تعتمد الجزائر في اقتصادها على الريع الناتج من مداخيل المحروقات المحتكرة من الدولة التي تقوم بتمويل المشاريع المختلفة والتي كانت توكل إلى مؤسسات عمومية في عهد الاشتراكية قبل السماح للقطاع الخاص بالعمل كمرحلة أولى ثم التخلص من القطاع العمومي بالغلق و الخوصصة بثمن بخس ليذهب لفئة محظوظة من الخواص في إطار التحول إلى اقتصاد السوق وتشجيع القطاع الخاص والتعويل عليه في إحداث التنمية والإقلاع الاقتصادي و هكذا كانوا يبشرون الشعب الذي عانى من العشرية السوداء وقد بدأ التحول الكبير في عهد الرئيس السابق مع ارتفاع مداخيل البترول والتوسع في الإنفاق الحكومي وفتح الكثير من المشاريع الكبرى والصغرى وارتفاع حجم الاستيراد واتساع حركة التجارة. وقد كان المواطنون يلقبون بعض الولاة بنسبة العمولة مثل النصف و5 بالمائة و10 بالمائة ثم تطور الأمر فالمقاول الذي لا يدفع الرشوة يحرم من المشاريع فظهرت فئة من المقاولين الكبار الذين انطلقوا من العدم و للاستفادة أكثر كان يتم تضخيم كلفة المشاريع وتقاسم الأرباح بين المقاول والمسؤول المرتشي وتوسعت عمليات الفساد أفقيا وعموديا وعمت البلديات والولايات والوزارات ولم يكتف المسئولون بتلقي الرشاوى فتحولوا إلى شركاء مع الخواص و أنشأوا مؤسسات بأسماء أولادهم و زوجاتهم و استعملوا نفوذهم للحصول على المشاريع والصفقات العمومية وغيرها و اختلط المال بالسياسة وصارت المسؤولية مصدرا للثراء غير المشروع وساد الفساد وغابت المراقبة والمحاسبة وصار كل شيء للبيع في وطننا حتى مناصب العمل و الوظائف و مقاعد البرلمان وعضوية المجالس المنتخبة وتمكن أرباب المال والأعمال من التغلغل في الإدارات والأجهزة ووصلوا إلى قمة هرم السلطة فاخترقوا رئاسة الجمهورية والعديد من الوزارات وسيطروا على مصدر القرار في الدولة يعينون ويعزلون الوزراء والولاة والمدراء ويتلاعبون بالاقتصاد الوطني مع أن أغلبهم مستواهم التعليمي محدود ولأن الطغيان مرتبط بالمال فقد تم تجاهل كل القوانين و الدوس عليها بالأقدام وتحولت السلطة الحاكمة إلى عصابة متحكمة في البلاد والعباد بالتحالف مع عصابة المال الفاسد تنشط خارج القانون والدستور وقد أطمأنت في مكانها وظنت أن الأمر بيدها ولن تستطيع أي قوة أن تحاسبها أو تزيحها من مكانها فأرادت الديمومة والخلود عن طريق العهدة الخامسة متسترة بالرئيس المريض والعاجز عن أداء مهامه ولكن دوام الحال من المحال والشعب النائب لابد أن ينهض من سباته ويفك الأغلال عنه ويتحرر من سيطرة الطغاة المستبدين الفاسدين المفسدين الذين تصرفوا في المال العام تصرف السفيه الفاقد للأهلية. و جاء الحراك الشعبي السلمي لتقويم الاعوجاج وتصحيح الوضع وإعادة الاعتبار للدولة والشعب الذي يطالب بمحاكمة المتورطين في الفساد ومصادرة الأموال والأملاك العمومية التي نهبوها لأن السجن وحده لا يكفي فالأموال المهربة إلى الخارج والمنهوبة هي الأساس بعد أن يتحقق رحيل النظام طبعا و فسخ الزواج غير الشرعي بين السياسة و المال القذر .