مباشرة بعد أن تأسست الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم باليونان ورسخت مصطلح الحكم للشعب استند عليها المسرح و واكبها و أصبح شكلا من أشكال التعبير الحر فيها. و كان للفن الرابع الفضل في تطور البشرية، فكريا و ثقافيا و اجتماعيا ، كما تبنى المسرح مهمة الدفاع عن الحقوق الأساسية للشعوب و تحقيق المساواة بين كل فئات المجتمع. حيث لا فضل للنخبة الأرستقراطية التي كان تتكون من الأثرياء و النبلاء عن الأغلبية من طبقات المجتمع. و ارتبط المسرح منذ نشأته الأولى بالشعب و بالأخص الفئات الهشة من المجتمع. و لكن مع ظهور بعض الأنظمة المستبدة في العصور الوسطى تراجع المسرح إلى حد الانحطاط، و تراجعت معه الديمقراطية وصودر الرأي و حوصر الإبداع و أصبح المسرح السياسي من بين الطابوهات الكبرى التي تجلب لأصحابها غضب السلطة الحاكمة. لكن المسرح بطبعه المقاوم الرافض و المتحدي لأشكال الاستبداد و الطغيان، استطاع أن يعود مع عودة الديمقراطية في العصور الحديثة التي شهدت تطور الفعل المسرحي مع تطور نظام الحكم الديمقراطي في البلدان التي تبنت هذا الخيار السياسي و أصبح المسرح بمثابة الناطق الرسمي باسم الفئات الهشة من الشعوب في إطار تعددية في الرأي و حرية في التعبير ،عجزت حتى بعض الأحزاب السياسية على مواكبتها. هذه الحالة الصحية للمسرح الديمقراطي كانت سائدة في بعض البلدان الأوروبية المتفتحة على الرأي الآخر، بينما ظل يخضع في بلدان أخرى لنظام الرقابة التي كانت تفرضها الأنظمة الحاكمة آنذاك. بحيث لم تكن تسمح بمرور عروض مسرحية تنتقد السلطة ،بل الرقابة كانت تشمل النصوص حتى قبل أن تتحول إلى عروض مسرحية ، و هذا ما كان يدفع ببعض الكتاب المسرحيين إلى انتهاج أساليب احتيالية باجتناب الانتقاد المباشر و الصريح للسلطة و الاكتفاء بالرمز و الإيحاء يشعرون بها المتلقي أنهم يتحدثون عن وضع غير الوضع الراهن و سلطة غير السلطة الحالية. و هذا ما أسميه إن صح التعبير بمسرحية الديمقراطية التي كثيرا ما كانت سمة جل الفرق المسرحية التي لم تكن تجرأ على انتقاد السلطة مباشرة لكي تستمر في الاستفادة من كرم هذه الأخيرة. بينما ظلت فرق مسرحية أخرى بارعة في «ضرب الشيتة» من خلال عروض مناسباتية تم تصميمها على مقاس هذا أو ذاك المسؤول. و هذا ما يعتبر انحرافا صارخا عن الرسالة الإنسانية التي يحملها المسرح ، و مقايضة للدور و الهدف الذي أسس من أجله. لكن كما كان الخروج عنه رذيلة ، فالرجوع إلى الأصل فضيلة ، فقد آن للمسرح في ظل حراك شعبي تحرري أن يعود لأصله و إلى ديمقراطيته التي لا تخدم غير الشعب و لا تخضع إلا له.