لقد أعجبتني كثيرا العبارة التي دونها أعضاء لجنة التحكيم للمهرجان الوطني للمسرح المحترف في دورته ال13 على حساباتهم الشخصية عبر الفايسبوك عقب الحرب الكلامية التي شنها ممتعضون من نتائج المنافسة الثقافية. «الهدف من تقييمنا الموضوعي للعروض المسرحية الثمانية عشرة هو الرقي بالمسرح، وليس لتكريس الرداءة والإصرار عليها». كم هي قوية هذه الرسالة و تحمل دلالات مباشرة بين سطورها على أن هناك عزيمة على تغيير ما يجب تغييره تنضج و تتشكل مثلما يتشكل تماما الجنين داخل بطن أمه ، إلى أن يحين وقت وضعه. و بعيدا عن الأم و حملها ، فإن الولادة المنتظرة من هذه الإشارات الاستباقية بالنسبة لنا هي في حقيقة الأمر إعادة ولادة أو ولادة ثانية إن صح التعبير لتجربتنا المسرحية التي كانت رائدة في زمن غير بعيد ، هي السكة الصحيحة التي سيوضع عليها قطار مسرح لم يجد لحد الساعة معالمه، مسرح ظل حبيس ذهنيات تكرس الرداءة و تصر عليها، مسرح طوقته قبضة المحاباة و الجهوية و حتى المتاهات الحزبية، مسرح يزداد بعدا عن جمهوره و عن المحافل الدولية ، مسرح غاب عنه التكوين و غلب عليه الارتجال والعشوائية و الاستسهال. إن أعضاء لجنة التحكيم الموقرة في ردهم الجهنمي على من عبروا عن امتعاضهم الشديد عن النتائج التي لم تنصفهم، و اعتبروا أعضاء اللجنة في غير مستوى تطلعاتهم، أسسوا علنا و لو على صفحات التواصل الاجتماعي لبداية نهاية عهد الرداءة التي للأسف الشديد لم تسلم منها حتى مسارح الدولة التي ظلت ترتجل في إنجاز المسرحيات ومسابقة الزمن للمشاركة في المهرجان وفقط، و كأن الهدف المسطر من هذه المؤسسات الثقافية هو المشاركة في المهرجان لتبرير الأموال الضخمة التي تمنحها الدولة من أجل النهوض بأبي الفنون. و في بعض الأحيان تستغل هذه الأموال في إعادة إنتاج أعمال مسرحية قديمة و رديئة و لا ترقى للمشاهدة. و على عكس ما أحدثته لجنة تحكيم الدورة ال13 من لغط بين مؤيد ومعارض لقراراتها ، فهل لجان تحكيم الدورات الماضية لمهرجان المسرح المحترف لم تجد الجرأة لوضع الإصبع على الجرح؟، أم أن معايير المحاباة كانت هي الفيصل في قراراتها غير العادلة؟ أم أن أعضاءها لم يكونوا في مستوى التطلعات ؟ مما يضع جل الفرق المتوجة سابقا في خانة الشك في مستوياتهم الحقيقية . و بعيدا عن المثل الشعبي القائل «اللي فات مات» ، الماضي سيبقى حيا بيننا ، نستعيده كلما احتجنا إليه لنصحح أخطاءنا. و لأن الصواب هو خطأ تم تصحيحه، فيجب أن نستفيد من هذه العثرات حتى لا أسميها بشيء آخر لنكون كلنا محبين للفن الرابع، عاشقين لجمال الفرجة و قوة الكلمة ، الأداة التي تحدث التغيير المنشود على مستوى مسارحنا حتى تستعيد عافيتها و جماهيرها.