخاص، أتذكر وقتها أن تقدم مرة والدي نحوي و قال لي"إنك كاتب و مؤلف، فلماذا لا تبدأ بتأليف الكتب، و أنا شخصيا أمد لك يد العون كاملة"، و فعلا كان يعينني ماديا، ومعنويا، و تجرأت بعدها يوما و كتبت قصة نسيت للأسف اسمها، و قلت عنها إنها الباب الأول للتأليف بالنسبة لي، و سوف أنتج كتابا من تأليفي و من أفكاري الخاصة، ووجدت حينها التشجيع من إخوتي الكبار عليهم رحمة الله، و من وقتها و إلى غاية اليوم رغم سني الكبير الذي يقارب التسعين سنة، و أنا مولع بالمطالعة و قراءة الكتب، و قد أترك التأليف مللا و ليس عجزا، و ستجديني دائم الفخر و العزة لو بدأت بتأليف كتاب جديد، لأن في مخيلتي دائما مشروع كتاب، الأفكار تحضرني في كل وقت و حين، إما أن تأتيني عشوائيا، و إما أن أخترقها، و إن اللحظة، و أنا أحادثك يدور في ذهني مشروع كتاب للأطفال، يخص تجاربهم و أعمالهم التي يمارسونها بين أحضان الأسرة، و مختلف الاهتمامات التي يتلقاها ،و الطفل وهو في الشارع أو بين أحضان والديه و أسرته، هذا بهدف التقرب أكثر من عالمه و التعرف على اهتماماته منذ نعومة أظافره، ثم نعمل على إذاعة هذه الأفكار بين الأطفال و ذلك بنشر كتب معينة يشرف عليها مختصون بتربية و تنشئة الطفل. أريد ترك بصمتي في هذه الحياة غضبي من التوجهات الفكرية لدى المبدعين في الكتابة ،و بالخصوص المؤلفين لأن أكثرهم يتوجه نحو الجهة الخطأ، عكس ما أحب و أبغي، فمنهم من يرى أن الكتابة يجب أن تنبثق عن التجارة، و أنا فأعتبرها ثقافة ليس إلا، و هدفي هو ترك بصمتي في هذه الحياة بما ينفع الناس، لذا كانت كتاباتي هكذا، كما أن الكاتب المتمكن الذي ترعرع بين أحضان القلم و الورق لا توقفه تلك الشكليات عن الكتابة في مختلف الأجناس خاصة و أني كرست حياتي منذ الصغر في القراءة و الكتابة. أكثر من 300 كتاب والبقية تأتي يضيف الأستاذ ،وحبيب الأطفال إن أهم ما يشبع رغباتي هو المسرح الطفولي، فلديّ العديد من مسرحيات الأطفال التي تخدم أدب هذه الفئة، الذي من الواجب أن تكون الكتابات المخصصة له، كتابات موجهة نحو الطريق السليمة، حيث تصل الغاية إلى مكانها، فمن المهم جدا الوصول إلى مبتغاة الطفل الثقافية و إيصال أعماله إلى ما يجب أن تكون عليه، وبما أنني نشأت كاتبا مسرحيا، فقد إنغرست تلك الأعمال في نفسي، و صارت هوايتي التي لا أتخلى عنها، لأنني أمتلك الكثير من الأفكار المسرحية التي تخدم الطفل و أدبه. هذه قصتي مع البطلة جميلة بوحيرد يعترف محدثنا أن مسرحية جميلة بوحيرد كانت نقطة تحول على عدة جهات، أولا لأن جميلة جزائرية، و أنا أحببت الجزائر و أسهمت في نضالها بقدر المستطاع، لذلك أصبحت أسعى لتسمية أسماء الكتب، و غيرها بأسماء الوطنيّين الذين شدّوا اهتمامي، و كان في الطليعة، جميلة بوحيرد التي استهوتني كثيرا، ولذلك عملت معها ،و ألفت مسرحية "جميلة بوحيرد" الذي أفاخر به كل الفخر، و هو عنوان الوطنية من جهة، و حب العروبة من جهة أخرى، لذلك فضلت أن أخلّد هذه الحجرة الأولى من حياتي في وجه العلم و المتعلمين ،و أخذت أكتب فكانت ثمرة ذلك مسرحية عن البطلة البارعة "جميلة بوحيرد" التي هزّت وجدان سكان دير الزور ودمشق، و كان حينها ذاك الكتاب الأول من نوعه بالجزائر. عن تجربة 11 سنة بالإذاعة و التلفزيون جدو حقي يتحصر.. بتحصر كبير يتذكر السنين التي قضاها في الإذاعة و التلفزيون، و يصرح عملت مدة 11 سنة ببرامج الأطفال و قدمت كل ما يليق ،و يستوفي المطلوب غير أنني أقصيت، و حاول وقتها جميع العاملين معي التدخل مستنكرين المواقف المضادة لي دون جدوى، أبعدت عن التلفزة و الإذاعة الوطنيتين، و ذهبت كل محاولاتي لإصلاح ما فسد، مع ذلك كنت أعيد المحاولات لكن بدون فائدة، فكلما حاولت مجددا زادت العثرات. وعن اشتغاله على أدب الطفل وتخصصه فيه يؤكد أن منه تنبثق الكتابة الصحيحة على كل من يريد أن يكتب للأطفال، يجب أن يلج عالم الطفولة من ألفه إلى يائه، و أن يكون الكاتب للطفل متميزا ومنغمرا في تعاليم الكتابة الخاصة بعالمه، حتى يستطيع أن يقدم للأطفال ما يستحقون من عناية واهتمام . يقول:لا يوجد لدي وقت و مكان معين للكتابة، فهي فلتات طائشة تخرج من بين الحشى إلى عالم التأليف، فالكتابة تلازمني ليل نهار ولا تفارقني وبخاصة في أوقات فراغي، و أنا الآن أهيئ بعض الأعمال الكتابية لعلي أجد حيزا ليفسح لي المجال مجددا. الجزائر منحتنا كل شئ عن علاقته بالجزائروطنا وملاذا يرى أن الكتابة للوطن الجزائري بالخصوص إبّان الثورة التحريرية المظفرة تعتبر وثبة وقفزة نوعية للأدباء استطعنا أن نقفز منها إلى العالم الأدبي، و لكل عصر فئة معينة تنتمي إلى ممارسة الأدب بنوعيه، و نحن اليوم مازلنا نفاخر بوجود بعض العناوين الثقافية الرائعة. آه سوريا....آه "دير الزور" يؤكد عبد الوهاب حقي "إني و منذ نشأتي و أنا أعتز و أفتخر بأنني أحمل أقلاما و أفكارا عربية تخدم الوطن العربي عايشت الأنظمة السياسية التي مرت بالوطن العربي عامة، و السوري خاصة، و عرفت أن المواطن العربي غيور على وطنه ،و نشأته لاسيما إذا كان له بعض المناشط الثقافية التي من خلالها يستطيع أن يترجم هواجسه بأعماله الفكرية، و الحقيقة أن المشهد الثقافي السوري لم و لن يتغير منذ قرن أشير إلى أن سوريا و شعبها بصفة خاصة هو شعب عربي مشبع بالوطنية و النضالية منذ الولادة، المدافع و المهتم بمستقبل فلسطين،و نحن كعرب نطالب أن يحذو كل العرب حذو الرؤية السورية الأدبية منها و الفكرية ليحافظوا على مستقبل فلسطين كما تفعل سوريا بكل فخر، و كل السياسيين ينظرون إلى الوطن العربي على أنه ألعوبة في يد إسرائيل التي قاومتها سوريا كثيرا ولاتزال لذلك فالنظام السوري يدفع ثمن مساندته العلنية والقوية لمختلف فصائل المقاومة وراء الربيع العربي الكثير من الشر الربيع العربي عبارة عن تسمية مضللة وواجب المثقف الواعي أن يستمر في المقومة بمختلف أشكالها والتخندق مع قضايا الامة وفي مقدمتها قضية فلسطينالمحتلة لست راضيا عن مسيرتي؟؟؟ الأديب، الروائي، المسرحي السوري صاحب الجنسية الجزائرية عبد الوهاب حقي، تقلد عدة مناصب، و كان عضوا باتحاد الكتاب العرب في دمشق، وعضو اتحاد الكتاب الجزائريين، وعضو منتدى الفكر العربي الجزائري ، و عضوا بجمعية الجاحظية، وعضو جمعية الدفاع عن اللغة العربية ، بعد أن استسمحناه عن الوقت الكبير الذي خصصه لنا وتكبده عناء الألم الذي كان ملازما له طيلة وقت الزيارة، قال في الأخير أنه غير راض بتاتا عن مسيرتي الأدبية لأنها في منحى الكسل، و مازالت لديه اهتمامات و مبادرات كثيرة يرجو و يأمل كثيرا في أن يوصلها إلى بر الأمان مليكة بن خليل