لا يعيب الخارطة الحزبية أن تكون مقسمة بين يمين بأطيافه و يسار بأنواعه و وسط بدرجاته أو بين تيار إسلامي و آخر علماني و ثالث وطني أو بين تحالف مؤيد و تكتل معارض ما دام الكل يحتكم لآليات الديمقراطية و نتائج صناديق الانتخابات الشفافة و النزيهة ، لكن الضير أن يكون لديك أكثر من 60 حزبا ينتهلون من مختلف الأدبيات السياسية و المراجع الفكرية شكلا و يناقضونها موضوعا ، أن يكون لك العشرات من الأسماء الحزبية الخالية من أي مسميات ، أن تتوفر الهياكل لكن بلا روح و لا قواعد شعبية حقيقية تؤيد و تتجند و تعمل لتطبيق البرامج و الأفكار المقتنعة بها . إن التصحر الحزبي المتمدد اليوم على خارطتنا الوطنية قد تكون له تداعيات خطيرة إن لم يتم معالجة الخطأ في أقرب الآجال فالعملية الديمقراطية لم تعد ترفا يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة بل أضحت من الدعائم الرئيسية في استقرار الدول الحديثة تضمن تداول السلطة بعيدا عن التسلط المطلق و تمكن من مساهمة الشعب في تقرير مصير حاضر و مستقبل الوطن من خلال التمثيل النيابي و التشكيل الحكومي مستبعدة ال « أنا » الفردية الهالكة و المهلكة . لكن كيف السبيل لإعادة بعث الروح للحياة الحزبية في الجزائر ؟ هل من خلال شطب الموجودة حاليا ما دامت صلاحية استهلاكها قد انتهت كما يرى بعض المتابعين ، لكن هل لغة الإقصاء أصلا موجودة في القاموس الديمقراطي و بأي حق يتم إعدامها سياسيا و ما هي الإجراءات الواجب إعمالها في مثل هذه الحالة ؟ ...أم أن الترياق الناجع يكمن في تجديد دمائها بوجوه جديدة بصحيفة سوابق سياسية خالية من أي شبهة فساد ما دامت إحدى معضلات العملية السياسية في بلادنا أنها لم ترتكز في أي يم على البرامج السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بقدر ما استندت على اسم الشخصية المروجة لهذه البرامج للحكم عليها بالرفض أو التأييد ...أم أن الحل الجذري للأزمة مرهون بإنشاء تكتلات سياسية جديدة بأفكار و أهداف خارج صندوق التنظير المجتر لعقود تمنح الفرصة لشباب استلهم رؤيته للجزائر الحديثة من تفاعل مجتمعي شعبي تاريخي انطلق في ذات 22 فيفري 2019 تخلص من ضيق الإيديولوجيا و التصنيف الكلاسيكي للتيارات إلى رحابة النظرة الشاملة للمصلحة العليا للوطن بآليات مرنة تستوعب أطروحات الجميع ؟ .