منذ أيام دُعيتُ عبر الفَايْس إلى عرض جديد لمسرحية الأجواد تزامنًا مع حلول ذكرى اغتيال الفنان الفذّ عبد القادر علولة .. تساءلتُ في نفسي حول ما سيضيفه المخرج و فريقه لهذا العمل على الصعيد الفني ، وهل سيكون الأجواد الجُدد تكرارًا لنماذج عبد القادر علولة التي انتقاها بعناية من مجتمع كان يتلمّس طريقا غير واضح المعالم نحو الإنسلاخ من الواحِدية والنظام الإشتراكي بِاتجاه التعددية واقتصاد البَازار .. تمنيت صادقًا لوْ أنّ المخرج يلْبِس أجواده دِثار العصر، ويتحاورون بلغة حداثية عن انشغالات واهتمامات فئات الشعب من العمال والنساء والشباب في جزائر 2019 .. وَدِدتُ حقًّا لوْ أنّ الأجواد في نسختها الجديدة تتكرّس لتكريم عبد القادر علولة عَبر بثّ روح الشباب في أجواده، من خلال تجديد هيئاتهم و أحاديثهم لتُوائم مُحايَثات ومعايشات واقع اجتماعي مغاير كُليًا في شكلياته ومشاكلاته لحياة ويوميات الأجواد من رجال ونساء في منتصف ثمانينيات القرن الماضي .. فالحال إذنْ غير الحال، و لكن بالإمكان استثمار قوة الخطاب العلولي و عقيدة الإستماتة لأجواده لصالح الراهن الغامض الذي يتقاطع في ملامحه مع الواقع الذي أوحى لعبد القادر علولة بكتابة الأجواد.. من هذا المنطلق ، أعتقد أنّ إعادة استنساخ مسرحية الأجواد تكريمًا واستذكارًا لمبدعها هو فعل إنساني نبيل، إلاّ أنَّ الأنبل من ذلك، هو في تفعيل أفكار الراحل ، كمناضل كرّس ذاته و مسرحه للذود عن العمال والكادحين والقيم المجتمعية والإنسانية النبيلة، وكذلك من خلال تأصيل تجربته الفنية في مسرح الحلقة بالدرس والتكوين والتجريب .. فَبِغير تجديد النفَس في مسرحية الأجواد وغيرها، ومِنْ دُون بَثّ روح العصر ونبض المجتمع في حِراكه الدؤوب وشغفه بالجديد ، ستبقى مسرحيات علولة نُسخا لا ترقى فنيا إلى الأصل، ولا تتفاعل - كأعمال طالَها التحنيط والتكرار - مع التجديدات الحاصلة على صعيد العرض المسرحي ، ومِثلها على صعيد النّص المسرحي واستراتيجيات تلقّيه .. ما أَبغيه، ونحن نستذكر فقيد الجزائر، أن يصبح علولة ونصوصه إرثًا مُتاحا للمسرحيين والدارسين لمدارسته والتجريب فيه بحرية ، لأن الراحل كان طيّبا طيّعا منفتحا على المجتمع بأطيافه المختلفة، متجاوبا مع الجميع، يقاسمهم الآلام و الآمال، والسكون والحركة، ويجعل منهم أجودًا في مبدعاته، إذ يرتقي بهم من دركات البكائية والخنوع إلى درجات الوعي بذواتهم و معاناتهم، ليستحيلوا إلى أبطال مستمِيتين يتحدّون و يكافحون سلميا لأجل انعتاقهم و كرامتهم.