هدوء حذر تعيشه منذ أزيد من أسبوع عاصمة الواحات غرداية، جعل الحياة تدبّ من جديد بأسواق وشوارع المدينة ولو تدريجيا نظرا لهول الأحداث المأساوية الأخيرة والرعب الذي سكن قاطني غرداية من تجار وسكان جعلتهم يتعاملون مع الأوضاع المستقرة بكل حذر وترقب خوفا من عودة الإنسداد وتكرار المشاحنات. ما عاشته الولاية من خراب وفتنة وإنفلات أمني هذه المرّة بأحياء قدماء المجاهدين بني يزقن و مرماد وثنية المخزن وكذا سيدي عباز لم تعرفه في أوج الصراع بين طائفتي المالكيين والإباضيين في أحداث بريّان سنة 2008 إذ تنقلت الفنتة الى البلديات المجاورة كضاية بن ضحوة على بعد 10 كنم مرورا بلدية بونورة علما أن بداية الأحداث شهدتها ببلدية القرارة التي تبعد عن مقر الولابة ب 120 كلم. وكنتيجة حتمية لما جرى من فوضى وتخريب كان لزاما على الدولة التدخل بقوة وفرض الإستقرار بالمنطقة بعد أن عجز عقلاؤها في ذلك وإنفلتت الأمور من أيديهم، فتحركت المصالح الأمنية المشتركة من شرطة ودرك لتتوزع على شكل فرق ومجموعات بكل أنحاء المدينة وتعدى تواجد عناصر الأمن والدرك الوطنيين المناطق الساخنة التي شهدت الفوضى الى تلك الآمنة ذلك وفق خطة أمنية محكمة تهدف الى إعادة الهدوء للمنطقة وضواحيها، من خلال تجنيد سبعة آلاف وسبع مائة ''7700'' عنصر أمن بين شرطي ودركي للسهر على ضبط الوضع واستتباب الأمن. برزت مساعي مصالح الشرطة في ضبط الهدوء جليا وذلك من خلال التدخل الفعّال والتحكم في زمام الأمور بوسط المدينة اين تمركز اعوان الأمن الوطني بكل شوارع غرداية وأحيائها وحتى أزقتها لضمان الإستقرار بالمنطقة المنكوبة إذ لا يخلو مكان بغرداية إلاوتجد فيه مركبات الشرطة ناهيك عن تنشيط دوريات راجلة ومتنقلة تجوب المدينة طيلة 24 ساعة. ولهذا الغرض تم تسخير 2700 شرطي حيث تم تدعيم جهاز الأمن الوطني بعدما تطورت الأحداث ب10 وحدات للأمن الجمهوري و5 فرق متنقلة للشرطة القضائية تعمل طيلة 24 ساعة ، الى جانب التكفل النفسي بضحايا المأساة من خلال تجنيد 25 أخصائيا نفسانيا تابع للمديرية العامة للأمن الوطني جهاز الدرك الوطني هو الآخر تدعم بثلاث آلاف دركي إضافة إلى الألفين الذين كانوا بعين المكان منذ إندلاع الأحداث وتم توزيعهم بقصر غرداية المتكون من عدة أحياء منها الحفرة وسوق الحطب وسالم اوعيسى، إضافة الى تواجد الدرك الوطني بجبل أوجوجن التي يعتبر الفاصل بين السكان بني ميزاب والمالكيين العرب وبإعتبار أنه عال يطل على أحياء هؤلاء المتخاصمين فقد كان أحسن مكان للهجوم بإستعمال زجاجات المولوتوف والعجلات المطاطية والحجارة. وحسب العارفين بالوضع فقد تم استعمال أسلحة تقليدية خطيرة يمكنها قتل المصابين بها، من بينها المنجنيق وهو عبارة عن كريات من الجبس بداخلها مواد مشتعلة كانت ترمى من أعالي جبل أوجنجن الى جانب استعمال قطع من الحديد المستعمل لإنجاز أساسات البناء يتم وضعها في حمض الأسيد ومسحها بالثوم وذلك ليصعب على الأطباء تخييط جراح المصابين بهذه الأسلحة. وأمام تقاذف التهم بين الطائفتين ومحاولة كل واحدة التنصل من مسؤولية سلوكات بعض شبابها والإكتفاء بلعب دور الضحية يبقى حل أزمة المالكية والإباضية بيد عقلائها من خلال التكتل في مجالس الأعيان وطرح إنشغالاتهم والبحث عن سبل حلّها وتغليب العقل عن النزعة القبلية.