التقيت منذ أيام بوسط المدينة مع أحد الفنانين الشباب، وسألني عن وجهتي فأخبرته بأني سأقصد المسرح الجهوي ثم قاعة السعادة لأطلع على البرامج المسطرة للأطفال بمناسبة الاحتفالات المخلدة لثورة الفاتح من نوفمبر. آلمني ما سمعته من هذا الفنان المسرحي الذي تفَّهَ لي كل الأنشطة الطفلية المنتظمة لأحياء هذه الذكرى، وعقّبت عليه محاولا إفهامه بأني دائما أستغل هكذا أعياد لأحضر ولدي وأرافقه في جولة إلى قلب المدينة، ثم نتابع سويا نشاطا ثقافيا أو فنيا، ويكون في الغالب عرضا مسرحيا. لم أستسغ إصرار محدِّثي لصرفي عن وجهتي، بل وإلغاء ما في رأسي من مخطط لفائدة ولدي في هذه المناسبة الوطنية التي تزامنت مع عطلته المدرسية. صرحت له بهذا التساؤل المكتوم، فكانت إجابته أقبح من ذنب، إذ حسبت أن هذا الفنان الشاب الذي يمتهن الفن المسرحي لإمتاع وتعليم الأطفال سيكون أحرص مني على ولدي وأطفال المجتمع، من خلال غرس حب الوطن فيه، وتربية الذائقة الفنية لديهم وحثِّهم على الجد والكد في دراستهم، والمداومة على مشاهدة العروض المسرحية التي تعلمهم وتكونهم وتربيهم، بل وتفطرهم على عشق الجَمال، والتطلع إلى القيم النبيلة التي افتقدناها في مجتمعاتنا نتيجة الإغفال المتعمد لدور المسرح والفنون في إغذاء وتنمية نفوس فلذات أكبادنا وتشجيعهم وتحفيزهم، لتحضيرهم قصد معايشة معترك الواقع في المستقبل القريب. تحول حواري مع الفنان الشاب إلى جدال حامي الوطيس، إذ لم يحترمني كمحاور أكبره سِنًا، فضرب بكلامي عن الوطن وضرورة تربية أبنائنا على تقديس رموز ومعاني ثورة نوفمبر عرض الحائط، وقال لي: كيف يكون ذلك مني، وأنا الذي فقد كل شعور تجاه المناسبات الوطنية. لم أجد ما أعلق به على بؤس كلام هذا الفنان سوى أني دعوته إلى الركون إلى الراحة، والتفكير في حرفة أخراة غير التمثيل للأطفال، وإنّه إن لم يفعل فسيكون تمثيله على الأطفال وأوليائهم وعلى الفن، الذي يشترط فيما يشترطه على معتنقيه الخُلَّص: الصدق والمحبة والوفاء...