البحر مدرسة الحياة المتجدّدة، ذاك الأزرق المُهاب الذي يؤسر العشّاق ويجدّد العلاقة مع مريديه كلّ صائفة، حقّا إنّه يغسل الأدران ويبعث الآمال في نفوس تعبت من حملها المثقل بالأحلام التي تموت بعد ولادتها مباشرة أو تعيش نسيا منسيا إلى حين، وهذا ألم يتقاسمه الكادحون في كثير من الأمصار، ما أجمل أن تهزم ضجرك وتنسى للحظات همومك المحتلّة لقلبك الحزين حين تمتّع ناظرك بذاك الفضاء الواسع و رؤية الأمواج وهي تبتسم راقصة في جوّ رومانسي لا يُقاوم. لا زالت مسك الغنائم (مستغانم) وفيّة لعهدها مع مريدي شواطئها السّاحرة الآسرة من غربها إلى شرقها ، على اِمتداد وسِعة المكان وتجدّد الزمان كلّما أشرقت شمس الصباح على ابتسامة البحر الهادئ الموشي بيوم حافل بالمسرّات، لا شيء غير صوت الموج وهو يمحو رسم الأقدام في اِحتشام قادر على إسكات عاشق قطع المسافات من أجل هذا المشهد العظيم، حين تغتسل الرّوح بمحبّة المكان ووضاءة نوره فلا ريب أنّها تجدّد الأمل وتبعث الحياة في ثوب يليق برهبة المكان. أينما وليت وجهك ، فثمة شواطئ رائعة تستمدّ سحرها من سحر الطبيعة الخلّابة الفاتن جمالها حدّ الغواية، فمن ذا الذي يتعالى ويقدح في العذارى من اللواتي تزيّن للقاصدين مع إشراقة كلّ صباح في شهر أغسطس الذي يحاكي ليله نهاره في مستغانم الجمال والبهاء، أيا مدينة الكرم والسّخاء، أيا وشما يرسمه العابرون عربون محبّة وتوثيقا تشهده الجوارح. سيدي منصور ..منارة شاهدة على مآثر الأولين من شاطئ سيدي منصور غربا الذي يحكي مجد التّاريخ التليد للمنطقة ، حين كانت منارة شاهدة على مآثر الأولين، وبوّابة مستغانم للوافدين من وهران البهيّة المتعالية عن كلّ وصف أو تعريف، نشدّ الرحال إلى مدينة سيدي لخضر التي اِقترن اسمها بالوليّ الصّالح والمجاهد الذي أتعب العدوّ في معركة مزغران الشهيرة والتي وثّقها في نصّه « قصّة مزغران معلومة»، والشّاعر الذي خصّ جلّ قصائده في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم،إنّه لخضر بن خلوف أو الخلوفي كما يحلو للكثير تسميته، رغم بعد مقامه أو خلوته عن المدينة إلّا أنّ الكثير من السّواح يقصد المكان ليتعرّف على قصة النخلة التي تتكئ على حكاية يرويها الشّاعر نفسه في قصيدته ونُسبت إليه كما يُتداول عند العارفين بالشعر الملحون ورواته والله أعلم. لا تقلّ شواطئ بحّارة في أقصى شرق الولاية وأولاد بوغالم وسيدي العجال وسيدي عبد القادر وغيرها كشاطئ الكاف لصفر أهميّة من سابقيه، هذا الأخير يتفرّد بتركيبته الفذّة لما يزدان به من مغارة وصخور تنحني إجلالا للمصطافين، ما جعلها تستهوي الكثير من المغامرين الشّباب فذاع صيته في ربوع الوطن، وعطفا على ما سبق نذكر عين إبراهيم والميناء الصغير وشواطئ مدينة حجاج التي أصبحت محجّ المصطافين يأتونها من كلّ فجّ في السنوات الأخيرة، ومن لا يعرف سوق حجاج اليومي الموسوم بسوق العصر الذي يعرف حركيّة ونشاطا في فترة الاصطياف. سحر وبهاء بشاطئ «الشّعايبية» في شاطئ الشّعايبية تصنع الأمواج وهي في مدّ وجزر دائمين منظرا آية في الجمال، وتزيدها تلك الكثبان الرمليّة بهاءً وسحرا، كيف لا والمنارة تحرسها ليلا نهارا وهي تقف شاهقة في شموخ، ويعتبر من أحسن شواطئ الولاية بشهادة قاصديه لما يوّفره من أمن وراحة واِستجمام وسكينة للمصطافين، لذلك تقصدها العائلات من مختلف الأمصار المجاورة لمستغانم وتعاود الكرّة كلّما فتحت الشواطئ ذراعيها لعشّاقها ومريديها. ذكرنا هذا على سبيل المثال لا الحصر، ونترك للزائر متعة الاستكشاف بنفسه الكثير من المواقع والأماكن والبيئات التي تزخر بها المنطقة، وهي فعلا تحتفي بهذا الرغد البيئيّ كحسناء تزينت بلباسها القشيب. تبقى مستغانم بشواطئها ومعالمها السّياحيّة والتّاريخيّة مزار العارفين بثقافة السفر والتّجوال، كيف لا وهي تزدان بكم هائل من المعالم الدينيّة والتّاريخيّة والثقافيّة التي لا تزال شاهدة على الحقب الغابرة للأولين الذين سكنوا المنطقة على امتدادها الجغرافيّ.ف..البحر آية الله البديعة، فطوبى لمن تربطه هاته العلاقة الروحانيّة بينه وبين البحر وزادته قربة للخالق عزّ وجلّ وازدان ذكره بوصفه وتعطّر لسانه بالحمد والشّكر على نعم الله التي أكرم بها عباده.