على الرغم من كل البرامج السكنية الهامة التي تهاطلت في العشرية الأخيرة على ولاية الشلف شأنها شأن باقي ولايات الوطن بموجب برنامج المليون سكن، إلا أن احتياجات المواطن المسجلة محليا في هذا الصدد تظل متزايدة لتبقى كل المشاريع المنجزة و الجاري إنجازها غير كافية لتغطية الطلب على السكن بمختلف أنماطه. و هي مفارقة تستدعي طرح العديد من الإستفسارات بخصوص مصير المشاريع السكنية المنجزة و طرق توزيعها. و تتطلب الإجابة عنها تشريح قطاع السكن بالولاية والتعرض إلى مختلف جوانبه. كما هو معلوم لدى العام و الخاص، فقد شهدت الحظيرة السكنية لولاية الشلف ارتفاعا ملحوظا في عدد الوحدات السكنية المستحدثة خلال العقد الأخير أين قفزت لتصل إلى 173890 وحدة سكنية تشمل مختلف الأنماط حسب الإحصاء العام للسكن و السكان لسنة 2008 حيث أسفرت المرحلة التنموية الممتدة من سنة 1999 إلى غاية 2009 عن إنجاز ما لا يقل عن 56386 سكن جديد، منها 29 ألف سكن ريفي و أزيد من 17 ألف سكن اجتماعي إيجاري و يرتقب أن يتضاعف العدد أكثر مع تجسيد البرنامج الجاري الذي يتضمن بدوره 22 ألف إعانة ريفية، 8500 سكن عمومي إيجاري و 400 وحدة سكن ترقوي مدعم، غير أن النقطة السوداء التي تعيب هذا القطاع الحساس هي نوعية الإنجاز، فيغض النظر عن الكيفية التي تقام بها البناءات الريفية و التي لا تمت بأي صلة لطابع العمران الريفي، فإن إنجاز السكنات الاجتماعية سواء الإيجازية أو التساهمية تشوبه جملة من النقائص أهمها تأخر أشغال الإنجاز إذ لا يتم إطلاقا إحترام الآجال المتفق عليها و وصل الأمر إلى حد التأخر بأزيد من 05 سنوات عن الآجال المحددة بالنسبة لسكنات عدل التي انطلقت أشغالها منذ سنة 2002 و لم يتم الإنتهاء منها إلا هذا العام، من جهة أخرى سجلت العديد من التجاوزات أو النقائص في انجاز السكنات الإيجارية نذكر على سبيل المثال حصة الأخيرة التي وزعت مؤخرا بحي بن سونة و التي تضم حوالي 350 وحدة التي اتضحت بها العديد من العيوب إذ سجلت تشققات على مستوى الأرضيات، انهيار سلالم مدخل العمارات تسرب المياه داخل السكنات، و تجمع المياه داخل الأقبية وهو ما جعل الوالي الحالي السيد محمود جامع يحرص كل الحرص على ضرورة مراعاة معايير البناء و كذا إعطاء أهمية بالغة للجانب الجمالي للعمارات الجاري إنجازها كما هو الشأن بالنسبة لمشروع المدينةالجديدة بالشرفة التي سيجعل منها الوالي تحفة عمرانية قصد تدارك الأخطاء السابقة التي يدفع المواطن البسيط وحده ضريبتها. البناء الريفي فرصة لتجديد القرى مما لا شك فيه أن برنامج السكن الريفي قد عزز الحظيرة السكنية بولاية الشلف، و ساهم بشكل كبير في مجابهة شبح النزوح الريفي بالنظر إلى العدد الهائل للوحدات السكنية التي أنجزت في هذا السياق في غضون السنوات العشر الأخيرة حيث مكن هذا البرنامج الولاية من الاستفادة من 29097 إعانة ريفية، أنجز منها 21875 و 4216 مازالت في طور الإنجاز بينما مازالت الأشغال لم تنطلق ب3006 إعانة متبقية، هذا إضافة إلى البرنامج الجديد الذي يشمل 22 ألف وحدة أخرى ستنجز على مدار السنوات الخمس المقبلة، و مع ذلك فإن نسبة الطلب على هذا السكن مازالت مرتفعة إذ يفوق عدد الطلبات المودعة 36 ألف طلب و إذا حاولنا تسليط الضوء على حصة كل بلدية و كيفية توزيعها، نجد أن حظوظ البلديات متفاوتة و لا تخضع إلى أي معيار موضوعي فبلدية بريرة الريفية الواقعة بالجهة الشمالية الشرقية للولاية التي تفتقر كليا إلى كل الأنماط السكنية الأخرى، و التي كانت أغلب حظيرتها السكنية عبارة عن أكواخ طوبية استفادت إجمالا من 934 إعانة ريفية في الوقت الذي نجد فيه عاصمة الولاية قد استفادت من 726 إعانة ريفية مع أنها في الغالب ذات طابع حضري واستفادت من مختلف الأنماط السكنية الأخرى، كما أن شروط الاستفادة من تلك الإعانات الريفية باتت محل جدل إذ نجد سكان مراكز بعض البلديات يحرمون من الاستفادة من البناء الريفي بدعوى إقامتهم بمركز البلدية مع أن هذا الأخير ليس أكثر من مجرد قرية كما هو الحال بالنسبة لبلدية الحجاج التي تعذر على سكان مركزها الاستفادة من السكن الريفي مع أن ظروفهم المعيشية كارثية و على الرغم من كون كامل البلدية ذات طابع ريفي، و في الوقت الذي سمحت فيه السلطات المحلية لبعض البلديات لمواطنيها بالاستفادة من الإعانات الريفية و إقامتها فوق أراضي تعود ملكيتها للدولة، تعذر على عدد كبير من محتاجي السكن الريفي الإستفادة بحجة عدم توفرهم على أراضي تخصهم، هذا في الوقت الذي اجتهد فيه مسؤولو بعض البلديات لتسخير برنامج السكن الريفي لتحسين نوعية الحظيرة السكنية على مستوى بلدياتهم ومنح الإعانات للقاطنين بالبناءات الهشة حتى ولو كانت بمركز البلدية و هو ما يجعلنا نحكم على طريقة توزيع السكنات الريفية بالإنفرادية و الذاتية. الأمر الذي دفع بالسكان إلى الاحتجاج في ظل المقارنة بين هاته البلدية و تلك. السكن التساهمي الغائب الأكبر تعتبر ولاية الشلف أقل حظا مقارنة بالعديد من ولايات الوطن من حيث حصص الاستفادة من السكن التساهمي و كيفية تجسيدها على أرض الواقع، فمنذ سنة 1999 إلى غاية 2009 لم يزد نصيب الولاية من هذا النمط السكني عن 4780 وحدة مسجلة، أنجزت منها 3673 وحدة بينما لتزال 897 و حدة في طور الإنجاز في الوقت الذي مازالت لم تنطلق فيه بعد أشغال إنجاز 210 وحدة أخرى تندرج ضمن شريحة 2007، و بغض النظر عن ضعف الحصص الممنوحة للولاية في هذا الصدد، هناك العديد من المشاكل التي حالت دون نجاح هذا النمط السكني و أثارت حفيظة المستفيدين منه، فالسكن التساهمي مازال مقتصرا على بعض بلديات الولاية دون البعض الأخر حيث تم إنجاز معظم البرنامج الممنوح على مستوى بلدية تنس بنسبة 1430 وحدة و عاصمة الولاية بنسبة 1518 وحدة إلى جانب بلديات بوقادير، سيدي عكاشة بني حواء و عين مران التي أنجزت بكل منها حوالي200 وحدة. لتحرم بذلك جل البلديات الأخرى من هذا النوع من السكن و هو ما يجعل شريحة واسعة من السكان في حيرة من أمرهم إذ لا يسمح لهم من جهة بالاستفادة من البناء الريفي بحجة إقامتهم في الأحياء الحضرية، و لا تعطى لهم فرصة من جهة أخرى للإستفادة من السكن الإجتماعي الإيجاري بذريعة أن أجرهم الشهري يفوق 25 ألف دينار بينما لا يوفر لهم النمط السكني الذي يناسب وضعيتهم ألا و هو السكن التساهمي الذي أصبح مفقودا بالشلف على الرغم من عدد الطلبات الهائلة المسجلة بشأنه والتي تفوق 7500 طلب على الأقل. و نشير في هذا الصدد إلى أن الجهات المعنية لم تعد تستقبل الطلبات الخاصة بهذا السكن و أصبح الملف مجمدا إلى وقت لاحق لم يحدد بعد خاصة أن حصة الولاية من السكن التساهمي في إطار البرنامج الخماسي الحالي لم تتجاوز 4000 وحدة، مما يعكس حجم العجز المسجل في هذا الصدد. كل هذه المشاكل يضاف إليها الكيفية التي انجزت بها تلك السكنات التساهمية، إذ طالما شكل الأمر موضوع احتجاج من قبل المستفيدين الذين عبروا في عدة مناسبات عن تذمرهم من التجاوزات الحاصلة في أشغال الإنجاز و عدم احترام مقاييس البناء و كذا عدم احترام أجال الإنجاز القانونية، و ابتزاز بعض المقاولين للمستفيدين و إجبارهم على دفع مبالغ إضافية بحجة ارتفاع أسعار مواد البناء إلى جانب افتقار أحياء السكن التساهمي للتهيئة الخارجية. الشاليهات: الملف المعضلة على الرغم من مرور حوالي 03 عقود من الزمن على زلزال الأصنام الذي كان في شهر أكتوبر من سنة 1980 إلا أن أثار الزلزال مازالت قائمة إلى غاية اليوم من خلال استمرار سكان الشلف في الإقامة بالشاليهات و المقدر عددها بأزيد من 18 ألف شاليه بلغ معظمها درجة متقدمة من الإهتراء، و لم تفلح الجهات المسؤولة بعد في وضع حل نهائي لأزمة الشاليهات بالشلف و باءت كل محاولات طي هذا الملف الحساس بالفشل، إذ مول الصندوق العربي للسكن مشروعا لإتجاز 6300 وحدة سكن إجتماعي إيجاري بكل من الشطية و الشلف الغرض منها نقل المنكوبين الذين مازالوا مستأجرين إلى تلك السكنات الإجتماعية غير أن هذا الحل المقترح فجر الأوضاع، و كان الملف سبب أعمال الشغب التي اجتاحت بلديتي الشلف و الشطية مع نهاية شهر أفريل من سنة 2008، و اقترحت وزارة الداخلية آنذاك تقديم إعانات بقيمة 70 مليون سنتيم شريطة أن يلتزم المستفيد من الإعانة بإزالة البناء الجاهز و هو الإقتراح الذي لم يلق أي تجاوب من قبل سكان الشاليهات. إذ تشير أخر الإحصائيات إلى أنه من مجموع 18315 شاليه فإنه تم إيداع 580 ملف فقط لطلب الإعانة تمت المصادقة على 441 ملف من بينها و منحت مقررات التأهيل ل307 ملف من ضمنها، و في ظل امتناع السكان عن التنازل عن بناءاتهم الجاهزة و الإلتحاق بالعمارات التي تنجز لصالحهم تم تحويل هذه الأخيرة إلى سكنات اجتماعية إيجارية تضاف إلى رصيد الولاية لتعزيز هذا النمط السكني و التخفيف نسبيا من حدة أزمة السكن المطروحة في هذا السياق. البناءات الهشة: جهود هزيلة لإحتواء الظاهرة تم في سنة 2007 إحصاء أهم المواقع التي تضم الأحياء القصديرية عبر مختلف بلديات ولاية الشلف قصد مباشرة حملة القضاء على ما اصطلح على تسميته بالبناءات الهشة أو غير اللائقة، و أسفرت العملية عن إحصاء ما لا يقل عن3600 بيت قصديري، يتمركز معظمها بعاصمة الولاية التي يوجد بها حوالي 1000 بناء قصديري موزعة في شكل أحياء فوضوية ظهرت على وجه الخصوص تزامنا مع الأزمة الأمنية من بينها حي الشرفة، حي الإخوة عباد، حي الشقة، حي شريفي قدور و أحياء الحسنية و لالة عودة، كما يوجد عدد هام من تلك السكنات المبنية بطرق عشوائية ببلدية أبو الحسن التي أحصي بها أزيد من 230 بناء قصديري و كذلك الأمر بالنسبة لبلديات عين مران، وادي سلي و الشطية التي تحصى فيها السكنات القصديرية بالمئات، غير أن البناءات القصديرية مازالت في انتشارها المتزايد أمام عجز بعض العائلات عن تأمين مساكن لائقة و خصص كشريحة أولى للقضاء على تلك البناءات 1500 وحدة وجهت 500 من بينها لبلدية الشلف باعتبارها تضم أكبر عدد من البناءات القصديرية في حين وزعت البقية بنسب متفاوتة على مختلف البلديات الأخرى مع اقتراح دراسة انجاز الحصة المتبقية في غضون البرنامج الخماسي الجاري، غير أن المشكل الذي يبقى مطروحا في هذا الشأن هو اقتصار البناءات الهشة على تلك السكنات القصديرية التي أنجزت بطريقة فوضوية بينما يوجد ببعض بلديات الولاية بما فيها عاصمة الولاية سكنات قديمة مهترئة لم تعد قابلة للترميم و لا للتوسع نظرا للوضعية الكارثية التي ألت إليها و من بينها السكنات الموجودة بحي بن سونة بمدينة الشلف، و سكنات حي الثورة بتلعصة و غيرها من البنايات القديمة الأخرى المهددة بالانهيار التي لم يحظ أصحابها بالتفاتة المسؤولين، إذ أن هذه الفئة من الناس غير محصاة ضمن قائمة البناءات الهشة و غير قادرة على الاستفادة من السكن الريفي بحكم إقامتها ضمن النشيج الحضري و يبقى عليها أن تنتظر حظوظها الضئيلة للاستفادة من السكن الاجتماعي.