توفي الصحفي والمفكر والسياسي الطاهر بن عيشة، أول أمس، بمستشفى الدويرة عن 91 سنة، بعد فترة طويلة على فراش المرض. استطاع الطاهر بن عيشة الذي تكون بجامع الزيتونة بتونس، أن يصنع لمساره مكانة جعلته من أبرز قادة ثورة نوفمبر بالمنطقة الأولى، واكتسب عمدة الصحفيين الجزائريين، والأدب النقابي والحركة العمالية، وكذا الفكر الإشتراكي. ولد الطاهر بن عيشة سنة 1925 بقرية "قمار" بولاية الوادي، وأتقن اللغة والحساب من كتّاب القرية، وفي سنة 1942 التحق بجامع الزيتونة الذي أمضى فيه سبع سنوات، تلقى خلالها اللغة والآداب والشعر وعلوم الشرع. بعد عودته من تونس، انضم إلى حزب الشعب الجزائري ومارس الكتابة الصحفية قي مجلة "عصا موسى" المعارضة. تعرّف الجزائريون إلى الطاهر بن عيشة من خلال حصص تلفزيونية يروي فيها تاريخ البلدان الأوروبية التي زارها، ويروي تاريخ الأندلس والعثمانيين، وكان باحثا في الحضارة الإسلامية في تلك البلدان حتى أوصلته الأقدار إلى روسيا، وبلدان إفريقية، وآسيوية. وفي الجزائر بدأ رحلته من جرجرة التي قال عنها بإحدى حصصه التلفزيونية "ونستمر في رحلتنا عبر بلاد جرجرة، بحثا عن تراث الإسلام وحضارة الإسلام، وما أكثر مظاهر الإسلام في هذه البلدة العريقة، بين هذه المظاهر المرأة الصالحة لالة خديجة". وقد أولى الباحث بن عيشة اهتماما كبيرا بالتراث من خلال حصته التلفزيونة "حراس التراث". جمعته صداقة متينة بالأديب الراحل الطاهر وطار، حيث كان يطلق عليهما لكثرة ملازمتهما البعض "الطاهران" غير أن صداقتها شرخت بعدها، وكان بن عيشة أيضا أقرب الأصدقاء للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، هذا الأخير الذي لقبه لشدة انتقاده وعدم خشيته من قول الحقيقة "إمبراطور النميمة"، حيث قال "كنت أظن نفسي ملك النميمة في الدنيا لكنك إمبراطور النميمة يا بن عيشة". يعتبر الراحل أكبر مدافع عن اللغة العربية، حيث قال إنها "حفظت تراثنا الحضاري والفكري والديني والآن تم تضييعها واستبدالها بلغة المستعمر التي انتشرت في كل مكان". لم تصدر لبن عيشة مؤلفات، لكن حضوره كان بارزا، اكتسب الكثير من الكتب التي طالعها، فهو صديق حميم للكتاب، وكان يسجل تحت كل كتاب تعليقاته الخاصة، كما كان ملمّا بالمجال الفني والأدبي والديني والفلسفي، وقد تخصص أيضا في الفلسفة والأنثروبولوجيا، وبقوة في تاريخ الجزائر وثورتها المجيدة ولم يصمت على أي معارض لها أو الذي ادعى زورا المشاركة فيها. وفي حديث ل"الجزائر الجديدة"، قال المختص في علم الاجتماع بوزيد بومدين، إن الطاهر بن عيشة "محاور لا يقصي الآخرين"، رغم انتشار النظرة الخاطئة التي انتشرت عنه حيث كانوا يصفونه بالعنيف والمتطرف في معارضته، وكانت له نكت ودعابة بينه وبين العلماء أمثال الشيخ أحمد حماني والذي قال له في مناظرة "هناك رجلان ينسبان إلى أمهما، عيسى بن مريم، والطاهر بن عيشة". وأضاف بومدين، إن الجزائر قد استفادت من تحقيقاته حول الحضارة الإسلامية ببلدان إفريقية وأخرى سوفياتية، على غرار كازاخستان، وبوخارة، وهو على عكس غيره من اليساريين لم يعاد الدين، فهو يساري في السياسة لكنه لا يتعارض مع مقومات مجمتعه. وقضى الراحل بن عيشة آخر أيام حياته في أداء الصلاة والنوافل، بالإضافة إلى زيارته للبقاع المقدسة. من جهته، قال الدكتور أرزقي فرّاد، إن المثقف الكبير الطاهر بن عيشة ترك بصمة في ثقافتنا وتاريخنا المعاصر، فهو من المثقفين الكبار الذين رافقوا شبابي ولقد برهن أن التنوع الثقافي يأتي من خلال عدم تطابق الأفكار، ولا يمكن الإنكار أنه كان اسما كبيرا، على الأقل في الثقافة. وقال رئيس جمعية الكلمة للثقافة والإعلام الإعلامي عبد العالي مزغيش، إن الراحل كان قامة ثقافية وفكرية لا غبار عليها، وقد كان في الأشهر الأخيرة مصابا بالزهايمر، وقد أخبره ابنه حيدر أن وصيته الأخيرة قبل وفاته هي دفنه في مسقط رأسه بمدينة قمار بوادي سوف. وتابع عبد العالي مزغيش، أن جمعية الكلمة للثقافة والإعلام قد كرمت الطاهر بن عيشة في بيته في ماي 2011، من خلال زيارة مفاجئة شارك فيها شعراء موسيقيون وإعلاميون وطلبة. مع المرحوم الطاهر بن عيشة، كما حضر الراحل في أوت 2012 الذكرى الثانية لرحيل الطاهر وطار التي نظمتها جمعية الكلمة، في سهرة رمضانية بالمركز الثقافي عزالدين مجوبي.