إني أتذكر ذلك اليوم جيداً ، إذ جاءني صديقي عبد السلام على غير عادته ، يُعاني قلقاً كبيرا على زوجته الثانية الحامل ، والتي كان يُحبها بشدّة! ، هل تعرفون من يكون عبد السلام ؟ هو نفس عبد السلام الذّي دفناه الأمس، بعد صلاة العصر... ، هل تعرفون عائلته ؟، هم أناس طيبون ، ولا أستطيع أن أتكلم بشأنهم ، لا أستطيع إلا أن أمدحهم ... تُوفي قبل يومين، وقد تجاوز الثمانين سنة بأشهر قليلة . عاش بعد وفاة زوجته الأولى عشرين سنة، وتزوج امرأة ثانية، أرملة!.. كانت زوجته الأولى عاقراً، لكنه كان يحبها ويعشقها!، رفض أن يُطلّقها ويتزوج غيرها، ولأنها امرأة رفضت أن تسكن مع ضرّة ، قد يُؤلمها منظرها وهي تلاعب أولادَها أمامها! أبَى بشدّة أن يُطلّقَها، وصرخ في وجهها أن الحديث في ذلك مَحسُومٌ، ولا داعي لأن تفتحه مرة أخرى.. عاش معها ما يقارب الثلاثين سنة، في حضرة المُقرّبِين من أصدقائه ، وكانوا لا يتجاوزون الخمسة كان يُعبر عن شوقه للأولاد والرغبة الشديدة في الذّرية، وأمام الآخرين يقول بأنه راضٍ بقدر الله ، ويكفيه أن يجعل من أولاد إخوته أولاداً له .. وبعد أن تُوفيتْ زوجته تمنَّع عن الزواج من نساء صغيرات في السن، وإن كُن جميلات فالأكيد أنهن طامعات في رزقه وماله!، ..وزُفَّت إليه أرملة لها ابن يبلغ من العمر أربع سنوات، وقد كبر وصار رجلاً ، وما عامله أبداً كربيب وإنما كابن ، وذاك الربيب هو الذي رأيتموه يبكيه بحرقة في الجبانة .. ، ورُزق من تلك الأرملة بولدين ، بنت تدرس في الثانوية ، وصبي في المرحلة الإعدادية .. وإني لأستحضر أسئلته التي أرهقتني عن الحمل، وعن شكل الرضيع ، وكيف هو صوته؟ وهل يستطيع أن يحتضنه ويُلاعبه كما يفعل الآباء الشباب ؟..، ولأنه صديقي الأثير فكنتُ لا أضجر أبدا من أجيبه كلما يسألني نفس الأسئلة ، حتى بدأت ابنته الصغيرة تتهجّى كلماتها الأولى : ب....بابا....بابا ... فتوقفتْ فجأة أسئلته !.